مقالات الأعداد السابقة

النيران الصديقة ؟!

ينصر الله المؤمنين: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم..) ومن كان الله مولاه وناصره فحسبه، وفيه الكفاية والغناء، وكل ما قد يصيبه إنما هو ابتلاء وراءه الخير، لا تخليا من الله عن ولايته له، ولا تخلفا لوعد الله بنصر من يتولاهم من عباده ومن لم يكن الله مولاه فلا مولى له، ولو اتخذ الإنس والجن كلهم أولياء فهو في النهاية مضيع عاجز، ولو تجمعت له كل أسباب الحماية وكل أسباب القوة التي يعرفها الناس! لله الأمر من قبل ومن بعد. يقول العلماء في توضيحه: “أن النصر والهزيمة، وظهور الدول ودثورها، وضعفها وقوتها شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال، مرد كله إلى الله، يصرفه كيف شاء، وفق حكمته ووفق مراده وما الأحداث والأحوال إلا آثار لهذه الإرادة المطلقة، التي ليس لأحد عليها من سلطان، ولا يدري أحد ما وراءها من الحكمة، ولا يعرف مصادرها ومواردها إلا الله .
و إذن فالتسليم والاستسلام هو أقصى ما يملكه البشر أمام الأحوال والأحداث التي يجريها الله وفق قدر مرسوم “.
هكذا ينصر الله المؤمنين من حيث لا يحتسبون في كل مكان وزمان لأنه مولاهم وناصرهم وقد وعدهم النصر المبين وهو لا يخلف الميعاد، ونرى بصيص تلك البشائر كل يوم في أرضه ومنها ما يقع من الحوادث في ميدان المعركة التي تدور رحاها في بلادنا ويسمونها أحداث النيران الصديقة .
النيران الصديقة كما يوحي الاسم هو رمي بالأسلحة بين جند الجيش الواحد أو بين الجيوش المتحالفة في خضم عمليات حربية بقصد إلحاق الأذى بالعدو، والأسباب الرئيسية لها تحديد الهوية الخاطئ أو الموضع الخاطئ وتتسبب النيران الصديقة في سقوط عدد من الجرحى والقتلى غير أنه في العلوم العسكرية لا يصنف هؤلاء القتلى على أنهم قتلى معركة ولا جرحى حرب وتكون أكثرها أخطاءات في أتون المعارك وقد وقعت حوادث جمة لإطلاق نيران ما يسمونها صديقة قصدا وعمدا ومن سبق الإصرار في حرب بلادنا التي خاضها الجيش الأمريكي المتغطرس وحلفاءه النزلاء على عكس تعريف النيران الصديقة، كما يسمون هذه الحوادث بـ (هجمات من الداخل) وكذلك يسمونها هجمات (الأخضر على الأزرق).
أوردت وكالات الأنباء انه بلغ حجم «الهجمات من الداخل» التي يشنها الأبطال جنود وشرطيون أفغان ضد القوات الأطلسية، حدا غير مسبوق في تاريخ الحرب المعاصرة وكان شهر أغسطس الماضي الأسوأ في هذا المجال خلال حوالي 11 عاما من الحرب إذ أن ثلث الجنود الأطلسيين الذين سقطوا في ذلك الشهر قتلوا برصاص عناصر من القوات الأفغانية التي يقومون بتدريبها ومعظم الجنود الغربيين القتلى أميركيون لاسيما وأنهم يشكلون الغالبية الكبرى بين جنود قوة ايساف الأطلسية .
وازدادت ظاهرة «الهجمات من الداخل» هذه وانتشرت هذه السنة في جميع أرجاء البلاد حيث سجل حتى الآن ما يضاهي أكثر من 54 هجوما أسفرت عن مقتل عشرات من جنود ايساف، ويمثلون أكثر من 14% من عدد الجنود الغربيين الذين قتلوا حتى الآن، ويشير بعض المحللين والضباط إلى أن هذه الظاهرة لم تلاحظ من قبل في أي من حروب الحقبة المعاصرة، من فيتنام إلى العراق
غير أنهم يجدون صعوبة في توضيح أسبابها وخلفياتها.
لكن الأمر لدينا وللشعب الأبي جلي وواضح فمن جانب أخذ المجاهدون زمام مبادرة هذه الهجمات الفذة النادرة كما أشاد أمير المؤمنين في رسالة سابقة له بمناسبة حلول عيد الفطر، بتمكن قوات الإمارة من اختراق قوات الأمن الأفغانية العميلة لتشن هجمات على القوات الأجنبية وقال: “المجاهدون تسللوا بمهارة إلى صفوف الأعداء وفقًا للخطة التي أُعطيت لهم العام الماضي، وهم قادرون على دخول القواعد والمكاتب ومراكز مخابرات العدو بأمان وحينها ينفذون هجمات حاسمة منسقة”.
