القائد المغوار البطل الضرغام يحيى السنوار في ذمّة الله
أبو محمد البلوشي
منذ السابع من أكتوبر العام الماضي (2023) وإلى الآن، يخلق أبطال غزة أروع الأمثلة في البطولة والإقدام، ولا تنتهِ الدروس التي يقدمونها في الشهادة والبسالة والإقدام؛ شبابًا وشيوخًا، رجالًا ونساءً، قادةً وجنودًا، صغارًا وكبارًا، ويكأنّ هؤلاء سواسية كلهم نضجوا ليثمروا كلٌ على طريقته خاصةً.
وفي هذا المضمار برز القائدُ المغوار، البطل الضرغام، يحيى السنوار على طريقة أدهشت البعيد قبل القريب، وأعجبت العدوّ قبل الصديق، منذ أنْ أخذ الكتاب بقوّة، فأذاق أقذر أعداء الله، بني صهيون، كأس العلقم، ودوّخ رؤوسهم، فبحثوا عنه في الأنفاق وتحت الأرض، وأنفقوا ما الله به عليم من مال وثروة باهظة كي يعرفوا عنه معلوماتٍ بسيطة؛ أين هو؟ ماذا يفعل؟ كيف يقود المعارك؟
أكثر من عامٍ وهو ينغّص على بني صهيون عيشهم، فكانوا يهذون بأقاويل تضحك الطفل الصغير، مرّة يتهمونه بأنه يعيش في الأنفاق، ومرّة يقولون نحنُ نعرف بأنه يعيش باذخًا ويقدّم الشباب قربانًا له. أقاويل كان الشباب يضحكون منها؛ لأنّهم يرونه على مقربة من المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال، يرون قائدهم البطل ليس بساكن في قصورٍ فارهة، ولا هو اختار العيشة الباذخة، هو بينهم، هو أمامهم، هو يقودهم من معركة إلى أخرى، يكبّر معهم في الساحات والميادين، وكأسدٍ ضرغامٍ يتنقّل من منطقة إلى أخرى ويذيق بني صهيون الموت الزؤام، لم يتخندق أو يتفندق، ولم يترك غزة لحظة واحدة لوحدها، اتخذ قرار التحرير وكان أهلًا لقراره الحرّ.
أظنّ بأنّ الله سبحانه وتعالى اصطفاه ليعيش في هذا العصر لنرى أقرب النّاس شبهاً بالصحابة في جهادهم وبسالتهم وشهامتهم وسلامة عقيدتهم، حتى لا نفتن في ديننا من كثرة رؤية وسماع مشايخ الضلال الذين خرّجوا الدواعش الذين يفجرون المساجد وأسواق المسلمين ويناصرون الصهاينة، ويكفّرون من يقاومهم.
إنّ قائدنا المغوار أوذي في سبيل الله بالأسر والعذاب، فلم تلن له قناة بل صبر وصابر ورابط، يرى البذل في سبيل الله واجبًا محتّمًا، فنازل اليهود الأقزام باللسان والبنان واللسان وبكلّ ما أوتي من قوّة وحماسة وصدق، فهزم الموساد شرّ هزيمة في عملية السابع من أكتوبر؛ إذ لم تكن في تصوّره أو حسبانه.
حتى كانت نهاية الطريق تمامًا كما تمنّى في أوّله؛ شهادةً واصطفاءً من الله للخُلّص من عباده، فبذل روحه بسخاء وجود ورضى، لعل الله يجعل من دمه قطرة يتغير بها واقع العالم الإسلامي الكئيب إلى واقع مهيبٍ، يعيد للأمة عزّها وشرفها وسؤددها، ويرفع حضارتها للعلياء بعد أن شارفت على الاضمحلال والاندثار، ويصلها -بعد انقطاع- بسجلّ الخالدين الذي دخلته أول مرة.
إن حياة بطل الأمة، مهندس الطوفان وكابوس الاحتلال، يحيى السنوار -رحمه الله- وجهاده ونضاله وكفاحه وأسره واستشهاده؛ أروع حكاية أسطورية في العصر الحديث، وسيكون أيقونة المقاومة للأجيال القادمة بإذن الله.
وباستشهاده، يكون الجهاد في غزة العزة قد طوى إحدى صفحات الشجاعة والبسالة والثبات، صفحة ستعلم الأجيال القادمة الكثير من معاني البطولة والتضحية والفداء، صفحة ستنبت وعيًا وإيمانًا وإقدامًا، وسيكون لها أثرها في بناء عز الأمة ومجدها وسلطانها.
وأمتنا أمة ولاّدة ستنجب بعد بطلنا المقدام أبطالا عظامًا يعيدون لنا سيرة الفاتحين الأولين، ولقد أصاب من قال:
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
ما أجملك يا خطيب الأمس حيث جلستَ على أريكتك خطيبًا مفوهًا ومحرضًا على قتال أقزام اليهود؛ ثم جلستَ تارةً أخرى عندما كنتَ مثخنًا بالجراح تعلّم أمتنا الغافلة معنى البطولة والإقدام، فهل بعيدٌ أن نراك غدًا -بإذن الله تعالى-: (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ).
الشعب الفلسطيني برمّته وبجميع مكوّناته وأطيافه يحبّون قادتهم الميدانيين، والمجاهدين الأبطال، ويظهرون حبّهم وتأييدهم بتقليدهم، ويحذون حذوهم، فهل يهزمهم عدوّ جبانٌ لا يقاتل إلا في قرىً محصنة أو من وراء جدر، ويودّ لو يُعمّر ألف سنة؟! كلا ومليون كلا.
وليس فرحُ الصهاينة اليهود بمقتل يحيى السنوار وشماتتهم إلا مثل نظائرهم من الصهاينة النصارى بمقتل الملا دادالله والملا منصور من قبل. لم يدُم ذلك الفرح، ولن يدوم هذا الفرح إن شاء الله، ونرجو أن يزيد مقتل بطل غزة؛ الشعب والشباب الفلسطيني على المزيد من الحمية والهمة في سبيل الجهاد والمقاومة.
وأخيرًا ترجل فارس الأمة وسيد الطوفان عن جواده ولا ضير، فأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد توفي ولم يرَ النّصر، ثم استشهد خلفه الصالح أمير المؤمنين الملا أختر محمد منصور ولم يرَ النصر، وأتى النصر بعدهما. وكل مقاومٍ ومناضلٍ سيكون حليفه النصر إما اليوم أو غدًا أو بعد غدٍ.
أبطال غزة منصورون بإذن الله طال الزمن أم قصر؛ وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.