مقالات الأعداد السابقة

الفقر والفحشاء ثنائي الانهیار والسقوط

إن مطالعة التاریخ وتتبع مسار المجتمعات البشریة والجماعات والأحزاب، يخبرنا بأن الفقروالفحشاء ثنائیان يؤديان بالمجتمعات إلی الانهیار والهلاك والسقوط في حضیض الذل والعار.

كم من الشعوب والملل المتحضّرة الراقیة، ذات الجذور العمیقة في العلم والصناعة والتفوق في القیادة، أصيبت بهذان المرضان ففقدت كل شيء من المفاخر التي اكتسبتها عبر قرون طویلة. والسر في ذلك أن الفقر والفحشاء أحد الأساليب التي ينشط بهما الشیطان الرجیم لتحقیق أهدافه الخبیثة، قال الله تعالی: “الشیطان یعدكم الفقر ویأمركم بالفحشاء” [البقرة/۲۶۸]، وقال تعالى: “ومن یتبع خطوات الشیطن فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر” [النور/۲۱].

وإن الفحشاء من المعاصي الكبیرة التي یعاقب الله تعالی مرتكبیها بعذاب ألیم، قال الله تعالی: “إن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة في الذین آمنوا لهم عذاب ألیم في الدنیا والآخرة والله یعلم وأنتم لاتعلمون” [النور/۱۹].

إن الصلة بین الفقر والفحشاء وطیدة جداً؛ لأن الفقر من أكبر أسباب نشر الفحشاء، وإذا فشت الفحشاء في مجتمع، سوف یعاقب أهله بالفقر والجوع. وكلاهما یؤدیان بالأخلاق والإیمان والقیم إلی الدمار والهلاك. لذلك قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: (كاد الفقر أن یكون كفراً). أي أن الفقیر ربّما لا یصبر بالفقر ویتعجل للخلاص منه إلی ارتكاب المعاصي وما یؤدي إلی الكفر. وإذا أُصیب مجتمع ضعیف في الإیمان والمعتقد بالفقر، فهو مهدد بالفحشاء والانشغال بالشذوذ الجنسي.

أفغانستان تعاني من الفقر والفحشاء في ظل الاحتلال:

نتیجة للاحتلال الأمريكي لأفغانستان، تفشى الفقر والفحشاء في المجتمع الأفغاني. وهي ظاهرة عجیبة لم یعهدها الشعب الأفغاني في سالف عهده. إذ أن التمسك الشدید بالدین، والابتعاد عن مظاهر الفحشاء، والجهاد بالنفس والنفیس في سبیل إعلاء الدین، من میزات هذا الشعب الأبي الباسل. وهو الشعب المسلم الوحید الذي كان محفوظاً من الآثار الخبیثة للحضارة الغربیة زمنا طویلاً.

ولكن بعد الهجوم العسكري والثقافي للغرب وعملائه علی أفغانستان، تعرّض هذا الشعب لعواصف هوجاء ومدمرة من قبل الحضارة الغربیة المادیة التي أقامت صرحها علی إنكار الغیب، والإیمان بالمادة، والسعي الحثیث للتلذذ والجري وراء البطن والشهوات، وامتصاص دماء الشعوب الفقیرة لصالحها.

والیوم، بعد مرور ۱۵ عاماً على الاحتلال الأمريكي، نشاهد آثار هذه الحضارة في الشباب والفتیان. ونری مدى تفشّي الفقر في الشعب، وجنوح بعض الغافلین إلی الفحشاء يرتفع علی مدار السنة.

بدأ الغرب نشاطاته الخبیثة في نشر الفحشاء بین الشعب الأفغاني، منذ الأیام الأولی من الاحتلال. فقام بتمویل المنافقین الذین یحبون أن تشیع الفاحشة في الذین آمنوا. كما قام بتطبیق السياسات التي تسببت بانتشار الفقر بیننا.

والیوم بات واضحاً للقاصي والداني أن شعبنا تعرض لهجمة شدیدة شنتها القوات الغربیة بمساندة من المنافقین والنفعیین لنشر الفحشاء فیه، وقد اعترف بذلك رجال الدولة العمیلة وغیرها. والیوم یوجد أكثر من ۱۰۰ إلى ۱۵۰ مركز إفساد، بالإضافة إلى آلاف المحال لارتكاب الفحشاء في كابول [موقع رسول عبیدي]

أسباب شیوع الفقر في أفغانستان:

إن مرد الفقر الفاحش الذي يعاني منه شعبنا، يعود إلی أسباب عدیدة لا یمكن حصرها ههنا. ولكننا سنلقي ضوءً على العوامل الأساسیة التي مهدت الطریق للفقر المهول الحالي. وإلیكم هذه العوامل:

الأول: النظام الاقتصادي القائم علی الربا:

لاشك أن تعاطي الربا في مجتمع ما، بمثابة إعلان حرب على الله تعالی والذي یحارب الله سوف یعاقب بالفقر أو بعذاب آخر. وتعاطي الربا في البنوك الأفغانیة صار أمراً طبیعیاً ولا یبالي به أصحابها.

 

الثاني: زعزعة الأمن وفرار الثروات إلی الخارج:

إن الدولة العمیلة لم تحقق نجاحاً في إرساء قواعد الأمن في البلاد؛ بل الأوضاع الأمنیة ما زالت متوترة ومتأزمة. وكثيراً ما يتم اختطاف أبناء الأثریاء، على يد السرّاق الفقراء. كما انتشرت الرشاوي التي يتقاضاها عمال الحكومة من أصحاب المال.

هذه الأوضاع أدت إلی خروج الثروات من البلد وفرار التجار إلی الخارج. ولا یخفی علی أحد ما للأمن من التأثیر البالغ في تنمیة البلاد وتقویة الاقتصاد. وهذا ما فقدناه بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.

 

الثـالـث: فقدان العزم الراسخ لدى قادة الدولة للقضاء علی الفقر:

إن عدم وجود عزم راسخ في رؤساء الحكم للقضاء علی الفقر والبطالة، من العوامل الرئیسیة لتغلغل الفقر في المجتمع الأفغاني. ورغم تدفق الثروات الخارجیة الهائلة إلی البلد، لم نجد مشاریع طویلة الأمد لتوفیر العمل، ولم تقام المعامل والمصانع لیشتغل الناس فیها. والخطوات المحدوده التي اتخذت في هذا المجال، باءت بالفشل إثر الخیانة.

وهناك مئات المشاریع التي يمكنها بالفعل تطویر أفغانستان اقتصادیاً وسیاسیاً واجتماعیاً في جمیع الولایات، لم تبدأ الحكومة نشاطاً فیها.

إن إهمال الحكومة لعملیة توفیر العمل للشعب هو عمل متعمد، وتستعمله الحكومة كأداة لإجبار الشعب على الالتحاق بالجیش والشرطة والأمن الشعبي. لذلك نری أن أكثر الملتحقین بالجیش والشرطة یعترفون بأن الفقر هو العلة الرئیسیة لهذا الالتحاق. فالرجل الأميّ الذي لا یملك شهادات دراسیة، لیس أمامه إلا الالتحاق بالقوات المسلحة.

أسباب شیوع الفحشاء في أفغانستان:

هناك عوامل عدیدة لشیوع الفحشاء والشذوذ الجنسي في المجتمع الأفغاني في ظل الاحتلال، لا یمكن حصره في هذه العجالة. وفیما یلي أربع عوامل رئیسیة مهّدت الطریق لانتشار الفحشاء في بلدنا:

الأول: الفقر:

إن أكثر من ۷۹٪ من الشعب الأفغاني یعانون من فقر شدید، ربما یصل بهم الحال إلی ما تحت الصفر. والفقر أزمة خطیرة تهدد جمیع الأفغان. ووفقا للتقاریر الرسمیة والحوارات التي أجریت مع الواقعات في شبكة الفحشاء، فإن الفقر هو العامل الأساسي لهذا الفعل الشنیع. وكما أسلفنا سابقاً أن الصلة بین الفقر والفحشاء وطیدة جداً، فهما متلازمان، فحیثما وُجد الفقر فسوف توجد الفحشاء. وهذا ما صرحت به “أرسلا أشرف” الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان: حیث وُجد الفقر، توجد الفحشاء.

ووفقاً لتقریر وكالة أنباء “صدای افغان” قالت الناشطة في مجال حقوق المرأة في ولایة بلخ، ماه گل: “إن الفقر هوالعامل الأساسي لجنوح المرأة الأفغانیة إلی الفحشاء والدعارة”.

كما قدّمت موسسة “میدیكا مندیل” تقریراً أشار إلى أن أحد عوامل الفحشاء هو الفقر. وقالت بأن أكثر من ستین ألف متسول ومتسولة یتجولون في شوارع مدینة كابل العاصمة.

وفي تقریر لمنظمة یونیسیف، أشار إلى أن ۹۳٪ من الواقعات في وحل الفاحشة في أفغانستان وإیران، یتلوثن بهذ العمل الشنیع نتیجة الفقر.

 

الثاني: حضور المحتلین والأجنبیات في أفغانستان:

أشارت وكالة أنباء “آسوشتدبرس” إلى أن رواج الفحشاء في أفغانستان بعد هجوم أمريكا وحلفائها عام ۲۰۰۱ المیلادي قد ازداد؛ والعلة في ذلك ترجع إلی حضور الفاجرات الأجنبيات، خاصة الصینیات منهن، حيث يصطف طابور طویل من النساء الصینیات اللاتي یردن الذهاب إلی أفغانستان. وفي عام 2006 المیلادي ألقي القبض علی 96 امرأة صینیة في أفغانستان بهذا الخصوص.