ومن جانب آخر فان كل من التحق بالقوات الأمنية في البلاد المحتلة وتحت إدارة الاحتلال هو ليس بالضرورة بائع لوطنه ومخلص للعدو المحتل، وإنما لأن العدو لم يترك له فرصة للعمل والعيش بعد تخريب الحرث والنسل في البلاد المحتلة إلا بالالتحاق بالقوى الأمنية العميلة ولهذا يتم تسجيل أعداد من المواطنين في سلك الشرطة والجيش الوطني والحرس فهو كما يسمونه التحاق المضطر، وعند الفرصة المواتية هو نفس مجاهد الأمس قاتل أعداء البلاد والعباد .
وكذلك من أهم أسباب هذه الهجمات التعالي والتمييز الذي يعامله به المحتل والامتيازات التي يحصل عليها هؤلاء المجرمين ويحرم منها الجندي صاحب الدار والديار وإن المجند يرى بأم عينيه من هؤلاء المعتدين الإبادة وقتل المدنيين والاغتصاب وحرق الجثث وتدنيس المصحف وتمزيقه وكذلك الإعدامات الميدانية والقتل العشوائي والتعامل الوحشي مع أهل بلاده وهم بني جلدته وإخوانه وجيرانه والذين تربطهم به وشائج الدين واللغة والتراث في حين لا تربطه أي صلة بالقوات الغازية المعتدية، وحين يرى الجندي الأفغاني الأعمال الإجرامية البشعة المذكورة التي يرتكبها الأعداء فيستشيط غيضا وغضبا ويقتلون المحتلين ولو كانوا مدربيهم في ساحة التدريب أو في أي مكان تتيح لهم الفرصة السانحة .
وتذكر الأنباء انه مع اشتداد هذه الهجمات أمرت ايساف جنودها بحمل أسلحتهم طوال الوقت والبقاء على استعداد لإشهارها في أي لحظة حتى داخل قواعدهم العسكرية التي يفترض أن تكون محاطة بحماية مشددة.
وقد انتشر الرعب في قلوب الأميركيين بعد ازدياد قتل الجنود الأفغان للضباط والجنود الأميركيين المنتشرين في أفغانستان وتفوقت أخبار قتل الجنود الأفغان الذين وجهوا بنادقهم إلى صدور مدربيهم من ضباط وجنود حلف الشمال الأطلسي (الناتو) على الهجمات الأخرى في أغلب أنحاء أفغانستان، وفي أغلب الأحوال يلوذ المقاتلون الأبطال من الجنود الأفغان بالفرار من وحداتهم العسكرية باتجاه قراهم أو على الأكثر يلتحقون بصفوف حركة المقاومة الإسلامية.
وكذلك هجمات (الأخضر على الأزرق) تعبير آخر من هجمات الجيش والشرطة الأفغانية على حلفائهم ومدربيهم الأمريكان، باعتبار العنصر الأفغاني هم (الأخضر)، والأزرق هم المستعمرون وقد ازدادت مؤخرا حتى قتل من المدربين الأمريكان 47 منذ بداية هذا العام.
و تبعا لذلك أعلن الجيش الأمريكي إيقاف التدريب حتى يتم فحص ملفات 27 ألف مجند جديد و350 ألف شرطي وعسكري أفغاني هم قوام القوات الأمنية، للتعرف على مخترقي الصفوف من المجاهدين.
وفي احدث هجوم من نوعه يستهدف فيه جنود أفغان “رفاقهم” الغربيين، هاجم جنديان أفغانيان مجموعة من الجنود الأمريكيين في إقليم بادغيس غربي البلاد فأردى الاثنين منهم قتيلين.
وجاء في النبأ إن الهجوم وقع باقليم بادغيس في الساعات الأولى من يوم السبت،10 نومبر 2012 كما انه أسفر عن إصابة احد المهاجمين.
وقبل ذلك بأيام أعلنت قوة “إيساف” التي يقودها حلف شمال الأطلسي أن رجلاً يرتدي زي الشرطة الأفغانية قتل بالرصاص فردين في القوة جنوب البلاد ورفضت تحديد جنسية الفردين اللذين قتلا في هذا الهجوم، وقال مسؤول في الشرطة الأفغانية في إقليم هلمند الذي يعد معقلا للمقاومة الإسلامية في جنوب البلاد: إن شرطيًّا قتل جنديين بريطانيين، ولم يتم القبض عليه كما قتل جنديان أميركيان برصاص شخص يرتدي لباس الشرطة الأفغانية في أفغانستان قبل هذا اليوم، وأوضح مسؤول عسكري أميركي أن الجنديين اللذان يعملان ضمن قوة الحلف الأطلسي في أفغانستان /إيساف/ قتلا عندما فتح رجل يرتدي زي الشرطة الأفغاني النار عليهما في ولاية اورزجان، والجدير بالذكر أن الذين يرتدون زي الجيش أو الشرطة الأفغانية قتلوا حتى الآن 59 فردًا من قوة الحلف الأطلسي “إيساف” هذا العام.
