
المرتزقة في أحقاب التاريخ !
كلما يسطع ويزداد نور نصر الله تعالى ويقترب وعده بنصر المؤمنين الصامدين يتوسل الأعداء لآخر ما في جعبتهم من الحيل والخدع فبعد إنفاق المليارات من الدولارات في مشروع ما يسمى إعمار أفغانستان والذي كان جزءا كبيراً منه في عملية ما يسمى بجمع السلاح من المواطنين، ولكن اليوم و بعد مرور أكثر من عشر سنوات عجاف التي لم تحمل أي علامة للتقدم والفوز للأعداء، يلجـأ العدو لحيلته الخبيثة بإشغال الشعب فيما بينهم، وإشعال فتنة الحروب الداخلية والنعرات الطائفية و تقضي الخطة التي يحاول الأعداء تطبيقها في القرى و المدن الأفغانية، تقضي بتوزيع الأسلحة على الأشخاص و إرغامهم وشراء ذممهم بالمال ليتصدوا للمجاهدين في تلك المناطق.
استخدام المرتزقة هي الحربة الأخيرة التي تلجأ إليه الغزاة المعتدون الذين اعتدوا على أرض أفغانستان طوال تاريخنا المجيد، حيث يذكر التاريخ كيف أن الروس استعانوا بهؤلاء للقضاء على المقاومة الإسلامية التي كانت تشتد مع مرور كل ساعة وبرهة عليها.
واليوم عندما تريد أمريكا الاستعانة بهؤلاء الخونة فإنها تريد أن تشعل حرباً داخلية بين مختلف فئات الشعب بعد خروجها بخفي حنين وستكون هذه المحاولات ألغام موقوتة لتنفجر عند خروجهم الذي بات قريبا من أي وقت مضى، و إلا كيف يعقل أن تنتصر قوات من أفراد القرى الجهلاء بفنون الحرب في مواجهة المجاهدين البارعين حين فشلت في مواجهتهم قوات أكثر من 40 دولة غازية مجهزة بأعتى أنواع الأسلحة و التقنية؟
إن الأمريكيين رغم المحاولات والفعاليات العسكرية المتواصلة ليلا ونهارا منذ أكثر من 10 سنوات من القصف والتدمير والقتل والنهب والجرائم البشعة والفظائع الأخرى ما استطاعوا تثبيت سيطرتهم الكاملة على أية منطقة من المناطق في المحافظات والقرى وأنهم بالفعل محاصرون في الثكنات العسكرية والمدن الكبرى فشكلت أخيرا مجموعات من المسلحين المرتزقة في بعض الولايات الأفغانية مثل ولاية كندز، لغمان، هلمند وأخيرا غزني، وتحديدا مديرية اندر وهذه هي الحربة الأخيرة التي يحسبونها ناجعة إلى حد ما.
تدور الاشتباكات والمواجهات بين المجاهدين وهؤلاء المسلحين المرتزقة، من أول يوم تشكيلهم وكلما واجه الخونة الهزيمة وصل جنود القوات المحتلة وجنود الجيش العميل لنصرتهم ومساندتهم فورا! لكن من العجب أن الأمريكيين لا ينتسبونهم إلى الحكومة العميلة أو الاحتلال بل يسمون هؤلاء المسلحين المرتزقة بالقيام الشعبي والانتفاضة، لأنهم يعرفون أن الشعب الأفغاني المتدين والغيور له حساسية شديدة مع مصطلحات المليشيات القومية، والصحوات، ويعدونهم حفنة من الخونة المرتزقة الأذلاء.
يذكرنا هذه الأعمال الخبيثة بتاريخ أمريكا الأسود والحافل بجرائم التي يخجل التاريخ من ذكره، و كانت استخدام المرتزقة في الحروب التي خاضتها أمريكا حتى يومناً هذا في قائمة الحلول التي تلجأ إليها للسيطرة على الشعوب أو إشعال فتيل حرب أهلية و طائفية فيها.
