مقالات الأعداد السابقة

المؤسسات الأجنبية ودورها التخريبي في أفغانستان

لقد مهّد الاحتلال الغربي لأفغانستان الطريق أمام الكثير من المؤسسات العلمانية لدخول أفغانستان. وقد جاءت هذه المؤسسات بشعارات رنانة، وأموال باهظة، وكوادر مدربة، وخطط عمل تستوعب جميع مناحي حياة الشعب الأفغاني المسلم.

فتحت أكثر هذه المؤسسات ممثلا لها في جميع ولايات أفغانستان، واستخدمت الشباب من الرجال والنساء، وبدأت بتطبيق بعض المشاريع العمرانية وغيرها من تعبيد الطرق وتوزيع السلال الغذائية بين الناس.

وقد جذبت المؤسسات الغربية أنظار السطحيين الذين يركضون وراء الماديات ليلاً ونهاراً ويبيعون عزهم ودينهم وكرامتهم في سبيلها. ومع بدء الاحتلال، وفي تلك الظروف القاسية، قامت نخبة طيبة من الذين لا يخافون في الله لومة لائم بتحذير الشعب وتوعيته حول أهداف هذه المؤسسات الخبيثة، وما ستجرّه من مشاكل ومخاطر لهذه التربة الطيبة.

إلا أن الأموال التي ألقتها المؤسسات الأجنبية أمام أولئك السطحيين أعمتهم وأصمتهم عن التفكر في أخطارها.

هاقد مضى أكثر من 13 عاما على حضور المؤسسات الأجنبية الغربية لأفغانستان. فينبغي أن نلقي الضوء على طبيعة هذه المؤسسات وأهدافها وما حققته في وطننا العزيز، وأن نمعن النظر في الشعارات التي نادت بها في بداية الاحتلال. هل تحقق شيء منها؟

هل انتهت البطالة في المجتمع الأفغاني؟ وهل زالت آلام الشعب؟ وهل تم تقديم حلول اقتصادية لتنمية وإنعاش اقتصاد أفغانستان السقيم؟

قبل أن نواصل البحث، أرى من اللازم أن أشير إلى الخدمات التي قدمتها المؤسسات الأجنبية في أفغانستان، وليس من الانصاف التغاضي عنها. ولكن الرجل الواعي المثقف الخبير بمخططات الغرب وفلسفته الفكرية والسياسية يتيقن بأنه لا يهدف من وراء إنشاء هذه المؤسسات الخدمية، العون الإنساني أو حماية الشعب من لهيب الفقر والأخطار التي تحيط به؛ بل إن الغرب يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية من خلال النشاطات التي تقوم بها المؤسسات الأجنبية:

– بسط سيطرة الغرب الفكرية والأديولوجية على الشعوب الفقيرة.

– تربية الشباب والأجيال القادمة على أصول العلمانية، وعدم الاعتراف بمبدأ التوحيد وعالم الغيب.

– السعي الدؤوب لإعطاء المرأة الحرية المطلقة ثم استغلالها لأهدافه العلمانية.

– إعداد البيئات المصغرة في الدول الفقيرة لتدريب الشباب والشابات على الثقافة الغربية ونماذج حياتها.

وخلاصة القول أن الغرب يستخدم تلك المؤسسات لإجبار الشعوب المسلمة على قبول النظام الشيطاني وإبعادهم عن الكتاب والسنة.

مجالات عمل المؤسسات الأجنبية:

لو ألقينا نظرة عابرة إلى مجالات عمل المؤسسات الأجنبية، نجد أنها تتواجد في كافة مجالات الحياة الأفغانية؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتربوية. يقول أحد الخبراء بشؤون المؤسسات الأجنبية: (إن المؤسسات الأجنبية تمتلك مكنة اقتصادية فائقة في أفغانستان، ولها نشاط فاعل في المجالات الحقوقية والقضائية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية والأمنية والاستخبارية والصحية وشؤون المرأة وغيرها من المجالات).

