الكفر والضلال في دساتیر العلمانیین والاحتلال
إن من أعظم المصائب التي أصیبت به أمة الإسلام في القرن العشرین هي تنحیة الشریعة الإسلامیة من واقع حیاة المسلمین من قِبَل المستعمرین وإحلال القوانین الأوروبية محلها في الدساتیر والقوانین المدنیة التي صاغت حیاة المسلمین السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والفكریة والخُلُقیة في القوالب الغربیة التي وضعها الفلاسفة الغربیون علی أساس الإلحاد وفلسفة المصالح المادیة وتحقیق اللذة.
ولكی یطمئن المستعمرون من تنفیذ قوانینهم الكافرة في بلاد المسلمین المحتلة فقد صبغوها بشيء من الماكیاج الإسلامي الذي لا یغیر من جوهرها شيئا، وذلك بقصد تمویهها علی المسلمین لكی لا یثوروا ضدها.
وقد أوكل المستعمرون مهمة تمویه هذه القوانین وتمریرها علی المسلمین إلی الأنظمة والشخصیات التي تتظاهر بالإسلام ولكنها في حقیقتها تمرق من الإسلام وتعمل لتقویضه وتنحیته من واقع المسلمین.
إن القوانین العلمانیة التي فرضها المستعمرون الغربيون وصنائعهم من العلمانیین هي كفر وضلال لأنها تمنع المسلمین من تطبیق شریعة الله تعالی في حیاتهم، وتجبرهم علی الرجوع إلی الاحتكام إلی الطاغوت الذي أُمِروا أن یكفروا به.
وأما لبس هذه الدساتیر بشيء من أحكام الإسلام فهو لیس من باب رضی هؤلاء الحكام بتطبیق أحكام الإسلام وجوباً ، بل هي من باب موافقة تلك الأحكام لبعض أهوائهم،ولأنهم بها یحاولون إطفاء نار غضب المسلمین الرافضین لدساتیرهم الكافرة.
یقول الإمام ابن كثیر رحمه الله تعالی عن تكفیر مثل هذه الدساتیر التي خُلط فیها الكفر بالإسلام: : “ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية، المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم “الياسق” وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه. فصارت لأبنائه شرعاً متبعاً، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحِكّم سواه في قليل ولا كثير. قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟) أي يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون؟ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ!) أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به، وعلم أن الله أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها. فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء”.
یقول الإمام المحدث والمفسر (أحمد شاكر) رحمه الله تعالی مُعلقاً علی قول الإمام ابن كثیر رحمه الله تعالی: ((أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير –في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام: أتى عليها الزمان سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك “الياسق” الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين، ويفخرون بذلك آباءاً وأبناءاً، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا “الياسق العصري” ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم “رجعياً” و”جامدا”!!، إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة. بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقى في الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى “ياسقهم الجديد”، باللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرحون –ولا يستحيون- بأنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!.
أفيجوز إذن –مع هذا- لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد! أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا، واعتناقه واعتقاده والعمل به، عالماً كان الأب أو جاهلاً؟!.
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا “الياسق العصري”، وأن يعمل به ويُعرض عن شريعته البينة؟! ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصيلاً، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتاباً محكماً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة رسوله الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال – ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة!
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضحة وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة. ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام –كائناً من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، و”كل امرئ حسيب نفسه” ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين ولا مقصرين.
سيقول عني عبيد هذا “الياسق العصري” وناصروه، أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاؤا، فما عبأت يوماً ما بما يقال عني، ولكني قلت ما يجب أن أقول”. ( حكم الجاهلیة للشیخ أحمد شاكر ص 16).
وكذلك یقول الشیخ محمد بن إبراهیم بن عبد اللطیف آل الشیخ مفتي بلاد الحرمین السابق رحمه الله تعالی: إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59] وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يُحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65] ولم يكتف تعالى وتقدّس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يُضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ). والحَرَج: الضيق. بل لا بد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف سبحانه و تعالى أيضاً هنا بهذين الأمرين، حتى يضمّوا إليهما التسليم وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلون ها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد، وهو قوله جل شأنه (تَسْلِيماً) المبين أنه لا يُكْتفى ها هنا بالتسليم… بل لا بد من التسليم المطلق.
