الفشل یتفشی في مخططات الاحتلال والعملاء

جنود أمريكانبعد أعوامٍ من الحرب العقیم التي تمارسها الاحتلال في أفغانستان لم تستطع أن تكسب شیئاً، ولم تتمكن بعد قمع الشعب أن تنال من المجاهدین، ولم تساعدها أجهزتها العسكریة الفائقة، وقوة ‌اقتصادها في الأمر، ولم تبق لها إلا أن تلعق جروحها الناجمة من الحرب.

والآن لا تقاتل الأنظمة الغربیة والنیتو والملیشیات في أفغانستان لأجل التقدم أو حتى الحفاظ علی سیطرة الأماكن التي تخضع لها؛ بل تقاتل لأجل الحفاظ علی معسكراتها فحسب، وأنّ ممارسات القمع الحكومي في أرض الأفغان واقتراف الجرائم ضد شعائر الإسلامیة وضد البشریة من جانب قوات الاحتلال والعملاء من الجنایات لیس إلا الحفاظ علی مصالحهم وأنفسهم ولا یغیب الأمر علی الشاهد.

إن الاحتلال جعلت أفغانستان تهوي إلی هوة عمیقة من الفقر الفجیع، والحرمان الشدید من الحقوق مثل الأمن الاجتماعي والاقتصاد المرضی، والحریة ونحن نسمع من الشعب الأفغاني نعرات التشاؤم بشأن الاحتلال والعملاء حیث رؤوا بعین الواقع أن الأمريكان وحلفائها، هم العقبات الواقعة في الطریق؛ بل إنّ الشعب الأفغاني أعرب مراراً وتكراراً عن تخوفه ممّا سیحدث إذا لم تخرج الاحتلال من أرضهم.

نقلت الإمارة الإسلامیة أنّ المیلشیات في 19/3/2013 نفذوا جنایة ‌كبیرة في قریة كونجك بمدیریة “موسی قلعه” بولایة هلمند علی مسجد وذلك في أثناء موعظة كان الخطیب یلقیها للمصلّین حیث قامت الملیشیات بدقّ الطبول وتمزیق المصحف. انتهی الكلام.

وتاریخ العملاء یشهد مثل هذه الكوارث، وهذا العنف ممّن تدرب فكریاً وتتلمذ عقیدة لدی الاحتلال متوقع بقدر ما هو مضلل. وأنّ جمیع مخططات الملیشیات وبرامجهم تبعث قوات الاحتلال بمعنی أنّ الاحتلال تحاول أن تجعل الملیشیات موجة تؤید التیار الأمیركي، وتسعی لبسط سیطرة صاحبها في المناطق المعینة ولكن بمجرد أن توقف التقدم المیداني  والسیاسي للاحتلال في أفغانستان بدأت صعوبة أمر الملیشیات حینما أخذت الاحتلال في النواح بسبب الاضطرابات التي ركبتها ورجحت الانسحاب في حزن علی استقرارها وأمنها بین الشعب الأفغاني كما سمعنا أنّ نواب الكونجرس الأمیركي أعربوا عن مساءتهم من استمرار الحرب في أفغانستان واعتبروها مضیعة للأموال وضاراً للأرواح.

وأن المحللین الأمیركیین یعرفون أن التطوّر قد مال إلی المجاهدین، وهكذا یبدو للعالم قوتهم وتفوّقهم علی الاحتلال (ربما أنكروا السبب  أعني الجهاد والإسلام)، وأنّ الطریق الوحید أمام الأمريكان هو التعجيل في الفرار بدلاً من الإلحاح علی البقاء في أفغانستان.

قال “ولتر جونز” – النائب الجمهوري الذي توجد في ولایته نورث كارولاینا أكبر قاعدة مشاة لبحریة الأمیركیة في الساحل الشرقي للولایات المتحدة – : (أنا لا استطیع أن استمر في تأیید مشروع یرسل مليارات ومليارات من الدولارات إلی أفغانستان ).

ولكن الملیشیات الأفغانیة لایحبون ذلك؛ بل یحبون أن لا تنسحب الاحتلال وأن لاتتراجع علی أدراجها بل لتبقی حتی تواصل قتل الشعب، ویواصل العملاء في همجیتهم وإن تظاهروا أحیانا غیر ذلك.

وأول خطإ یرتكبه العملاء ‌هو اعتمادهم الوثیق، وتعاملهم الكامل مع قوات الاحتلالیة، ویظنون أنّ الأمريكان كذلك تعتمد علیهم متجاهلین حجم الشكوك والمساءات الأمیركیة بالنسبة إلیهم، ویشتركون مع الاحتلال في إثارة الاضطرابات وأعمال العنف والفساد والخلل الأمنیة مع أنّ الأمريكان قد افتقدت اعتمادها علی عملاءها في أفغانستان، وعرفت عدم نجاح الملیشیات وعدم شعبیتهم.