قد تدور رحى الحياة في المجالات السابقة بمساعدات تستلمها من المؤسسات الأجنبية، ووفقاً لقاعدة “الإنسان عبد الإحسان”، استطاعت تلك المؤسسات -براحة بال- العمل على تحقيق مطالب الغرب.

تركيز المؤسسات الأجنبية على إرساء قواعد الفساد في البلد:

جاءت المؤسسات الأجنبية إلى أفغانستان متسترة بستار التنمية الاقتصادية والعمرانية، وإزالة الفساد ونشر الفضائل بين الناس. إلا أن الواقع بعد ثلاثة عشرة عاماً كشف عن وجهها الحقيقي الخائن الكاذب وأهدافها الخبيثة التي تريد زرعها في أفغانستان وحرصها الشديد على نشر الفساد والإباحية والفحشاء.

لاشك أن المؤسسات الأجنبية تقع في مقدمة المراكز التي تسعى لبثّ الفساد في أوساط المجتمع الأفغاني، وقد ركزت جميع جهودها في إفساد الشباب والشابات الأفغانيات وتسليتهم بما لا ينفعهم في الدنيا والآخرة.

دعمت هذه المؤسسات خلال الأعوام الماضية المئات من مشاريع التضليل ووسائل الإعلام التي تقوم ليلاً ونهاراً ببث الأفلام الماجنة والبرامج الداعية إلى العلمانية المخربة للعقول. ناهيك عما قامت به من إرسال نخبة طيبة من أبناء هذا البلد إلى الجامعات الغربية والعلمانية لتثقيفهم بالثقافة الغربية، وتربيتهم على مبادئها وقيمها.

المرأة الأفغانية؛ لعاطفتها، كانت ولاتزال أشد الفئات تعرضاً لخطر المؤسسات الغربية، وهي أهم وسيلة تعتمد عليها المؤسسات في مشروع إفساد المجتمع الأفغاني وسوقه نحو الفجور والدعارة والفحشاء.

هنالك تقارير موثقة تؤكد أن تلك المؤسسات تعتمد على المرأة الأفغانية في مشروعها الخبيث لترويج السفور والفحشاء، ونشر الموضات الأوروبية والهندية بين نساء أفغانستان المؤمنات.

و قد صارت المؤسسات الأجنبية جزر صغيرة لتدريب الشابات الأفغانيات على الثقافة الغربية، وفض عفتهن ليكنّ مربيات لجيل يؤمن بزعامة الغرب على العالم فكرياً وعسكرياً وحضارياً وداعيات إلى هذه الزعامة المزعومة والخضوع أمامها، وإثبات أن الحضارة الغربية هي الحضارة الأفضل التي تستحق الالتزام، وأن الحضارة الإسلامية حضارة رجعية لا ينبغي التقيد بها في هذا العصر.

ولنقرأ مقتطفات من التقرير الذي نشرته مجلة “خاوران” في كابول لتتضح لنا خطورة الموقف والمستقبل الرهيب الذي ينتظرنا لو لم نقم بالتصدي لهذه الهجمة الشرسة التي شنتها المؤسسات الأجنبية في أفغانستان:

«وفقاً للتقرير الثاني الصادر من وكالة أنباء ” كابل برس” بعنوان (مراكز فساد كابول في خدمة الناتو)، إن أبواب مراكز الفساد والتجارة الجنسية فتحت ثانية في أفغانستان وذلك بعد مجيء الأمريكان في هذه البلاد.

ومثل هذه التقارير تحمل رسالة غير مباشرة من قادة الغرب إلى المرأة الأفغانية: إننا سنحرركن مادمتن في خدمة ممثلينا وموظفينا.