علاوة علی ذلك، حضور الشابات الأفغانیات اللاتي ولدن ونشأن في أحضان الحضارة الغربیة وأُشربن في قلوبهن محبتها. فهولاءی قمن بترویج الفحشاء والإباحیة بین العفیفات الطاهرات. ويعیش مثل هولاء في الولایات الكبیرة مثل كابول وهرات.

ومن جانب آخر، تقوم القوات الأجنبیة بتوفير الحماية للفاجرات في أفغانستان، اللاتي من مهامهن نشر ثقافة الغرب بین النساء الأفغانیات.

اقرؤوا معي كلمة “زهره”، إحدی بنات الأفغان اللاتي تلوثن بالفحشاء وهي تقول: “ألقی القبض علینا رجال الشرطة الأفغانیة، وذهبوا بنا إلی السجن. ثم جاء الأمریكیون إلینا، فسألوا عن جریمتنا. وبعدما فهموا أننا اعتقلنا بجرم الفاحشة، أطلقونا. وكنا عندما نخرج من السجن نضحك ونستهزئ برجال الشرطة الأفغانیة”. [موقع رسول عبیدی].

 

الثالث: میل أصحاب الثروة والقدرة إلی الفحشاء:

في الحكومة یوجد أشخاص یملكون القدرة والثروة، ویرتكبون هذه الجریمة النكراء دون أي محاسبة أو معاقبة من جانب الحكومة. ووفقاً لاعترافات النشطاء في هذا المجال، عدد هولاء الرجال كثیر جداً وهم متفرّقون في جمیع الولایات. زد على ذلك، الأثریاء وأصحاب الثروات خارج الحكومة. خاصة أبناء التجار.

 

الرابع: الإعلام الفاسد:

من العوامل الرئیسیة في نشر الفحشاء في أفغانستان، هو الإعلام الفاسد. حيث ينشر الأفلام الماجنة التي تثیر الشهوة، وأغاني النساء السافرات أمام الكامیرا. وهذا ما ساعد في شیوع الفحشاء في دیارنا.

ويتم تمويل الإعلام الفاسد من الخارج، ليقوم بنشر الفحشاء في الجیل الجدید. فتعمد إلى تشويق المرأة الأفغانیة، من خلال برامجها والأفلام التي تبثها، إلی السفور وتعاطي المحرمات والاختلاط مع الرجال الأجانب.

الحلول للتخلص من هذه المعضلة:

إنها أزمة أخذت بالانتشار إثر العلل السابقة بین شعبنا الأبي. وأخذت تهدد الجیل الجدید، وتدمر كیان المجتمع والأسرة. وإذا تفكك نظام الأسرة في شعب أو مجتمع، فمصيره الدمار والهلاك خلقیاً واجتماعیاً وسیاسیاً ونظامیاً، وسينشأ أفراد ذاك المجتمع رجال ضعفاء ومحكومین بالفشل.

نِعم ما قال الأستاذ السید أبو الحسن الندوي -رحمه الله-: “إن تاریخ البلاد والأمم یشهد بأن أعظم أسباب الانحطاط والفوضی التي أدت إلی زوال الأمم وانقراضها، وانحطاط المدنیات وانهیارها، هو تفكك نظام الأسرة واختلال المیزان في الحیاة المنزلیة، وزهد النساء فیها والتهرب من مسؤولیاتها وانتشار السفور والتبرج” [أبحاث حول التعلیم والتربیة/۲۳].

إذاً المسؤولیة الكبرى تقع على عاتق العلماء وأصحاب النفوذ الذین لهم كلمة مسموعة في مجتمعنا، لیقوموا بدور ناشط ومفید للتصدي لهذا الفیروس المدمر المهلك. وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبیر.

فهذا المرض جرّ عقاب الله على الأقوام السالفة، وسیجرّ العذاب الشدید إلینا إن لم نقم بمسؤولیتنا تجاهه.

كما يجب ترغیب أصحاب المال إلی توفیر العمل للعاطلين، وتقدیم المساعدات الإنسانیة للفقراء، خاصة النساء منهم.

ولنتذكر جمیعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه …” [رواه مسلم برقم (٢٦٩٩) ].

ولابد من تأسیس المؤسسات الخیریة علی صعید القرى والمديريات والمدن وحتی في الأقوام، لرفع معضلة الفقر.

وبجانب ذلك لابد من تأسیس مؤسسات ثقافیة وتربویة، وعقد المحافل العامّة، ونشر الكتب والمجلات لتوعیة الشعب بأضرار الفحشاء والعقاب الشدید لمرتكبیه. كما لابد من السعي إلى تقویة إیمان الشعب خلال هذا النشاطات والبرامج الأخری؛ لأن الإیمان إذا قوي، منع الإنسان من الفحشاء والمنكر.

وبهذه النشاطات نستطیع رفع الفقر وقطع طریق الفحشاء إن شاء الله. وما ذلك علی الله بعزیز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى