الغنى غنى النفس والقلب
حافظ منصور
عندما هاجم المحتلّ الغاشم ديار المسلمين، واحتلّ بلاد الإسلام (أفغانستان)، ولاحق المجاهدين حتى اضطروا إلى اللجوء للكهوف والسهول والوديان، وعاشوا عيش التقشف وشظف العيش، تعوّدت نفوسهم على الصّبر وتحمّل المشاق في ميادين الجهاد، وكان هذا حالهم إلى أن منّ الله على أمتنا المكلومة وشعبنا المضطهد بانهزام أكبر طاغية على وجه الأرض على أيدي هؤلاء البسطاء والمستضعفين. وهاهم هؤلاء الرجال يديرون الآن البلاد ومقاليد الحكم بأيديهم.
وفي الآونة الأخيرة، تثار شبهاتٌ وأباطيل وتهديدات من هنا وهناك، منها أنّ الإمارة الإسلامية سيعاني رجالها الفقر في قادم الأيام، ويكأنّهم كانوا قبل ذلك من المترفين والباذخين في العيش!
صحيحٌ أن رجال الإمارة الإسلامية ومعظم جنودها لم يستلموا راتبًا بعد سيطرة الإمارة الإسلامية على البلاد، لكنهم قادرون على أن يتحمّلوا هذا الوضع وإن دام إلى شهور وسنوات، لأنّهم ما خرجوا لأجل الراتب والمال، بل خرجوا للجهاد في سبيل الله. فالإعلاميون الذين يصنعون الوثائقيات من قواعد المجاهدين وثكناتهم يتعجبون من بساطة أغذية المجاهدين وطعامهم وشرابهم، وكيف أنّهم يستطيعون العيش بالبطاطس والباميا وما إلى ذلك من الطعام البسيط والروتيني يوميًا. لأنّ الغنى هو غنى القلب، والفقر هو فقر القلب، كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس”.
قال العلامة الشهيد ابن النحاس رحمه الله: والذي نشاهده من الناس أنهم لما أعرضوا عن الجهاد، وأقبلوا على الاكتساب من مختلف الجهات، المباحة والمحرمة، سلّط الله عليهم فقرَ قلب، وشدةَ حرص، وغلبة شحّ، فمنعوا كثيرًا من الحقوق الواجبة، وتناولوا كثيرًا من الأمور المحرمة كالمكوس والضرائب، وغيرها، وصار متاعُ الدنيا القليل عندهم كثيرًا جليلًا.
لقد أذلهم الحرصُ والطمع، وقلّ أن تجد منهم أحدًا إلا وقد استولت عليه الذلة، فهو ذليلٌ للشخص الذي يرى أنّ رزقه يأتيه من جهته، استعبَدَه الطمعُ للمال، والخوف من فواته.
ولو كان غنيًا في نفسه وقلبه لكان حرًّا، فهو في الحقيقة فقيرٌ وإن كانَ صاحب ثروة، وهو ذليلٌ وإن كان في ظاهره عزيزًا، استولى الذلُّ على قلبه، وسكن فيه.
إنّ المجاهد الذي يرتزق بسيفه عن طريق الغنائم، لا يشعر بالفقر ولا بالذل، لأنّ رزقه مأخوذ بالسيف، ليس لأحد غير الله فيه منة، والغنيمة حلالٌ محضٌ صافٍ لا شبهة فيه، فهي سببٌ في تنوير القلب، وطرد ظلمات الشحّ والبخل والحرص عنه.
وإن المجاهد الذي يأتيه رزقه من الغنيمة غنيُّ النفسِ وإن كانَ فقيرَ اليد، وشعارُه العزةُ والعظمة وإن كان دِثَارُه الظاهر الذلّ والمسكنة، فهو ينطبق عليه كلام الله عن المؤمنين: ]فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ المائدة : 54.
أمّا من اكتسب رزقه من الشبه، وأذلّه الطمعُ للنّاس، فهو -وإن كان عزيزًا في الظاهر- فإنّ قلبه بأنواع الذلّ عامر، وهو -وإن كانَ في الظاهر غنيًّا بما جمع- فهو في الباطن فقيرٌ بالحرص والطمع. وتأبى المكاسب الدنية، إلا أن تورث هذه الأخلاق الردية، ]والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم[.