مقالات الأعداد السابقة

الفقر والحرب یضمن بقاء الآخر في أفغانستان

لقد طف الصاع وبلغ السیل الزبی، وإننا بمجرد أن نمرّ مسرعین علی صحف ووسائل الإعلام، سنری بأم أعیننا ونلمس بكلتا یدینا ما تعانیه أفغانستان من العذاب والنكال لشؤم الاحتلال الغاشم.
لاغرو بأنّ الحروب قد طالت علی ثری الأفغان حتی جاوزت ثلاثة عقود منذ نشوبها، التي أسعرها الأعداء بأطماع مختلفة، فتارةً الوصول إلی المیاه الدافئة، وآبار البترول في الخلیج العربي كما كان یدور بخلد زعماء الاتحاد السوفیاتي، وأخری بإلصاق وصمة الإرهاب، لاحتلال البلد، وتشريد أهله من بیوتهم الآمنة، ویملئها وإرعابهم في الحياة.
إن الحروب الصلیبیة المستعرة في أفغانستان لتكفي لمعرفة مدی ما قد لحق بأفغانستان  – شعبها المضطهد وأرضها المحتلة- من دمار كامل، وخراب شامل؛ بل وفي معرفة ما حلّ بأفغانستان من آثار الحرب علی المدی البعید للأجیال اللاحقة. 
والأدهی والأمرّ من هذا وذاك أنّ الحرب أوقعت شعبنا العزّل في المأزق الرهیب، حیث أن نظام الحیاة في أفغانستان أصابه الشلل، واستشرت حالة الشلل لتصیب الزراعة والتجارة وجميع مرافق الحياة، وهذه كلها من شؤم الاحتلال، فلا هي تعود إلی حالتها الطبیعیة، ولا یرجی لها بأن تكون مثالیة في یومٍ ما في نيرالاحتلال.
فلیس هناك مجال للعمل الذي یسد حاجة الأسرة الأفغانیة إلا أن یهجروا وطنهم إلی البلاد الأجنبية التي يلقون فيها أسوء المعاملة،ناهیك عن آلاف المفقودين الذین لاقوا الموت في سبیل توفير حاجات عائلاتهم المنكوبة والحصول علی لقیمات تسدّ رمقهم.
وهناك مظالم تقشعر منها الجلود، فعلی مرأی منا ومسمع تطلق النيران علی بني جلدتنا الذین يبحثون عن لقمة العيش، ثمّ یدفنون في أماكن مجهولة لایعرف قاتلوهم من هؤلاءالمقتولين، ولاتدري عائلاتهم متی وكيف یعثرون علی جثث أولادهم الذین كانو قد ذهبوا للبحث عن العمل.
وجيل الشباب هوجيل العمل والإنتاج،لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة، ولكن أین العقلاء لیروا ماذا فعل الاحتلال في حقهم، فالاحتلال عطّل سبل كسب الرزق لدیهم، وما ترك لهم طریقاً للتجارة أو العمل، بل والعكس من  ذلك كله فتح لهم سبیلین منحوسین،أحدهما تجارة الأفیون وزرعه، ثم تهریبه إلی أوربا. والمشروع الثاني أنحس من الأول وهو تجنید الشباب للدفاع عن مكتسبات الاحتلال وتحقيق أطماعه في بلاد المسلمین بواسطة أبناء المسلمین أنفسهم.
وإن تعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ،لاسيما بين الشباب، يؤدي إلى أن ترتدعليهم تلك الطاقة لتهدمه نفسياً ولتسبّب له مشاكل كثيرة.
ونعلم جمیعاً بأنّ الحرب لاتدمر البیوت علی ساكنیها، وتشرد أهلها منها، وترغمها علی الهجرة فحسب؛ بل تتجه بالبلاد إلی حضیض الحیاة، والمزید من التعقید، فمن هنا نكاد نجزم بأنّ مصائب الأفغان لاتنتهي بسهولة، ولایمكن أن تعالج بوعود المحتلّین الكاذبة.
كیف يمكن للأفغان أن یكافحوا البطالة وهي جاوزت 40%، وتعد أفغانستان من الدول المعدمة، حتى أنها واحدة من أفقردول العالم وأقلها نموّا، حيث يعيش ثلثا السكان على أقل من دولارين أمريكيين يوميًا؟؟ في الماضي كان المسلمون بعضهم أولیاء بعض، وكانوا كمثل الجسد الواحد، إذا حلّت محنة في إقلیم، تداعت له سائر دیار المسلمین بالحزن والألم، وكأنّ النازلة قد أصابتهم كلهم، وكل المسلمين كانوا یشعرون بالمهمة الملقاة علی عواتقهم وبالمسئولیة التي یجب أن یقوموا بها. وأما الیوم فأین الملیار ونصف من المسلمين تجاه شعوب مضطهدة؟! إنهم لو ألقوا إلیهم فتات موائدهم لشبعت هذه الشعوب لسنوات عدیدة، ولنجت من هذا الفقرالمدقع.
وكان المسلمون سابقاً في كل مكان یعملون علی إمداد إخوانهم الذین نزلت بهم مصیبة إن استطاعوا، ویرتحلون إلیهم ویجاهدون إلی جانبهم ضدّ عدوّهم، ومن لم یستطع فلاینفك عن الدعاء لهم. 
وكان المسلمون یُحسّون أنهم هم الأعلون مهما كانت المصیبة التي نزلت بهم عظیمة، ماداموا مؤمنین، ومادام الأعداء كفاراً.
أما الیوم فأین مصداق: (إنّما المؤمنون إخوة)؟
وأین مصداق: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولیاء بعض)؟
وأین مصداق: (أشدّاء علی الكفار رحماء بینهم)؟
أین هذه المعاني في حیاة المسلمین الیوم؟ وأین مصداق قول الرسول صلی الله علیه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنیان یشدّ بعضه بعضاً)؟   
أین مصداق: (مثل المسلمین في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكی منه عضوٌ تداعی له سائر الجسد بالسهر والحمی)؟
أین الإحساس؟ أین التفاعل الوجداني؟
أین الدعاء؟
أین نشر الوعي بین المسلمین وإحساسهم بقضایاهم، وتحسّسهم بها، ومدی تفاعلهم معها؟
أین الدعم المادي وإن كان یسیر؟؟؟

أبوغلام الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى