اللحية الأفغانية.. والقمل
حمزة تكين
خلال جولتنا في أفغانستان خلال عيد الأضحى المبارك الماضي، كنا ننشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير عن حقائق جميلة شاهدناها بأم العين في أفغانستان، كثيرون رحبوا وكثيرون لم يصدقوا ما نقوله، لم يصدقوا من باب السرور والفرح بالواقع الجميل الذي تحدثنا عنه في المنشورات.
وكأي موضوع، تبقى هناك فئة في المجتمع هنا وهناك هي مثل مجاري المياه المبتذلة الموجودة في كل بيت، هي فئة لا تختلف معك بالرأي بأدب واحترام ونقاش، بل ليس على لسان أصحابها إلا القذارة والسخرية والسباب، وليس في قلوب هؤلاء إلا الحقد وخاصة على كل خير يعيشه المسلمون هنا أو هناك.
أحد المعلقين الذين ينتمون لهذه الفئة كتب معلقا على بعض المنشورات عن أفغانستان، وهو يسخر ويستهزء بلحى الأفغان وأنها “كلها قمل وجراثيم وأصحابها متخلفين وسيبقون كذلك“، حسب زعمه، وكأنه يشيد بما يسمى “الحضارة الغربية” ويهين المسلمين عامة وخاصة أولئك الذين تمثل لهم اللحية شيئا أساسيا في الدين.
وآخر كتب ساخرا من العمامة التي يلبسها غالبية الرجال في أفغانستان، وثالث كتب مستهزءا بحجاب المرأة الأفغانية سواء كان حجابا للرأس فقط أو كان حجابا ونقابا.
ورابع يظن نفسه أنه من “الطبقة الكلاس” في المجتمع، كتب ساخرا من أفغانستان ككل وواقعها.
الرد على هذه الفئة التي ترى أن الحضارة هي فقط باللباس المقترن بربطة العنق والبدلة المخملية أو الحريرية، وأن من هم على غير هذا المنهج “متخلفين“، وترى أن الرقي هو بعري المرأة وأن التطور هو بناطحات السحاب فقط، هو رد بسيط وبالتحديد من أفغانستان، وهو كالتالي ونحن الآن على ارتفاع نحو 10 آلاف قدم في طريق عودتنا من أفغانستان إلى تركيا:
الحضارة ليست بربطة العنق على الإطلاق، فكم من رجال يلبسونها وهم في قمة التخلف الإنساني والبشري، وكم من مسؤول يلبسها وهو يهدد البشرية يوما بعد يوم بالقتل والسلاح النووي، وكم من لابس لها وفي قلبه مختلف الأمراض النفسية التي تجعله يظن نفسه أنه “سيد” بين وعلى البشر.. الحضارة ليست باللباس بل بما في العقول والقلوب والنفوس.
الحضارة ليست بذقن تلمع وكأن صاحبها يعلو على أصحاب اللحى درجة.. فكم من ذقن تلمع وصاحبها في الحقيقة هو مجرد صاحب قلب أسود لا يلمع لا نهارا ولا ليلا.
من كانت في قلبه ونفسه وعقله معاني الإنسانية والأخلاق الحميدة والطيبة، والنقاء والسلام الداخليين والبساطة البشرية الحميدة والسعي للعلم والمعرفة، هو المتحضر حتى لو كان لا يملك إلا خرقة بسيطة يستر بها جسده وحتى وإن كانت لحيته كثة.. الحضارة بالأخلاق لا باللباس.. بالعقل السليم لا بالعقل الخبيث.. بالنفس الطيبة لا بالنفس المريضة، ونحن رأينا في أفغانستان كل سليم وطيب.
يسخرون من لحية وعمامة المسلم، ويخرسون عن لحية وعمامة غير المسلم.. عمامة ولحية المسلم “تخلف” وعمامة ولحية غير المسلم “حضارة وثقافة وجمال وهيبة“.. إنه مرض عقلي قلبي مليء بجراثيم الحقد وقمل الغيظ على كل ما يمت للإسلام بصلة.. أنتم الذين يعشعش القمل في عقولكم وقلوبكم، لا في أهل الإيمان والطيبة من المسلمين وخاصة في أفغانستان.