وتأمل ما في الآية الأولى، وهي قوله تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). كيف ذكر النكرة وهي قوله: (شَيْءٍ) في سياق الشرط وهو قوله جل شأنه: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ) المفيد العموم، فيما يُتصوّر التنازع فيه جنساً وقَدْراً، ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، ثم قال جل شأنه: (ذَلِكَ خَيْرٌ) فشيء يُطلق الله عليه أنه خير، لا يتطرق إليه شر أبداً، بل هو خير محض عاجلاً وآجلاً…
ثم قال: (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي: عاقبة في الدنيا والآخرة، فيفيد أن الرد إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم عند التنازع شر محض وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة.
عكس ما يقوله المنافقون: (إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)، وقولهم: (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة:11] ولهذا رد الله عليهم قائلاً: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة:12]. وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه وهذا سوء ظن صِرْف بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحض استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازم لهم.
وتأمل أيضاً ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فإن اسم الموصول مع صلته من صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العموم والشمول هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القَدْر، فلا فرق هنا بين نوع ونوع، كما أنه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى الله الإيمان عن من أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين، كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً)]النساء: 60].
فإن قوله عز وجل: (يَزْعُمُونَ) تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلا، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحد. فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه، وذلك أنه من حق كل أحد أن يكون حاكما بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا بخلافه، كما أن من حق كل أحد أن يُحاكم إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمن حاكم بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حده، حكماً أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتاً لتجاوزه حده.
وتأمل قوله عز وجل: (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) تعرف منه معاندة القانونيين، وإراداتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعاً والذي تُعبِّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه، (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) [البقرة:59].
ثم تأمل قوله: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ) كيف دل على أن ذلك ضلال، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى، كما دلت الآية على أنه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعْدهم من الشيطان، وأن فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعثَ به سيد ولد عدنان معزولاً من هذا الوصف، ومنحى عن هذا الشأن، وقد قال تعالى منكراً على هذا الضرب من الناس، ومقرراً ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحاً أنه لا حكم أحسن من حكمه: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50] فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلت على أن قسمة الحكم ثنائية، وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية، شاءوا أم أبوا، بل هم أسوء منهم حالا، وأكذب منهم مقالا، ذلك أن أهل الجاهلية لا تناقض لديهم حول هذا الصدد.
وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) [النساء:151] ثم انظر كيف ردت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم، بقوله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50] (كلمة حول تحكيم القوانين الوضعية:(بقلم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ).
وقد أُصیبت أفغانستان بوباء هذه القوانین الطاغوتیة مثلما أصیبت بها بقیة بلاد الإسلام، وعمل حكاها العلمانيون بتطبیق هذه القوانین الغربیة في هذا البلد بدأً من الملك (أمان الله خان) ــ الذي أراد أن یقلد (كمال إیتاتورك) في تغریب أفغانستان وسلخها عن هویتها الإسلامیة، یقول المستشرق الدانیماركي الخبیر في التاریخ الأفغاني (أوستا أولسن): ( إن دستور أفغانستان في عهد الملك أمان الله خان كان قد أقر للأفغان بجمیع الحقوق التي كانت في الدساتیر اللیبرالیة الغربیة). (الإسلام والسیاسة في أفغانستان ص 124).
وحین ثار العلماء ضد القوانین التغریبیة وضد ترویج السفور ورفضوا سیاسات الملك التغریبیة فرد علیهم الملك وقال مخاطباً إیاهم في مجلس (لویه جرگه): (إن جمیع المصائب هي من أیدیكم وما أنتم سوی الأراذل والدیوثین، وإنني سأطبق ما أقوله،و سأمنع الحجاب بالحراب، لا بالتملق والتودد إلیكم ، ویجب علیكم أن تعلموا بأنني ملك ثوري).
