المحاور الأربعة لفكر الغلاة المعاصرين
سيف الله الهروي
غالبا ما يدور جدالُ الغلاة المعاصرين في واحد من المحاور الأربعة التالية:
المحور الأول: الجهاد.
المحور الثاني: الولاء والبراء.
المحور الثالث: التكفير.
المحور الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولهم في هذه المحاور الأربعة ضلالات أربع ناشئة من جهلهم بسيرة الرسول والصحابة رضي الله عنهم.
أما ضلالهم في الجهاد فيرون إيقاف القتال معصية وكفرا مستدلين برواية الجهاد ماض إلى يوم القيمة، بينما إذا رجعنا إلى السيرة نجد أن عمر رضي الله عنه أوقف القتال لمدة طويلة لم يرسل جندا ولا جيشا للقتال، وأن عمر بن عبد العزيز استعاد الجيش المقاتل المرابط من التخوم وأوقف القتال.
وضلالهم في الولاء والبراء أنهم يرون مظاهرة الكفار أو التعاون معهم كفرا مخرجا من الملة، بينما المخرج من الملة إذا كان التعاون والمظاهرة في الدين، وليس لمنافع شخصية أو مادية.
أما ضلالهم في التكفير، فهم يأخذون آيات نزلت في اليهود والنصارى الذين بدّلوا وحرفوا ما أنزل الله عليهم، ثم يعمّونها في قضايا الحكم والسياسة وتكفير الحكام المسلمين.
أمّا ضلالهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم سلكوا فيه مسلكا معكوسا لمنهج النبي الكريم.
كيف نشر النبي دعوته وكيف كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فهذه سيرتُه بين أيدينا، نجد فيها دعوةً متّصلةً صبرَ عليها صاحبُها السنينَ الطوال حتى أثمرت جماعةً مؤمنة، ثم اتسعت الجماعة حتى نشأ منها مجتمع مؤمن أسَّسَ حياتَه على الإسلام باختياره ورضاه، لم يُجبره على اعتناقه أحد قط ولم يحاربه للالتزام بأحكامه أحدٌ أبداً.
لقد بنى النبيُّ الحكيمُ الإنسان المسلم وصنع الجماعةَ المؤمنة، أقنع الناس بالإسلام، فلما اقتنعوا به تحاكموا إليه راضين في حياتهم ومعاشهم وعبادتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وسياستهم وحربهم وسلمهم، وخضعوا له في كل أمر واجتنبوا كل نهي، هذا هو المنهج النبوي القويم، ركّز صلى الله عليه وسلم على الجوهر فتبعه المظهر، وأصلح نفوس الناس فاستقامتْ أعمالهم، أما هؤلاء فإن لهم منهجاً مقلوباً منكوساً، يبدأ بالسيطرة على الأرض بقوّة السلاح ثم يفرضون فروع الدين على الناس بالإكراه، ولأنهم أبعد الناس قاطبة عن فهم «فقه الدعوة النبوية» فإنهم يُهملون الجوهر وينشغلون بتغيير ظواهر الأعمال والأشكال! فأينما حكموا شددوا وعسّروا ونفّروا المسلمين المتدينين عن دين الله تعالى فضلا عن غيرهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.