النصّ الكامل لكلمة رئيس وفد حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية (ذبيح الله مجاهد) في اجتماع الدوحة الثالث بشأن أفغانستان
بسم الله الرحمن الرحيم
حامداً مصلياً وبعد، السيدة روزماري ديكارلو نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، وممثلوا الدول والمؤسسات وخاصة ممثلوا الدولة المضيفة -قطر-؛ مساء الخير، يسرني أن ألتقي بممثلي العديد من البلدان والمنظمات الدولية نيابة عن حكومة وشعب أفغانستان، في هذه الفرصة التي أتيحت لأفغانستان بمبادرة من الأمم المتحدة، كما أود أن أعرب عن شكري الخاص لقيادة حكومة قطر على مساعدتها في تنظيم وتسهيل هذا الاجتماع.
إن مشاركتنا في مؤتمر الدوحة هذا تُظهر أن إماره أفغانستان الإسلامية -بكل الاعتبارات التي لديها- تؤيد التفاعل الإيجابي، ونعتقد أن الاجتماع الحالي في الدوحة يشكل فرصة لإجراء نقاش إيجابي حول العقوبات الأحادية والمتعددة الأطراف على قادتنا والنظام المالي والمصرفي والتحديات التي تواجه اقتصادنا الوطني، وستكون هذه بداية جيدة لحل المشاكل، وسيعلم الأفغان أيضاً أن العقوبات المفروضة على بلادنا تقترب من نهايتها.
أيها الممثلون الكرام، يتساءل الأفغان: لماذا يتم مضايقة الشعب بأكمله بشكل جماعي بسبب العقوبات الأحادية والمتعددة الأطراف؟ ولماذا يتم وضع العراقيل أمام الحكومة والقطاع الخاص الذي عانى من الحروب وانعدام الأمن منذ ما يقرب من نصف قرن نتيجة الغزو والتدخلات الأجنبية؟ وعندما حصلوا على استقلالهم وأنهوا الحرب وأنشأوا نظاماً وأرادوا أن تكون لهم علاقات إيجابية مع العالم؛ واجهوا العقوبات! هل هذه ممارسة عادلة؟ لا أنكر أن بعض الدول قد يكون لديها مشكلة مع بعض إجراءات الإمارة الإسلامية. أعتقد ان الاختلافات والتغيرات في السياسات بين الدول أمر طبيعي، ومن واجب الدبلوماسيين ذوي الخبرة -مثلكم- أن يبحثوا عن سبل التفاعل والتفاهم بدلاً من المواجهة.
إن الخلافات في الشؤون الداخلية والسياسات لا ينبغي -بأي حال من الأحوال- أن تدفع بعض الدول القوية إلى استخدام أدوات الضغط الأمنية والسياسية والاقتصادية التي في أيديها للتأثير على حياة أمة مزقتها الحرب. وبالإضافة إلى كل هذا، وعلى الرغم من العقوبات والضغوط الأحادية والمتعددة الأطراف، فقد حضرنا زراعة وصناعة وتجارة الخشخاش التي أثرت على العالم. لقد قمنا بتقليص زراعة الخشخاش التي ورثناها إلى الصفر تقريباً بكل جدية. لكن على العكس من ذلك، فإن بعض الدول بدلاً من الترحيب بهذا الإجراء الإيجابي من جانبنا وإزالة القيود المصرفية وإخراج الودائع من التجميد لإنعاش اقتصادنا الوطني؛ واصلت سياسة عدم التعاون!
أيها الممثلون الكرام، كما ناضلت أمتنا عبر التاريخ من أجل الاستقلال السياسي وقدّمت تضحيات كبيرة؛ تسعى إمارة أفغانستان الإسلامية الآن لتحقيق الاستقلال الاقتصادي من خلال إرساء أسس اقتصاد وطني مكتفٍ ذاتياً وموثوقٍ بالكامل. لقد خطونا خطوات كبيرة في سبيل الإنعاش الاقتصادي الحقيقي لأفغانستان؛ إذ تم خلق فرص عمل للشعب، وبناء مئات المصانع، وإنقاذ الشباب من المصائب، وخلق أكبر الفرص التجارية للنساء في تاريخ أفغانستان. وبينما نعرب عن امتنانا للمساعدات الإنسانية التي تقدمها جميع البلدان؛ فإننا نؤكد أن الحل الأساسي للمشاكل الاقتصادية للأفغان يكمن في رفع العقوبات الأحادية والمتعددة الأطراف، وتقديم المساعدة التنموية، والسماح لحكومة أفغانستان وشعبها بإحياء الاقتصاد الوطني، واستخدام كافة قدراته دون قيود.
إن أحد العناصر الأساسية في سياستنا الخارجية هو أنها تتمحور حول الاقتصاد، ومن خلال ذلك تمكنّا من توفير الفرص لربط المنطقة عبر أفغانستان. إن بناء خط السكة الحديد العابر لأفغانستان من أوزباكستان في الشمال سيربط آسيا الوسطى بجنوب آسيا والمياه المفتوحة، وتعمل ممثلياتنا بشكل وثيق مع نظيرتيها الأوزبكية والباكستانية في هذا الإطار. كما تم إحراز تقدّم جيد في العامين الماضيين فيما يتعلق ببناء خط أنابيب غاز (تابي) مع تركمانستان، ونأمل أنه من خلال تنفيذ هذا المشروع ستلعب أفغانستان دوراً إيجابياً في تبادل الطاقة، والربط بين وسط وجنوب آسيا. وفيما يتعلق أيضا بالممر بين الشمال والجنوب؛ فقد أعلنا عن دعمنا واستعدادنا للعمل بشكل وثيق مع البلدان الشريكة في هذا الممر. بالإضافه إلى ذلك، مع انتهاء الاحتلال والحرب في أفغانستان، أتيحت الفرصة -ليس فقط لأفغانستان في استخدام قدراتها الوطنية لإنعاش الاقتصاد الوطني- بل إن المنطقة برمّتها تستفيد من عودة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان.
إن تطور العلاقات بين إمارة أفغانستان الإسلامية ودول المنطقة يثبت أن الحكومة الأفغانية لديها الإرادة والقدرة على تطوير العلاقات. وبنفس الطريقة؛ تستطيع دول العالم الأخرى -وخاصة الدول الغربية- إزالة العوائق أمام تطوير العلاقات مع الحكومة الأفغانية بتفاعل واقعي وعملي مثل دول المنطقة، والتقدم نحو تفاعل إيجابي.
أعزاءنا المشاركين، كما أشرنا فإن الخلاف في الرأي في بعض المجالات أمر طبيعي، لكن الشيء المهم هو أن إمارة أفغانستان الإسلامية لديها الإرادة والنية لتطوير التفاعل والعلاقات الإيجابية.
إن إمارة أفغانستان الإسلامية ترغب في التفاعل الإيجابي مع الدول الغربية، ومع ذلك -مثل أي دولة أخرى- لدينا أيضاً بعض القيم الدينية والتقليدية ومطالب الشعب التي ينبغي فهمها حتى تتمكن العلاقات الثنائية من التقدم بدلاً من التعرض للمشاكل والركود. أملنا هو أن يتم احترام السيادة الوطنية والاستقلال والقيم والتفضيلات لإمارة أفغانستان الإسلامية. إن احترام هذه القيم مؤكد أيضاً في ميثاق الأمم المتحدة. إذا تمكنا من فصل القضايا الداخلية الأفغانية عن العلاقات الخارجية فقد نتمكن من إحراز تقدم في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.
لقد أصبحت إمارة أفغانستان الإسلامية الآن حكومة لأفغانستان نتيجة لعقود من كفاح الأفغان. إن مستوى التفاهم السياسي بين إمارة أفغانستان الإسلامية والدول الأخرى آخذ في الارتفاع. في الشهر الماضي، أزالت كازاخستان اسم حركة طالبان من قائمة الجماعات المحظورة، ومن المتوقع أن تفعل روسيا الاتحادية الشيء نفسه في المستقبل القريب. من جهة أخرى، استقبلت جمهورية الصين الشعبية سفير إمارة أفغانستان الإسلامية. كما أن عشرات الدول استقبلت دبلوماسيي الحكومة الأفغانية، ولدينا تمثيل سياسي نشط. لقد تفاعلت الدول المهمة في المنطقة بشكل إيجابي مع الحكومة الأفغانية الحالية باعتبارها نظاماً مسؤولاً، ونأمل أن تعطي الدول الغربية -بنفس الطريقة- الأولوية للمصالح الثنائية المشتركة.
أود هنا لفت انتباهكم إلى أزمة إنسانية حرجة أخرى منذ أكتوبر الماضي؛ أصبحت الإبادة الجماعية الجارية في غزة، في فلسطين، أول إبادة جماعية في التاريخ يتم بثها مباشرة! لقد قوّضت هذه المأساة -بشكل حاد- مصداقية الدول والمنظمات التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان. ومن المهم ملاحظة أن بعض الجهات المشاركة مباشرة في هذه الفضائع الإنسانية لا تمتلك المكانة الأخلاقية لتوجيه محاضرات لنا بشأن حقوق الإنسان!
في السنوات الثلاث الماضية، أثبتت إمارة أفغانستان الإسلامية نفسها كنظام مركزي قوي ومسيطر، وخطت خطوات مهمة في بناء المؤسسات الوطنية ومشاريع البنية التحتية، وتنشيط الاقتصاد الوطني. كما أحرزت تقدماً في تطوير العلاقات الثنائية مع عشرات الدول، وخير مثال على ذلك هو تطوير العلاقات مع الجيران ودول المنطقة.
الحضور الكرام، لكي يكون اجتماع الدوحة مجدياً؛ علينا أن نعمل على تحقيق الأهداف التالية لضمان أننا جميعاً نعمل من أجل أمن واستقرار ورفاهية أفغانستان:
أولاً: إزالة كافة القيود والعقبات، وإنهاء تلك القرارات السابقة التي خلقت عقبات كبيرة في طريق القطاع الخاص في أفغانستان.
ثانياً: يجب تحرير جميع احتياطيات العملة المجمدة، والتي هي من حق الأفغان، وتسليمها إلى بنك أفغانستان. هذا ضروري لاستخدامها في التنفيذ الأفضل للسياسة النقدية، ولتعزيز حسابات البنوك التجارية، ولتمكين بنك أفغانستان من الوفاء بالتزاماته النقدية تجاه البنوك التجارية. إن استمرار تجميد هذه الاحتياطيات قلّص قدرة البنوك التجارية على تلبية احتياجات العملاء من العملة داخل الدولة وخارجها، مما يضطرّ العملاء إلى استخدام وسائل غير قانونية لمواصله التداول. ومن المهم لنمو القطاع الخاص أن يُستأنف التفاعل بين بنوكنا والبنوك الأجنبية حتى يتمكن رجال الأعمال لدينا من التواصل مع العالم من خلال القنوات القانونية المصرفيه للأنشطة التجارية.
ثالثاً: لقد حاربت أفغانستان -بجدية- كل أشكال زراعة المخدرات وإنتاجها وتصنيعها وتهريبها -ولا تزال تكافح- ومع ذلك، فإن توفير سبل العيش البديلة للمزارعين الأفغان أمر ضروري ومسؤولية مشتركة يجب القيام بها، ولا ينبغي ترك أفغانستان وحدها في هذا المجال.
اقترح تشكيل فرق عمل لحل هذه القضايا، وآمل أن تكون هناك مناقشات فعالة ومثمرة مع ممثليكم الموقرين حول هذه المواضع إن شاء الله.