المساعي الأمريكية الفاشلة في ضوء التاريخ الأفغانى
قبل شهر فبراير من عام 1989م حين لاذ بالفرار جيش الإتحاد السوفياتي السابق من أفغانستان، كان الروس قد شرعوا أولا في تقليل جنودهم بالتدريج من الولايات ، وعلى إثرهم أخرجت حكومة نجيب العميلة قواتها بشكل كامل من ولايتي كونر وخوست، وفي الظاهر كانت تقول : إننا نريد الدفاع من أماكن تجمع الشعب.
وفي نفس الوقت كان إدارة إستخبارات نجيب (خاد) تتبجح مفتخرة بأنها تمكنت من إيقاع الفرقة والإختلاف في صفوف المجاهدين ، وأن مفاوضاتها متواصلة مع قادة ميدانيين من المجاهدين ، وأنها فعلت وتفعل كيت وكيت وفقا لاستراتيجيتها، وبهذا الشكل كانت تصبغ هزائمها المتتالية بصبغة الإنتصارات، والإجراءات الاستراتيجية. لكن ظهر بأن الحقيقة كانت خلاف ذلك؛ كما ثبت أن الواقع كان عكس ما قالوا، حتى سقط في النهاية نظامهم البائس.
أمريكا اليوم تخطو نفس الخطوات، فتخسر مراكزها المستحكمة واحدا تلو الآخر. وإدارة كرزاي أيضا مرة تتحدث بحديث السلام والمصالحة المخادع، وتقيم المجالس. ومرة تقول كذبا وزورا بأن المفاوضات جارية وعما قريب تؤتي أكلها. وأحيانا تروج الشائعات عن ليونة موقف المجاهدين، واستعدادهم للتفاوض إستنادا لأشخاص مجهولين وغير معروفين . ثم تسعى بواسطة الإعلام المأجور لخداع الرأي الشعبي العام؛ لكنهم يغفلون ويجهلون حقيقة أن الشعب الواعي يرى بأم عينيه جميع الحقائق على أرض الواقع، لذا فإن دعايتهم تنقلب عليهم، فبدلا من أن تنفعهم تضرهم أكثر.
نجيب الشيوعي أيضا غير إسم حزب الشعب الديموقراطي إلى حزب الوطن، وبدلا من الشعارات الشيوعية رفع شعارات جديدة وطنية وقومية. واليوم كرزي يمثل تمثيلية مشابهة؛ لكن لم تنفع نجيب دعاية خاد والإعلام، كما لم يقع إختلاف فيما بين المجاهدين، ولا قبل الشعب إعتبار نجيب شخصية وطنية أفغانية بمجرد تغير الإسم. ولن يثق الشعب اليوم بتغير كلام كرزاي اليومي، ولا بتذريف دموعه.
نجيب وسادته أيضا أوجدوا مليشيات وقووها ، واليوم إدارة كابل تقوم بنفس الإجراء؛ لكنها نسيت أن نظام نجيب ضعف أكثر بواسطة تلك المليشيات وسقط بأيدي تلك المليشيات التي أوجدها الروس للدفاع عن النظام.
إن حكومة كرزاي اليوم مثل حكومة نجيب بالأمس ؛ حيث ضعفت وفقدت إعتبارها بسبب أمراء الحرب هؤلاء الجالسين حاليا بجانبه في الحكومة.
على كل حال اليوم يتكرر تاريخ العقود القريبة الماضية، وكل هذه التطورات تظهر لنا وتنبؤنا بأن الناتو وأمريكا واقفتان على حافة الهزيمة.
إن قرار وزراء خارجية دول حلف الناتو في أستونيا أخيراً والقاضي بأن تخرج دول الحلف قواتها من الولايات في أفغانستان وتسليم تلك الأماكن للقوات الأفغانية العميلة؛ لتؤكد ما قلناه، وتكرر التاريخ الماضي، وتثبت بأن قوات الإحتلال أدركت جيدا بأن الجهاد في أفغانستان إتخذ شكلاً شعبياً عاماً وأصبح نفيراً كاسحا يصعب مقابلته. فخلال الأسبوع الحالي تم إحراق قافلة مؤن التابعة لقوات الناتو بشكل كامل خلال مسيرة شعبية عارمة في بوابة كابل الجنوبية بولاية لوجر. وذلك دليل قوي وحجة قاطعة بأن القوات الداخلية والمحتلة بقوتها الجوية والبرية وجميع ما أوتيت من القدرة والآلة العسكرية لم تستطع إنقاذ عشرات المركبات من قافلتها التموينية العسكرية من أيدى أولئك المتظاهرون العزل غير المسلحين.
وأيضا يجب القول الآن بأن المجاهدين جميعا أقوياء ومتحدون ، وتقودهم قيادة حكيمة ومدبرة، ويقف من خلفهم الشعب المستقل الأبي، بزعامته صاحبة البصيرة والحنكة السياسية والعسكرية، لذا لا أحد ينخدع بدعاية العدو السلبية، ويدرك المجاهدون جيدا بأن العدو يعيش في اللحظات الأخيرة من هزيمته المحتومة، لذا نراه مثل الغريق يمد يده لكل شيء وفي كل إتجاه.
بالنظر إلى الحقائق الآنفة الذكر:
فإنه مالم تلجم شعوب الغرب حكومات بلادها المتغطرسة ويسيطروا عليها، وما لم يتعرفوا على تاريخ أفغانستان و يأخذوا العبرة منه، و يشرعوا بسحب قواتهم فورا من أفغانستان؛ فسيكون مصيرهم مثل مصير الإتحاد السوفياتي السابق.
وكذلك الأفغان الذين يقفون إلى جانب الإدارة العميلة في كابل:
إذا لم يغيروا مسارهم عاجلا عن هذه الإدارة السائرة نحو الزوال، فسيكون نهايتهم مثل الشيوعيين السابقين في أفغانستان، حيث لن يكون لهم موضع قدم داخل البلاد، ولن يأويهم أحد في الخارج ، ويخسرون الدنيا والآخرة.