وهناك إشارات تدل علی ذلك كما تحدث “بیتر ویلش” عن سیاسة إعادة البناء التي تبنتها الاحتلال في أفغانستان قائلاً: (إن الولایات المتحدة تحتاج إلی حلف یكون شریكاً لها وأنّ حكومة كرزاي فاسدة).
ومثل هذه النظریات مؤشرة واضحة علی تعمق الشقاق والشرخ بین العملاء وصاحبهم، ولذلك نری بین فینةً وأخری تنفجر مشاعر الشك والعداء المكبوتة بینهما، وتتحول إلی النقد الواضح، والتندید الشدید في الاجتماعات والمحاضرات.

كما سمعنا من قبل أن كرزاي أمر الملیشیات الأفغانیة أن یتركوا وحدات القوات الأمیركیة، وأن لا یشاركوا معهم في تعذیب المدنیین، وقتلهم رغم أنّ كرزاي تراجع لاحقاً عن كلمته لكن یتحقق لنا مدی الاعتماد بعضهما علی بعض، وأنّ كرزاي وأصحابه یعلمون بأنه لا یمكن لهم البقاء في أفغانستان علی حالتهم العدائیة‌ إلا بحبل من الاحتلال.

فالاحتلال تخطط لهم وهم ینفذونها من قمع الشعب، ومنع الناس من الحصول علی حقوقهم السیاسیة والاجتماعیة، وممارسة ‌المظالم المضطربة والسلوكیات المتطرفة وتكریس – الإسلام الأمريكي- 
فمن هذا الجانب تعد قوات العملاء كقوة مساعدة لفكر الاحتلال ولتبلیغ المسیحیة وما یشابهها بین المواطنین الأفغانیین، ولا یتعلق الأمر برئاسة كرزاي فحسب؛ بل لا یختلف الأمر إذا جلس عمیل آخر علی الرئاسة لو لم تخرج الاحتلال من أفغانستان.

إنّ الملیشیات (إذا افترضنا ذلك) والمجاهدون كلاهما ینطقان بالإسلام ولكن الفرق بینهما أنّ إسلام المجاهدین یأمرهم بالمقاومة الباسلة والدفاع عن الأعراض وأموال المسلمین والقیام بالأحكام الشرعیة، و رعایة حقوق الشعب والسعي الحثیث إلی ذلك وأما إسلام الملیشیات أمرهم بتمزیق المصحف والتأیید الخالص لمن یمتص دم الأبریاء، وینتهك الأعراض، وینهب الأموال وهم بصدد أن یزرعوا الإسلام بهذا المفهوم في نفوس الشعب، ولكن هذه الفكرة لم تأت بنتائج مطلوبة لهم غیر أنها أدت إلی مظاهرات في الشوارع، وكثیراً ما وصلت إلی اشتباكات وعدم الاعتماد علی قوانین العملاء التي رسمت تحت ظل طغیان الاحتلال ولا تصلح لبیئة أفغانستان.

یمكن سرد قصص مشابهة من مخططات الاحتلال في أفغانستان حیث حاولت أن تنتخب الملیشیات من مختلف الطوائف والقطاعات لتجعلهم وسیلة ترتبط الشعب الأفغاني بالاحتلال، ولیكونوا فارقة بین الشعب والإمارة الإسلامیة لتقلیص المجاهدین، وساعدت عملاءها في ذلك مساعدة جمة بتكلفة باهظة حتی یقتنع الشعب بأنه لا معنی للمقاومة إلا المماطلة في نشر الحریة.

وأنّ العملاء ‌هم الممثلون للحریة والديمقراطية التي تسعی للتنمیة والمساواة و عدم الطغیان، وهذا أیضا من الأخطاء المسببة في تعثر الملیشیات في الطریق، والعجیب أنّ بعض النقاد والمثقفین من المسلمین یجعلون دعایات العملاء والاحتلال معاییر ونصوص عالیة، ثم یفسّرون حالات العنف والفساد وعدم الكفاءة التي ترتكبها العملاء بتحلیلات تنطق بها العملاء وتتقول بها الاحتلال.

ومن جانب آخر إنّ الدیمقراطیة التي تسعی إلیها العلمانیین الأفغانیین تساوي لیبرالیة الاحتلال حیث تنتهی إلی المنحنیات والتحولات الفظیعة كما ابتدأت ببدایات خاطئة، ولیس فیها سمات؛ بل فیها آفات وصعوبات وفوضویات.

وأبداً لایمكن للشعب التخلص من موروثات الاحتلال الاجتماعیة والثقافیة المعادیة للإسلام والحریة إلا إذا تطهّر من بقایا الاحتلال أعني العملاء وبالجزم نقول ان التشاؤم واسع الانتشار بشأن الملیشیات وأعمالهم التي تجري في غیر محلها.

وأن الأحداث العنیفة والمأساویة التي تمارسها الاحتلال والعملاء لاتكون دلیلاً علی أن الشعب الأفغاني لن یستطیع إقامة ثقافتها وتاریخها ودینها؛ بل إن أفغانستان ستشهد فجر یوم جدید، وستكون مقاومة المجاهدین في المستقبل القریب كنقطة تحول في أفغانستان علی الرغم من الاضطرابات التي سببتها الاحتلال بمساعدة العملاء.