
النّصر صبر ساعة
حافظ منصور
أيها الشعب الأفغاني الأبي أدري بأنّك منهك لأنّ المعركة طالت شيئاً ما مع أهل الباطلِ، والصليبيين وأعوانهم على ثرى الأفغان، ولكن اعلم بأنّ النّصر والتمكين حليف المؤمنين الصادقين، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق؛ كما قال الله تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]، وكما قال الله تعالى: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].
فيا شعبنا الأبي! تأمَّل كم مكَث فرعون يقتل في بني إسرائيل قبل مجيء موسى – عليه السلام – ثم كانت العاقبة للمستضعفين بعد صراع طويل ومرير مع أهل الباطل!
وتأمَّل كم عانى يوسف – عليه السلام – في حياته ثم كانت العاقبة له، وعلَّل يوسف – عليه السلام – نصره بشرطين، ذَكَرهما الله تعالى في قوله: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]، فهذان الشرطان هما مُرتكز أسلحة المؤمنين: الصبر والتقوى، كما قرَّر البارئ – سبحانه – في التغلب على كيد الأعداء أيضًا بهذين الشرطين: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].
يقول الشيخ رشيد رضا في تفسيره في معرض حديثه عن الصبر: “أما الصبر فقد ذكر في القرآن سبعين مرة ولم تذكر فضيلة أخرى فيه بهذا المقدار، وهذا يدل على عظم أمره، وقد جعل التواصي به في سورة العصر مقرونًا بالتواصي بالحق؛ إذ لا بد للداعي إلى الحق منه..” (تفسير المنار لمحمد رشيد رضا:2/28).
إنّ ضخامة العبء، وثقل التبعات، الملقاة على عاتق العاملين في الحقل الإسلامي يؤكدان أن الطريق طويل والعمل شاق والجهاد مرير، وأن السائرين على هذا الدرب يجب أن يهيئوا أنفسهم لمواجهة كل عنت ومشقة ولكل بذل وتضحية {ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
يقول أحد الدعاة: (إنّ على المنتمين للحركة الإسلامية أن يعتمدوا سياسة (النفس الطويل) فتكون الدعوة إلى الله على بصيرة بقصد مرضاته، فلا يعتسفوا الطريق، ولا يستعجلوا الثمرة قبل نضوجها. وهذا لن يتم إلا إذا فهموا أن الحكم الإسلامي وسيلة لغاية أسمى.. فإن تحقق على أيديهم حمدوا الله وإن لم يتحقق فلا يأس ولا قنوط ولا تراجع ولا خوف. وبهذا يكونون قد أدوا الأمانة وقاموا بواجب الدعوة {وما النصر إلا من عند الله} {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}.
وقد يقول قائل: ولكن ما بال الأحزاب التافهة العميلة تصل إلى الحكم وتقفز إلى السلطة هنا وهناك في مدة أقصر وبطريقة أيسر؟ والجواب على ذلك أن الطريقين مختلفان وأن الحركة الإسلامية لن تصل إلا بطريق متميز نظيف، ولو رضيت أن تكون مطية لهذه القوة أو تلك، ولهذا الاستعمار أو ذاك لوصلت كما وصل الكثير؟ {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم}. {ماذا يعني انتمائي للإسلام ص : 118-119}.
إن المسلم في الدنيا معرَّض للمصائب؛ لقوله عز وجل: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”، وقال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، فالصبر هو الباب الوحيد الذي يؤمر بطرقه هؤلاء المصابون، وهو الفِناء الجميل الذي يفتح لهم صدره، ويَنصِب لهم ظله.
قال عمر لأشياخ من بني عبس: بم قاتلتم الناس؟ قالوا: بالصبر، لم نلق قوماً إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا، وقال بعض السلف: كلنا يكره الموت وألم الجراح، ولكن نتفاضل بالصبر.
فاصبر شعبنا المكلوم! فهذه ضرباتك ترنح الأمريكان وتزلزلهم، فيقدّمون رجلاً للفرار ويؤخرون أخرى، ولكن مهما مكثوا فجراحهم تكون أنكى وأضرّ، ولا مناص لهم في نهاية المطاف إلا أن يرحلوا عن بلادك ويتركوا وطنك، وحينئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله والله ينصر من يشاء والله عزيز حكيم.