وتذكر المصادر أن أمريكا أول ما بدأت في استخدام المرتزقة في حربها على فيتنام وذلك بعد هجوم الفيتكونغ في مايو 1968 وقد أسموا هذه المجموعات من المرتزقة بالقرى الإستراتيجية التي بلغ عددها 16 ألف قرية و لكن ما لبثت هذه المجموعات إلا أن فشلت خلال سنتين من إنشائها.
وتلجأ لهذه الحيلة المعتدون حين يفشل جميع المحاولات كما يذكر الكاتب العراقي وليد الزبيدي بدء وهلة استخدام قوات المرتزقة من العراقيين فيقول: “إنه مع ارتفاع وتيرة هجمات المقاومة بعد معارك الفلوجة، تطلب ذلك وضع خيارات أمام إدارة بوش و قواده، وخرج معهد راند الذي يتبع البنتاغون ويموله سلاح الجو الأميركي بخمسة خيارات أمام القوات الأميركية.
أهم تلك الخيارات كانت أنه لا يمكن للجيش الأمريكي أن يحرز النصر في حرب العصابات وأن السبيل الوحيد هو اتباع أسلوب قتالي يشبه تماما ذاك الذي يستخدمه المسلحون، على أن يكون المقاتلون من نفس البيئة، ويتغلغلون في أوساطهم.
و لكن لم تكن نهاية هذه الصحوات سعيدة كما توقعها مؤسسوها، حيث فشلت في معاونة المحتل كما ينبغي، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يزال الخزي والعار يلاحق الذين كانوا جزءاً من عملية ما يسمى بمجالس الصحوات، حيث ينظر لهم الشعب بعين الريبة والاحتقار.
و يذكر الكاتب الوتر الذي عزفت القوات الغازية لإنجاح هذه المجموعات من المرتزقة و المجرمين حيث بدأت في ترويج إشاعات بأن الخطر الإيراني أكبر من أي وقت مضى على الشعب العراقي و أن العدو الحقيقي والوحيد هي إيران وليست أمريكا، و هذا ما تفعله القوات الغازية اليوم في أفغانستان سواء في نشراتهم الإخبارية أو على لسان عملائها بأن الخطر لا يأتي من الغزاة المعتدين بل إن الخطر يكمن في الجيران وهنا نسأل العملاء: من يقوم بعمليات القتل الوحشية والإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، كل ذلك تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أفغانستان والخطر الحقيقي الذي يهددنا لا يأتي منها بل هو من الجيران ؟ ما لكم كيف تحكمون؟
ويبين التاريخ الدور القذر الذي لعبته المرتزقة على مر العصور و الأزمان، و قد استخدمت هذه القوات بدءا من الفراعنة وتحديداً في عهد رمسيس الثاني الذي أعجب بوحشية وغلظة هؤلاء في تعاملهم مع الأعداء أو إخضاع الشعب لأحكامه، واستمرت الحكومات في الاستفادة من هؤلاء نظراً لرخص سعرهم وعدم التزامهم بالعهود و المواثيق وأنهم لا يخضعون للمحاكم العسكرية حيث أنهم لا يعرفون غير المادة رباً و لا غير الدنيا حياة، و استمرت خدمات هؤلاء المرتزقة قديماً حيث استعانت الإمبراطورية الفارسية والرومانية بهم وأصبحت لديهم جيوش كاملة من المرتزقة في كلا الإمبراطوريتين.
أما حديثاً فإن مجموعات المرتزقة قد ظهرت في فلسطين وقد أطلق عليهم “روابط القرى”، وترأس تلك الروابط مصطفى دودين، لكنها سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن تحرك الفلسطينيون ضدها، وتصدت لها فصائل المقاومة الفلسطينية وأفشلتها.