ثم وجه الخطاب إلی أعضاء المجلس وقال لهم: (أیها المشاركون من مندوبي الشعب! إنني أهیب بكم أن تعلموا وأن تخبروا بقیة الشعب بأن هؤلاء العلماء یعملون لمخططات الأعداء عن طریق مواعظهم، وإن سبب تخلفنا هو هذه الخرافات والأساطیر الغامضة (التعالیم الإسلامیة) التي یحكونها للناس ویخدعونهم بها، (ثم قال مهدداً العلماء)وإنني سأقوم بعلاج هؤلاء في فترة حكومتي، ولكنني أرید منكم أنتم المندوبین أن تقوموا بتوعیة الناس بأن لا ینخدعوا بأقوال هؤلاء العلماء الذین یریدون أن یجلبوا الشقاوة علی شعبنا).
وفي الیوم الرابع من المجلس تكلم الملك ضد العلماء، وأصدر الأوامر بأن لا یُسمح بالإمامة في المساجد للعلماء الذین لا یحملون الشهادة الحكومیة، وأصر علی أن العلماء ما هم إلا ذرائع لمؤامرات الأعداء، وأفصح عن رغبته في إخراج العلماء من أفغانستان أو حبسهم في مكان معین لا یخرون منه إلا بإذن المسؤولین الحكومیین.
(مقال: الملك أمان الله خان للكاتب الأفغاني سیستاني بالبشتو).
وبعد أن فتح الملك (أمان الله خان) الباب في أفغانستان أمام التغریب والعلمنة والقوانین الغربیة جاء الملك (ظاهر شاه) لیواصل ما بدأه (أمان الله خان) واستورد القوانین الغربیة في حكومته لجمیع المجالات وضیق الخناق علی القوانین الشرعیة التي كان یطبق القلیل منها حتی جعل صبغة حیاة الشعب في المدن علی الطریقة التي كان یرضاها الغربيون وفراخهم من العلمانیین في أفغانستان، ولبعد الأوربيين والأمریكیین عن أفغانستان استغلت روسیا الشیوعیة هذه الظروف وبذرت هذا البلد بذور الشیوعیة التي قضت علی البقیة الباقیة من أحكام الإسلام في القوانین.
وحین احتلت أمریكا أفغانستان أرادت أن تقضي علی آثار ومكتسبات الجهاد العظیم لهذا الشعب ضد الشیوعیة والإلحاد، ووضعت خططاً شاملة لجعل أفغانستان وشعبها نسخة أخری للدول والشعوب التي صهرتها القوی الاستعماریة في بوتقتها اللادینیة لتضمن لها البقاء الدائم في هذا البلد، وأن تقضي علی كل فرصة ووسیلة للمقاومة، فوضعت للحكومة التي فرضتها علی الأفغان دستوراً شحنته بالكفریات والضلالات ولكن بطریقة ماكرة خبیثة لكی لا تستفز الناس، فُوُضِعَ الدستور من قِبَل المقننین الأمریكیین تحت إشراف البروفيسور (موسی معروفي) وهو من (الأمریكیین الأفغان)، ثم أُخِذت المصادقة علیه من المجلس الشعبي (لویه جرگه) الذي جمع فیه المحتلون عبید الغرب، ومجرمي الحرب، وأوباش الشعب والطماعین ممن یزعمون رئاسة الأقوام والقبائل ولكنهم في الحقیقة الخونة وبائعي الذمم مقابل الدولارات للأمریكیین.
وبعد أن وضعت إدارة الاحتلال الدستور للبلد بدأت تقدمه للناس وكأنه أعظم إنجاز مدني في تاریخ أفغانستان،وصارت تدعو الناس لتطبیقه والسیر وفق تعالیمه عن طریق الحكومة العمیلة وبواسطة الآلة الإعلامیة العملاقة التي یملكها المحتلون.وبدأ المحتلون العمل الجذري لتغییر صیاغة حیاة الشعب الأفغاني الذي طالما عُرِف بحبه للشریعة الإسلامیة والدفاع عنها عبر الدهور. وسنسلط الضوء علی أخطر ما في هذا الدستور من المواد في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالی.