
النظام المصرفي الأفغاني؛ من الواقع إلى تقارير الغرب الكاذبة
إدريس رحمتي
بعد ثلاث سنوات من عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم؛ شهدت أفغانستان تقدمًا ونجاحًا لا مثيل لهما في تاريخها المعاصر، وإنجازات ملحوظة في القطاعات المختلفة؛ في الأمن والاستقرار، وفي السياسة والاقتصاد، لا سيما في النظام المصرفي والمالي الذي لم يتوقع أحد تحققه من الإمارة الإسلامية، رغم الحصار والضغط المالي والسياسي الذي لا يزال مستمراً.
يعد تحسن الأوضاع وتحقيق تقدم ملحوظ في النظام المصرفي والمالي في أفغانستان أحد أبرز هذه الإنجازات الوطنية، رغم التحديات الكبيرة والعقوبات المفروضة. ولكن الدول الغربية، حين شاهدت هذا النجاح غير المتوقع في هذا القطاع المهم؛ بدأت تشن حربًا شرسة في سياق حربها الإعلامية على أفغانستان، حيث تسعى -بكل ما لديها من أدوات- إلى تقويض هذه النجاحات وتشويه صورتها أمام العالم والمجتمع الدولي.
ونسعى في هذا المقال إلى استعراض الحقائق حول تطور النظام المصرفي الأفغاني، وتفنيد الادعاءات الغربية التي تعمد إلى تقليل شأن هذه الإنجازات، مع التركيز على دور هذا القطاع في تعزيز التنمية الاقتصادية.
الواقع في مواجهة الادعاءات
تشير التقارير الغربية، مثل تقرير معهد السلام الأمريكي، إلى أن النظام المصرفي الأفغاني يواجه انهيارًا وشيكًا بسبب العقوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على الحكومة الأفغانية، إلا أن الواقع يعكس صورة مختلفة تمامًا، وعلى الرغم من هذه التحديات، استطاع النظام المصرفي الأفغاني تحقيق استقرار كبير، مما يدل على قدرته على التكيف مع الظروف الصعبة بفضل الإدارة الذكية والقرارات المدروسة التي تبنتها الحكومة.
ويمثل استقرار العملة الوطنية “الأفغاني” في مواجهة التقلبات العالمية أحد أبرز إنجازات النظام المصرفي، فقد اعتمدت الحكومة الأفغانية سياسات نقدية متينة تضمنت التحكم في التضخم وإدارة الاحتياطات النقدية بشكل فعّال. هذه السياسات لم تقتصر على الحفاظ على قيمة العملة الوطنية فحسب، بل ساهمت أيضًا في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين بالاقتصاد الأفغاني، حيث نشاهد هذه الأيام الوفود المحلية والدولية تتوافد إلى العاصمة الأفغانية كابول للاستثمار في مختلف المجالات في أفغانستان.
ثم إن البنوك الأفغانية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الودائع البنكية خلال السنوات الأخيرة، يشير هذا النمو إلى الجهود المبذولة من قبل المسؤولين لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية، وأصبح اليوم النظام المصرفي ملاذًا آمنًا لحفظ الأموال وإجراء المعاملات، وهو ما يشير إلى وعي متزايد بأهمية الدور الذي يلعبه هذا القطاع في دعم الاقتصاد الوطني، وبالتالي في تنمية الاقتصاد وتحسين أوضاع المعاش بين المواطنين.
وإضافة إلى ذلك، وفي خطوة تعكس توجهًا نحو “الرقمنة”، شهدت أفغانستان تطورًا لافتًا في البنية التحتية الإلكترونية، مما أدت هذه التطورات إلى تسهيل العمليات المالية اليومية؛ مثل تحويل الأموال وسداد الفواتير، للمواطنين والشركات على حد سواء. علاوة على ذلك، أسهمت هذه التقنيات في تحسين الكفاءة التشغيلية للبنوك وجعل الخدمات المالية أكثر شمولًا، مما فتح المجال أمام شرائح أكبر من المجتمع للاستفادة منها.
خلفيات الادعاءات الغربية
إن الحملات الإعلامية الغربية التي تستهدف النظام المصرفي الأفغاني ليست عشوائية، ولا مبنيّة على دراسات حقيقية، بل تأتي في إطار المحاولات السياسية المحددة لتشويه الإنجازات الوطنية وتقويض الثقة في الحكومة الأفغانية. تسعى هذه الحملات إلى خلق تصور سلبي عن الوضع الاقتصادي في البلاد، وإخراج صورة مشلولة عن أفغانستان تحت راية الإمارة الإسلامية. في حين أن المؤشرات الحقيقية – كما قلنا- تُظهر تقدمًا ونموًا ملحوظًا، خاصة في القطاع المصرفي. والحقيقية أن التطلع نحو الإكتفاء الذاتي بعيدًا عن هيمنة الغرب؛ يعكس غضَبهُ وغيظَهُ وأنه لا يحتمل تقدم أحد دون إشراف منه. ولتثبيط المساعي نحو الإكتفاء الذاتي؛ فمن الطبيعي أن يستهدفنا الغرب ويستهدف إنجازاتنا ونجاحاتنا.
ثم إن دور النظام المصرفي لا يقتصر على كونه أداة لإدارة الموارد المالية، بل يمثل محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية، من خلال توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم الاستثمار في البنية التحتية، وتسهيل حركة الأموال، وساهم هذا القطاع في خلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، عزز النظام المصرفي من قدرات الاقتصاد المحلي على مواجهة الصدمات الخارجية، مما جعله ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي.
لقد أثبت النظام المصرفي والمالي في أفغانستان، طوال السنوات الثلاث، قدرته على الصمود والتطور في وجه العقوبات وأي ضغوط خارجية، بفضل الإرادة السياسية القوية والجهود المتواصلة للحكومة. وأثبت أن الإرادة القوية تغلب الصعوبات وتجتاز الموانع، أيا ما كانت وأينما كانت، فالعزم القوي إلى جانب العمل الدؤوب سوف يزيل العوائق ويخلق فرصًا جديدة ويفتح آفاقًا قيمة للبلاد في مختلف المجالات بإذن الله.
فعلى الشعب الأفغاني أن يدرك أهمية دعم مؤسساته الوطنية ومواصلة العمل المشترك للتغلب على التحديات التي تواجه البلاد، وأن يكون على علم بأن النظام المصرفي ليس مجرد أداة اقتصادية، بل هو رمز للصمود والابتكار، ودليل على قدرة أفغانستان على بناء مستقبل أفضل، رغم كل العقبات، وأن الإنجازات في هذا القطاع المهم تعتبر فخرًا واعتزازًا لأفغانستان على الصعيد الدولي والإقليمي، وهذه الإدعاءات الكاذبة تُظهر فخامة الأمر وخطورة هذا الإنجاز المرموق.