إن هذا الخزي والعار صار موضوعاً لكثير من التقارير والدراسات، وفي مقدمة هذه التقارير، تقرير قدمه المجمع الثوري لنساء أفغانستان؛ ولكن نظراً لنقده اللاذع لتصرفات حكومة أفغانستان وأعضاء الحلف الأطلسي، لم يقع هذا التقرير موقع عناية وإقبال السفارة الأمريكية في أفغانستان.

رغم انتشار معلومات كثيرة عن وجود مراكز الفساد في كابول، رجحت السفارة الأميركية والناتو السكوت على اتخاذ قرار أو موقف حيالها.

صرح الناشطون في لجنة حقوق الإنسان أن بيانات الغرب في حماية المرأة الأفغانية إعلانات فارغة وقرارات مزورة خائبة؛ لأن الغرب وحلفاؤهم مازالوا سائرين في طريقهم للاعتداء على المرأة الأفغانية في مراكز فسادهم.

إنهم تستروا بفعلهم الغاشم وراء الكواليس ولم يسمحوا بمحاكمة جنودهم. إن الشابات الأفغانيات العاملات في المؤسسات الأجنبية صرن أداة مناسبة لمعاشقة مسؤولي هذه المؤسسات بهن وذلك بتلبسهن في زي يظهر عوراتهن. وفي الليالي تذهب هؤلاء الشابات إلى الفنادق والمطاعم الفاخرة للمعاشقة وارتكاب الفجور والفحشاء وشرب الخمور، وفي الساعات الأخيرة من الليل يرجعن إلى بيوتهن بمرافقة إخوانهن أو أزواجهن أو آبائهن أو أزواج أخواتهن بسيارات “لاندكروزر” ذات الزجاجات السوداء.

و أضاف التقرير: أن الغرب يريد تطبيق النموذج الغربي في معاملة المرأة في أفغانستان، وهي معاملة حيوانية مأخوذة من الديموقراطية، حيث تعامل المرأة معاملة الحيوان ويُنظر إليها بعين الاحتقار، وكمنديل ورق يلقونها في القاذورات بعد الاستفادة منها.

وعندما تتأثر سمعة هؤلاء الشابات من ارتكاب هذه الأعمال اللا إنسانية، يلجأن إلى بيوت الأمن التي صارت مكاناً مناسباً للشذوذ الجنسي وتجارته.

و إذا لم تتهيأ الظروف لهذه المؤسسات للوصول إلى نواياها الخبيثة، تقوم بعقد دورات علمية خارج البلاد وإرسال نخبة من الشباب والشابات إليها وذلك لتكثير عدد أعداء الدين وتعويدهم على الفساد وارتكاب الفحشاء.

وفي الحقيقة، لا يهم هذه المؤسسات سوى تجنيد أبناء هذا البلد في معسكر الكفر والإلحاد، انطلاقاً من جحيم الفساد الجنسي وتوطيد العلاقات غير الشرعية» (مأخوذ من جريدة خاوران الفارسية).

خيبة المؤسسات الأجنبية ومشاريعها الخبيثة:

لاشك أن المؤسسات الأجنبية أثرت على حياة قلة قليلة من المهاجرين الذين عاشوا في بلاد الكفر بعيداً عن البيئة الدينية والتقاليد الأفغانية، لكن الأغلبية الغالبة من الشعب لا تزال متمسكة بدينها وثقافتها الإسلامية وتتجنب سلبيات ومفاسد المؤسسات الأجنبية.

وصدق الله العظيم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال(36).

ورغم ذلك نحن بحاجة إلى توعية الشباب حول مخططات المؤسسات الأجنبية ونواياها الخبيثة، وحماية كافة الشعب من آثارها السلبية. إنها قضية في غاية الخطورة وتتطلب منا حلاً وعناية فائقة، وإن لم نقم بهذه المسؤولية فسوف تسيطر أفكار ومفاسد أصحاب المؤسسات على عقول الشباب الغافل الجاهل بحقيقة الإسلام. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى