المجتمع المدني خطوة لهیمنة الغرب
بقلم: أبو سليمان
لو دققنا النظر في تعامل الغرب مع البلاد الإسلامية وأسالیب التأثیر علیها، لوجدنا تطوراً أساسیاً في کثیر من المیادین؛ لأنهم دائمي التفکیر في أسالیبهم. قبل عشرین سنة أو أکثر، کانت الأحزاب العلمانیة هي الممثلة للغرب والمطبقة لبرامجه، وکانت الأموال تتدفق من السادة الغربیین إلی هذه الأحزاب لیقوموا بتطبیق برامج الغرب من جانب، وليغلقوا الباب أمام نشطاء الدعوة الإسلامیة من جانب آخر.
فکان أصحاب الأحزاب العلمانیة عبیداً للغرب، وکانوا یطیعونه في کل شيء حتی في السلوك الذاتي، وکانوا أشد الناس علی الإسلام والمسلمین، فسجنوا وقتلوا وشردوا جمعاً لا یعد ولا یحصی من المسلمین الأبریاء.
وعندما ظهرت عبودیة هولاء للغرب، قام المسلمون بمجابهتهم والتصدي لهم والحيلولة دون تسلمهم دفة الحکم وتحقیرهم ثم تشریدهم من البلاد. فتطهرت کثیر من البلاد الإسلامية من وجودهم. لذلك غیّر الغرب موقفه، وأتی بفتنة جدیدة هي أدهی وأمر من سابقتها وهي فتنة “المنظمات المدنية”. إن هذه المنظمات برزت كبديل أو كحزب موازٍ للأحزاب المأجورة التي استغلّها الغرب لتحقيق برامجه، وخصوصاً بعد أن انكشف عوار تلك الأحزاب للأمة، وفُرّغت من محتوياتها ولم تعد قادرة على اختراق المجتمعات. وقد أوصی أحد الکتاب الغربیین دولة أمریکا بتمویل ودعم المجتمع المدني، فقال: «بينما يتم العمل على طمأنة حكومات وسط أسيا والتأكيد لها أن احتياجات أمنها الأساسي في مواجهة الإرهاب ستتحقق، يجب على الولايات المتحدة دعم وتفعيل المجتمع المدني والمنظمات غير الربحية لدفع الإصلاح من القاعدة للأعلى». “عصیان الإسلام السیاسي/۳”.
إن نشاط أميركا في دفع المجتمع المدني على المستوى الاستراتيجي والسياسي واضح. فتوصيات مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الأميركية تدعو إلى التركيز على تفعيل دور المجتمع المدني في دول العالم الشرقي، وهي ترد مثلاً في منشورات وعلى صفحات الإنترنت لمركز نيكسون ومؤسسة جيمس تاون ومؤسسة راند وغيرها. “مجلة الوعي”. ووفقاً لبعض التقاریر فإن ۷۵% من المساعدات الأمریکیة للدول الإسلامیة مخصصة لنشاطات المجتمع المدني.
“لا تقل جهود أوروبا في ترويجها للمجتمع المدني عن جهود أميركا، فتحركات الاتحاد الأوروبي جلية على مستوى الكتلة، بالإضافة إلى تحركات بعض الدول الأوروبية على مستوى الدولة، بل إنه يمكن القول إن بعض الدول الأوروبية تزيد على الأهداف الأميركية هدف الظهور على المسرح الدولي ومزاحمة أميركا عالمياً، وإظهار عراقتها وعمقها الثقافي مثل فرنسا وبريطانيا. إن أخطر وأخبث ما يميّز الموقف الأوروبي تجاه المجتمع المدني هو العمل الحثيث على اجتذاب من يسمّون بـ«المعتدلين الإسلاميين» وإسقاطهم في هذه الأوحال. (ميمعة المجتمع المدني).
فعلى سبيل المثال، أورد موقع وزارة حقوق الإنسان في اليمن -نقلاً عن الجزيرة نت- خبراً بتاريخ 18/4/2005م بعنوان «أوروبا تبحث الحوار مع الإسلاميين والمجتمع المدني»، وجاء فيه أن الاتحاد الأوروبي كان يفضل في الماضي «التعامل مع الطبقة العلمانية المثقفة في المجتمع المدني بالدول العربية على حساب منظمات إسلامية أكثر تمثيلاً». ومن ثم ابتكر الاتحاد الأوروبي مصطلحاً جديداً بإضافة الإسلام إلى المجتمع المدني كما جاء في الخبر المذكور أعلاه، «وتساءلت الوثيقة … هل حان الوقت لكي يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر اتصالاً بالمجتمع المدني الإسلامي في تلك الدول؟». “موقع مجلة الوعي”
للأمم المتحدة دور بارز في ترويج المجتمع المدني، بل كان لها الدور الأساس في نشر وترويج المجتمع المدني في العالم، وتنص المادة الحادية والسبعون من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي: «للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تُعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصه”. “موقع مجلة الوعي”.
“ليس ثمة مجال للشك في أن الدافع للترويج للمجتمع المدني هو مقاومة التحرك الإسلامي وإعاقة مشروعه الحضاري النهضوي. وبالطبع لا بد أن يدق هذا التحليل السياسي ناقوس الخطر في أذهان الأمة لتدرك الخطورة السياسية والفكرية في ترويج المجتمع المدني قبل أن يتجذّر فيها.”
لاشك أن وجود هذه المنظمات لمراقبة الأمور والاحتجاج أمام تخلف الحکومات وتقویمهم من الاعوجاج مهمة وضروریة. وفي التاریخ الإسلامي نماذج من الاحتجاج الفردي والجماعي ضد تصرفات بعض الحکام ، تؤید وجوده. وفي القرآن الکریم آیة في تأیید الاحتجاج ضد الظلم من أي جهة کان.
“لا یحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”.
ولکن المجتمع المدني في البلاد الإسلامية، خاصة في أفغانستان، کتلة من أفسد الناس. أعضاؤه یسعون وراء الشهوات ویتبعون الغرب في کل شيء، ویقومون ضد الإسلام وقوانیة كلما سنحت الفرصة، متشبثین بکل حشیش لإبعاد الإسلام عن ساحة الحیاة، ویرتکبون أبشع أنواع الفساد تحت اسم الجهاد ضد الفساد. إن أکثر أعضاء المجتمع المدني متلوثین بالفساد الأخلاقي والصور المنشورة لهم في الإنترنت في الأسبوع الماضي خیر دلیل علی ذلك. وهم یتقاضون من سادتهم الغربیین رواتب عالية ولا یقتنعون بذلک بل یسرقون الأموال التي تأتي إلیهم من الغرب لتطبیق المشاریع. هذا ما صرحت به وکالة “کابل پرس”: “إن ثلثي الأموال التي أرسلتها المراکز الغربیة للمرأة الأفغانیة، سرقت”. و قد تفطن إلی فساد المجتمع المدني الأفغاني الغربیون؛ لذلك رأینا في الأسبوع الماضي صوراً لوثیقة تؤكّد سرقة مالیة قام بها بعض أعضاء المجتمع المدني في شمال أفغانستان، وقد ذیل التصویر أحد نشطاء المجتمع الغربي بهذه الکلمة: “إن هذه البادرة من جانب المجتمع المدني الأفغاني أمر عجیب ومؤسف. وإنها مخجلة جداً”. وقد کتب أحد المواطنین الأفغان في هذا المجال في صفحته الشخصیة علی الفیسبوك: “ما یصلح الملح إذا الملح فسد!؟. إن المجتمع المدني في أفغانستان حدیث، وکان من المرجو أن یجد مکانته في هذا المجتمع، إلا أن بعض تصرفاتهم الدنیئة جعلتهم في حاشیة المجتمع الأفغاني. إنهم بدل ذلك أثاروا غضب الشعب؛ لذلك نری أکثر الشعب غیر راضین عنهم. مع الأسف إن فساد بعض هذه المنظمات المدنیة بلغ حداً أساء إلى سمعة العمل الجماعي للاحتجاج ضد الفساد والظلم!”.
ومما یبشرنا خیراً أن شعبنا الأبي أدرك خطورة الموقف وفهم أن وراء المجتمع المدني أیدي أثیمة خرقاء. لذلك نری بمرور الوقت أن المنظمات المدنیة الغربیة تزداد عزلة وخزیاً.
ولکن لابد من الیقظة أن هنالك تدخلاً دولیاً واضحاً في هذا الشأن. وهذا يدق ناقوس الخطر ليدرك شعبنا خطورة الموقف ویأخذ عدته قبل فوات الأوان.