وفي الجزائر فإن الفرنسيين شكلوا ما أطلق عليه “الحركيون” وهم الجزائريون الذين ساندوا الجيش الفرنسي ضد المقاومة الجزائرية. وقد ألحقوا الكثير من الأذى بالمقاومة الجزائرية، إلا أنهم ما زالوا يوصمون بأنهم خونة ومنبذون في مجتمعاتهم.
ويتعامل الفرنسيون مع أحفاد هؤلاء داخل فرنسا بكثير من الإهانة والاحتقار، كما أن الحكومات الجزائرية المتلاحقة، رفضت عودة هؤلاء إلى الجزائر، رغم مرور عشرات السنين على هروبهم إلى فرنسا.
وفي يوم استقلال الجزائر 18/3/1962 وصف الجنرال ديغول “الحركيون” بكلمة شهيرة قال فيها “هؤلاء لعبة التاريخ، مجرد لعبة“.
أما نابليون بونابرت فقد أسس مليشيات مسلحة لخدمة قوات الاحتلال الفرنسي في مصر وقاد تلك المليشيات “الصحوات” ضد أبناء مصر، يعقوب المصري الذي نبذه المصريون واحتقروه، فطلب من نابليون أن يأخذه معه، حتى لو كان جثة هامدة.
ولبى نابليون رغبة العميل المصري، ووضع جثته القذرة داخل برميل، وأخذه معه إلى فرنسا ليدفن مع العملاء الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم للمحتل هناك.
نعم يتم توظيف هذه المجموعات من المرتزقة في عمليات الاختطاف والقتل وتشويه الجثث، وإحراق المدارس و نشر الفوضى و الرعب بين السكان، و كانت لهذه المجموعات الدور الكبير في تشويه سمعة الحركات المقاومة الإسلامية في عراق و أفغانستان، حيث كانت تنسب لهم الأعمال الوحشية من تفجير المساجد و دور العبادة، و قتل العلماء و الشيوخ و نشر الفوضى التي تقوم بها هذه المجموعات التي لا تجد رادعاً أو حداً لما يقومون به من أجل حفنة من المال.
و يبقى كل ما باع دينه و وطنه و شعبه مجرد لعبة، حيث كان هذا الوصف للجنرال ديغول أصدق تعبير عن دور هؤلاء في بلدانهم و مع شعوبهم، نعم هؤلاء مجرد لعبة في أيدي الغزاة المعتدين.
نحن نقول لهؤلاء الذين يساعدون الغزاة على إخوانهم المجاهدين و بني جلدتهم أن لا يغتروا بقوة وجبروت من يربّيهم، وما لهم أن يرتكبوا ما قد يندموا عليه فيما بعد، فالغزاة راحلون بإذن الله تعالى و وعده سبحانه مهما طال الزمان ولن يخلف الله وعده فنصر الله آت لا محالة، حيث نرى كيف نصر الله المؤمنين في التاريخ الإسلامي القديم و الحديث، و لكن في المقابل نرى الكفار يقفون مع حلفاء هم إلى حين انتهاء المصلحة التي يرونها فيهم، و سوف يأتي يوم أن هؤلاء الغزاة سينقلبون عليكم واحداً تلو الأخر عندما يكتشفون أنكم أصبحتم بضاعة فاسدة، وعندها سيبيعونكم بثمن بخس وسيكونون فيكم من الزاهدين.
و لنا في التاريخ البشري أمثلة كثيرة لن يغفل عنها عاقل مهما قصر نظره أو ضعفت ذاكرته، ونقول للذين يقفون بجانب الغزاة من المرتزقة أنه لكم عبرة في من سبقكم إذا فلتراجعوا حساباتكم و لتأخذوا عبراَ من تاريخنا المجيد و تاريخ هذه الأرض المباركة و شعبها المقدام والمحب للحرية والاستقلال و الذي ما فتأ يقدم الغالي والنفيس من أجل استرداد أرضه وحماية دينه طوال دهره النضالي التليد.