لماذا لا تسخرون من لحى وعمائم الهندوس والسيخ في الهند على سبيل المثال؟! لماذا تعمون أبصاركم عنها ولا توجهون سهام حقدكم إلا على الإسلام والمسلمين؟!
نحن نسأل هذا السؤال ليس تشجيا على السخرية من الآخرين بل زجرا للحاقدين، فديننا الإسلام ينهانا عن السخرية من الآخرين ولباسهم وأشكالهم وعاداتهم، بل ويأمرنا باحترام الجميع حتى لو اختلفنا معه واختلف معنا.. هذا الفرق بيننا وبين الذين يظنون أنفسهم “كلاس مخمليين” على هذه الأرض.
ليس نحن الذين نهدد منذ فترة بقتل مئات ملايين البشر الأبرياء (من خلال التهديد باستخدام السلاح النووي بين روسيا وأمريكا والغرب).. بل من يهدد بذلك ومستعد لتنفيذه هم أصحاب ربطات العنق والعطر الفاخر والذقون اللامعة.. وهنا لا نسمع صوتا من أحد يسخر منهم ومن حضارتهم المستعدة لقتل مئات ملايين الأبرياء.
بالمقابل، هذا الصامت عن هذه “الحضارة” نراه كالكلب المسعور تجاه الإسلام والمسلمين الذين نعم ربما يرتكبون أخطاء هنا أو هناك ولكن ومهما بلغ مستوى تلك الأخطاء فإنها لا تصل لمستوى ما يرتكبه الآخرون المسكوت عنهم وعن تصرفاتهم لأنهم ليسوا من المسلمين.
عندما يحصل أي حدث أمني في أي دولة حول العالم يصنفونه أنه “عمل إرهابي” إذا كان مرتكبه مسلما، ويصنفونه “حادث أمني” إذا كان مرتكبه غير مسلم.
الحضارة يا هذا ويا ذاك لا تقاس بمستوى عري المرأة، وبالتالي هذا المقياس لا يعطيك الحق أن تصنف المرأة المسلمة المحجبة أو المنقبة أنها “متخلفة وجاهلة” فقط لأنها تلبس الحجاب أو النقاب، وهذا المقايس لا يعطيك الحق أيضا أن تصنف المرأة غير المحجبة أنها “متحضرة متطورة مثقفة” فقط لأنها غير محجبة.. وإن كنتَ تنتهج هذا المنهج فأنت خبيث وصاحب لسان ممدود أمامك يلهث حقدا على الإسلام والمسلمات، بعيدا كل البعد عن الإنصاف.
إن كنتَ تسخر من المسلمة فقط لأنها محجبة أو منقبة وتعتبرها “متخلفة بربرية“.. فعليك أن تعرف كم من سافرة تنتهج مناهج الظلم والقتل والقمع والتكبر والتسلط والاستعباد وأنتَ تسكت عنها ولا تنتقدها، فقط لأنها غير محجبة، أما المحجبة أو المنقبة فنراك تتحدث عنها أيضا كالكلب المسعور عند أصغر خطأ قد ترتكبه أو تقع فيه.. هذا ليس إنصافا على الإطلاق.
ثم أيضا أن تسخر من شعب كامل ومن بلد كامل كأفغانستان فقط لأنه مسلم وأنت حاقد على المسلمين فهذا أيضا بعيد عن الإنصاف يا هذا.. المشكلة أن بعض من سخروا في تعليقاتهم من أفغانستان كبلد بكامله، هم من دول تتراجع يوما بعد يوم أخلاقا واقتصادا وثقافة وتنمية، وبكل وقاحة يأتي البعض من تلك الدول ليسخر من أفغانستان فقط لأنه حاقد على الإسلام والمسلمين.. أفغانستان التي نعم تعاني من أزمة اقتصادية نتيجة حصار مدّعي الحضارة من أبناء الغرب لها، ولكنها ورغم أزمتها الاقتصادية تحاول أن تنهض وتتحسن على عكس أمور بلدك يا هذا، أمور بلدك التي تتراجع نحو القاع يوما بعد يوم (طبعا تراجع أي من بلادنا العربية والإسلامية أمر مؤسف ولكنها حقيقة يجب ذكرها بتجرد).
قبل أن تسخر من الآخرين كن أفضل منهم على أقل تقدير.
قبل أن تسخر من أفغانستان وشعبها فلتكن أنت بمستوى الرقي الأخلاقي الذي شاهدناه عند الشعب الأفغاني.. قبل أن تسخر من أفغانستان وشعبها فلتكن أنت بمستوى البشر الطبيعيين أولا.
ليس أصحاب العمائم واللحى من أبناء الشعب الأفغاني من ذهبوا لبلاد الآخرين وقتلوا مئات الآلاف ظلما وإرهابا.. بل أصحاب ربطات العنق هم الذين غزوا أفغانستان لعقود طويلة وقتلوا مئات آلاف الأبرياء.
ليس أصحاب العمائم واللحى من أبناء الشعب الأفغاني من دمروا البلاد هنا وهناك بالطائرات والصواريخ والأسلحة الثقيلة بل من فعل ذلك هم أصحاب ربطات العنق.
ولكن طبعا تخرسون عن أصحاب ربطات العنق.. ثم تتحولون لكلاب مسعورة ضد المسلمين الذين لا تصل أخطاءهم لربع ربع أخطاء “المخمليين الكلاس المتحضرين“.
على الأقل الأقل اعتبروا هذه العمامة وهذه اللحية كعمامة ولحية غير المسلمين واخرسوا عنها وعن المسلمين.. على الأقل يعني مجرد اعتبار.
على الأقل فليكن قلبك نظيفا بقدر نظافة أصحاب العمائم واللحى في أفغانستان والذين لمسنا نظافة قلوبهم وهم يعيشون حتى في أقصى القرى والجبال.. حضرتُك ابن المدينة تدعي “الحضارة والأخلاق والثقافة والتطور” وقلبك كله حقد وخبث وأمراض.. من أفضل؟
مشكلتك ليست مع أفغانستان لأنها أفغانستان وليست مع شعبها لأنهم أفغان بل مشكلتك مع الإسلام حقدا من قلبك.. فالإسلام هو منبع الحضارة والعلوم والمعرفة والتطور والحرية والتنمية، ولكن ليس على طريقتك القائمة على السحق والقتل والظلم وتهميش الغالبية في أي مجتمع لصالح أن تعيش القلة صاحبة المال والنفوذ والسلطة.. الإسلام يدعو للعدل وأنت تدعو لمصلحة القوي المتنفذ.. الإسلام يدعو للحرية وأنت تدعو للرذيلة والتفلت.. الإسلام يدعو للبناء والتنمية للجميع وأنت تدعو للاستثمار القائم على تلبية شجع الكبار والمتنفذين فقط.. الإسلام يدعو للخير الحقيقي وأنت تدعو للشر المغطى بالخير وربطة العنق.
الحضارة ليست بشرب الخمور.. الحضارة ليست بالعري.. الحضارة ليست بالوشم على الجسم.. الحضارة ليست بالسهر ليلا في نوادي الفحش والرذيلة.. الحضارة ليست بحذاء يلمع.. الحضارة ليست بتأييد ما ينافي الطبيعة البشرية تحت حجج واهية.
القضية ليست قضية مظاهر شكلية وغيرها، رغم أهميتها في ديننا.. ولكن القضية وأساسها هي القلوب.. فاعمل على تنقية قلبك من دنس الكبر والحقد على المسلمين وحتى على البشر عامة، وتنقيته من كل ما يخالف الفطرة البشرية السليمة.. ولا تسخر من أحد فكيف إذا كان من تسخر منهم هم من هزموا أسيادك وسحبوهم من ربطات أعناقهم على أرض أفغانستان.
القمل والجراثيم ليست في عمائم ولحى المسلمين وخاصة الأفغان منهم.. بل القمل والجراثيم في عقلك وقلبك ونفسك وبين جنبات بدلتك وبين قميصك وربطة عنقك، وربما في أماكن أخرى في جسمك وفي أجزاء أخرى من ملابسك يصعب ذكرها صراحة.