وفي رؤية المحللين تثير مشكلة هذه الهجمات المتتالية من المقاومين المسلحين في زي عسكري رسمي او من أفراد الشرطة والجيش الأفغاني تحديات كثيرة، على رأسها قضية الثقة بين الطرفين، خاصة مع الاستعداد للانسحاب من البلاد كما أن الاعتماد على القوات الأفغانية مسألة أساسية من أجل مواصلة العمل وإخراج أفغانستان من حالة «الدولة الفاشلة» غير القادرة على توفير أبسط الخدمات لشعبها.
ويقول الخبراء الغربيون إن أفغانستان ستظل تعتمد على المساعدات الاقتصادية العالمية حتى عام 2025، وإنها ستحتاج إلى 10 مليارات دولار على الأقل سنويا لدعم الشرطة والقوات المسلحة بعد مغادرة القوات الأجنبية البلاد بنهاية 2014.
وقد رأى فابريتسيو فوسكيني من شبكة محللي أفغانستان التي تتخذ مقرا لها في كابول ان حجم هذه الهجمات من الداخل «غير مسبوق في تاريخ النزاعات» ويقول «انها من الظواهر التي تثير اكبر المخاوف لدى ايساف لأنها نكسة عسكرية ميدانية تغذي كذلك النظرة السلبية إلى النزاع لدى الرأي العام» الغربي.
واعتبر فوسكيني مثل الحلف الأطلسي ان الخلافات الثقافية تبرر معظم هذه الحوادث مشيرا إلى ان الأفغان يقولون انهم كانوا يتفقون مع السوفيت الذين اجتاحوا بلادهم في الثمانينيات أكثر منهم مع جنود ايساف وخصوصا الأميركيين منهم.
وقد يكون العامل الديني أيضا يلعب دورا برأيه، في وقت ربط العديد من المراقبين تكثيف الهجمات بقضايا أثيرت أخيرا بحق جنود الحلف الأطلسي وتضمنت إحراق مصاحف وانتهاك حرمة جثث الشهداء وقتل المدنيين.
كذلك رأى نيك ميلز استاذ الصحافة في جامعة بوسطن (الولايات المتحدة) والذي خدم مصورا لحساب الجيش الأميركي في فيتنام، ان ظاهرة الهجمات من الداخل في أفغانستان “لا مثيل لها في التاريخ العسكري الحديث” وقال : “الأفغان يعرفون انه بعدما يغادر الغربيون البلاد، سيترتب عليهم ان يختاروا معسكرهم ما بين حكومة كابول وطالبان، مع العلم ان الأولى لا تحظى بالاحترام ولا بالمصداقية”.
كما اعتبر الكاتب بنيامين جينسين -في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية- أخيرا أن هجمات العسكريين الأفغانيين على عناصر حلف الناتو في أفغانستان هي بمثابة تحول خطير في المواجهة بين القوات الأجنبية العاملة في أفغانستان وحركة طالبان الإسلامية .
وختم جينسين مقاله بلمحة تاريخية عن الأفغانيين وإتقانهم تكتيكات تبديل الولاءات والقدرة على الاندماج في صفوف العدو ثم العودة إلى المعسكر الذي ينتمون إليه أصلا.
وضرب مثلا في انشقاق الجنود الأفغانيين عن الجيش البريطاني عندما دقت ساعة الحسم في الحرب الأفغانية البريطانية الثانية 1878-1880، ثم حدث ذلك ثانية إبان الاحتلال السوفيتي لأفغانستان 1979-1989، واليوم التاريخ يعيد نفسه حيث يوجه العسكر الأفغانيون فوهات بنادقهم إلى صدور عناصر قوات التحالف متى ما سنحت لهم الفرصة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، أخيرا إنه يشعر “بقلق شديد” بشأن الهجمات التي يتعرض لها جنود الحلف الأطلسي والجنود الأمريكيين على يد “حلفائهم” الأفغان وتأثير تلك الهجمات على التعاون بين الجانبين.
ونحن نقول: سيزداد هذا القلق بعد مرور الأيام إنهم جند مغرقون إن شاء الله ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى