مقالات الأعداد السابقة

القائد هنية في ذمّة الله

أبو محمد البلوشي

 

الحمدلله ناصر المؤمنين، ومؤيد المجاهدين، ومذل الكفرة والمجرمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد إمام الدعاة والمجاهدين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وجاهد جهادهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل، إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليخشع، وإنا على فراقك يا قائدنا وإمامنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

لا شك بأنّ القائد إسماعيل هنية -رحمه الله- عاش سعيدًا قائدًا مغوارًا بطلًا صنديدًا، ومات شهيدًا سعيدًا محظوظًا مغتبطًا، إنه قائد أبطال مسرى الحبيب عليه ألف تحية وسلام؛ عاش مجاهدًا ومرابطًا كما عاش الفلسطينيون، لكنه علاوة على ذلك؛ عاش سياسيًا محنّكا يوصل أصوات مضطهدي بني جلدته إلى مسمع العالم، ثم مات كما يموت أبطال فلسطين الذين لا يرضون إلا بالشهادة مقصدًا وختامًا مسكًا لأفعالهم وأقوالهم. فهنيئا لك الشهادة يا هنية، يا بطل مسرى نبينا، بعد هذا العناء الطويل.

إنه رمز البطولة والفداء الذي أدّى دوره القيادي والريادي والسياسي، على أفضل طريقة وأحسن شكل ممكن، ثم خلّد ذكره؛ فما كان الموتُ يومًا نهاية العظماء والمجددين والمجاهدين المؤثرين في حياة الأمم.

وأمتنا الإسلامية في مقدمة الأمم التي تُعنى بعظمائها وأجلائها وتوليهم اهتمامًا خاصًا. فقد رحل عن دنيانا ومضى إلى ربه؛ حبيب القلوب؛ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يمُتْ شيء من سنته وسيرته وهديه وآثاره. ومات الخلفاء الراشدون والصحب الكرام وبقيت سيَرِهم وقصصهم وجهادهم غضًّة لمن أراد الاقتداء والاهتداء. ومات من بعدهم التابعون والصالحون والمصلحون والمجاهدون والعلماء والفضلاء والنبلاء؛ ومازالت صفحات علمهم وصبرهم وبذلهم واتقاد همتهم بين أيدينا نقلّبها آناء الليل وأطراف النّهار.

ولو أضفنا اليوم شيئاً إلى تلك الصفحات المنيرة، لأضفنا صفحة جديدة مضيئة تتحدث عن سيرة قائد مجاهد، وبطل ثائر، وسياسي محنّك، بذل روحه رخيصة في سبيل الأقصى، بل ضحّى بكثيرٍ من عائلته أيضًا في سبيل نصرة دينه الحق.

نعم هي صفحة جديرة بالتأمل في ثنايا سطورها. صفحة تخبر عن معاني الرجولة والشهامة التي اكتنزتها شخصية القائد إسماعيل هنية -رحمه الله- الذي جمع الله له بين المهابة والمحبة، سمْح الفؤاد بعيدًا عن الغلظة، طيب القلب، قريبًا من اللين، تقرأ في وجهه الذكاء والفطنة والحزم، عبوسًا في وجه الباطل ومزمجرًا، معروفًا بالصبر والمصابرة، وحسن الخلق وطيب نفس، قد ألبسه الله ثوب المهابة والعزة والشموخ، مع التواضع والتطامن للحق وأهله. صفحة قائد، فذ، مغوار، سمع بها القاصي والداني، فكافح وناضل من أجل غزة، بل من أجل القضية الفلسطينية برمتها، وناصرها مثلما يفعل من كان في قلبه شيء من بقايا الإنسانية على وجه هذا الكوكب الذي يعج بالظلم والقهر والاستعباد لسكانه، وناصبتها العداء معظم الدول الغربية.

وكفى القائد هنية -رحمه الله- فخرًا وشرفًا أنّ النّاس اليوم منقسمون فيه إلى فريقين، كما هو الحال عند موت كل عظيم من العظماء؛ فريق أهل حق وإيمان وجهاد، حزنوا لرحيله وأرسلوا برقية التعازي وبكوا في خلواتهم على غدر بني صهيون، كيف لا! وهو الثلمة والفراغ الذي لا يسدّه أحدٌ بعده.

وفريق أهل كفر وإلحاد وإجرام؛ من بني صهيون وأذنابهم من العلمانيين والخوارج ومن على شاكلتهم، فرحوا بموته واستشهاده؛ لأنه كان عقبة كؤود في طريقهم اللعين المظلم؛ ولأنه بنى جيلاً يخشاه الطغاة في أن يهدم كل مشاريعهم الهدّامة.

فليس لنا عزاء وتسلية فيه إلا قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171))

وباستشهاد هذا القائد البطل، يكون قد طوى الجهاد في غزة صفحة من صفحات الكياسة والشجاعة والبسالة والثبات، صفحة ستتعلم منها الأجيال القادمة الكثير من معاني البطولة والتضحية والفداء، صفحة ستنبت وعيًا وإيمانًا وإقدامًا، وسيكون لها أثرها فيما سيكون للأمّة مستقبلا من عزّ وجاه وسلطان.

وأمتنا أمة ولود ستنجب بعد هنية أبطالا عظامًا يعيدون لنا سيرة الفاتحين الأولين. ولقد أصاب من قال:

 

إذا خلا منهم سيد قام سيد               قؤولٌ لما قال الكرام فعول

 

اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم، تحت لواء سيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى