
الهجوم الصاعق على قاعدة هلمند نقطة تحول في مسار الحرب
لاشك أن العملية الهجومية النوعية التي شنها مجاهدو طالبان، من رجال القوات الاستشهادية الخاصة، ضد القاعدة الجوية البريطانية “باستيون” في صحراء هلمند، كانت أحد المعالم الواضحة على أن تلك الحرب، التي استمرت 11 عاماً، قد وصلت الآن إلى مرحلتها النهائية.
لأول مرة تحظى إحدى العمليات النوعية من ذلك النوع اهتماما إعلاميا في الغرب.
حيث تكلمت عنها بشيء من التفصيل بعض الصحف البريطانية.
ولكن ذلك كان كثيراً بالنسبة لما تعود عليه الإعلام الغربي من تجاهل كامل لأفغانستان وما يحدث فيها، مكتفياً بما تصرح به قوات الاحتلال من بيانات تخدم كلها أهداف الحرب النفسية القائمة على الأكاذيب وترويج الإشاعات.
لذا تعيش شعوب الغرب، خاصة تلك التي تشارك جيوشها في احتلال أفغانستان جهلا مركباً بالحقائق.
الإعلام الدولي كان غائباً طوال الإحدى عشر عاما الماضية.
فما يتجاهله الإعلام الأمريكي (كتلة الإعلام القائدة في العالم) يتجاهله إعلام دول التبعية فاقدة القيمة.
اهتمت الصحف البريطانية بالعملية الكبرى في هلمند ليس بحثاً عن الحقيقة، بل بحثا عن الفضيحة التي تسير في ركاب الأمير هارى أينما سار.
فقد وصل الأمير هارى إلى أفغانستان على ما يبدو أنه عقاب من جدته الملكة على سلوكه المشين في مدينه لاس فيجاس الأمريكية.
فالأمير عند حضوره حفلا هناك تجرد تماما من ملابسه.
صحيفة “صن” البريطانية المملوكة لغول الصحافة، اليهودي (روبرت ميردوخ)، نشرت الصورة بعد أن نشرتها العديد من مواقع في شبكه الانترنت.
ميردوخ الرهيب ادعى أن ذلك جزء من حرية الصحافة.
في عام مضى وباسم تلك الحرية مارس ميردوخ التجسس على شخصيات كثيرة في بريطانيا في فضيحة هزت البلاد وقتها.
والآن جاء دور الأمير هارى نجل ولي عهد انجلترا “الأمير تشارلز” من زوجته الراحلة الأميرة ديانا التي كانت مغامراتها العاطفية حديث العالم في أحد فترات التاريخ القريبة حتى قضت نحبها في واحدة منها.
وصل هارى إلى أفغانستان تحت أضواء الإعلام المنبهر بفضائح الأمير سليل الفضائح، فتوعدت حركة طالبان بقتله أو اختطافه. فالأمير الذي تعرى في أمريكا جاء، على ما يبدو، كي يصبغ جسده بدماء الأفغان حتى يتطهر ويصبح بطلا في أعين الرأي العام الصليبي في أمريكا والغرب.
وما لبث أن أدركته فضيحة الفيلم المسيء الذي تم تجهيزه في الولايات المتحدة داخل أوكار الحقد على الإسلام والمسلمين، وهى كثيرة من حيث العدد ولكنها واحدة من حيث المنشأ والتخطيط والتمويل، في الدوائر الصهيونية التي تجهز وتدير الحروب بأنواعها ضد المسلمين والإنسانية جمعاء.
حركة طالبان توعدت بالانتقام من القوات الأمريكية والغربية بسبب ذلك الفيلم.
وفى الواقع فإن الحركة لم تتوقف عن عقابهم لحظة منذ أن أعلنت عليهم الجهاد بعد احتلالهم أفغانستان.
تجمع التهديدان في وقت واحد، ضد الأمير العاري البذيء وضد الفيلم المسيء.
وكما ذكرنا فإن انتقام طالبان من الاحتلال مستمر ولن يتوقف إلا بتحرير البلاد.
لذا فالعمليات حاضرة وقيد التنفيذ كل واحدة منها في اللحظة التي تريدها القيادة.
لذا وجد هارى عملية صاعقة تنتظره في هلمند، وكان الموعد يوم الجمعة الرابع عشر من سبتمبر الماضي.
لم تكد عدسات التصوير تنصرف عن الأمير العارى هارى حتى عادت بسرعة لتبحث عنه بين حطام طائرات الهارير البريطانية.
لم يكن الأمير بين القتلى، ومن المتوقع أنه كان في المكان الأكثر أمنا في القاعدة بحيث لا يفكر أحد في مهاجمته.
كشف بريطاني للكذب الأمريكي
هرولت أضواء الإعلام البريطاني إلى أفغانستان بشكل متعجل ومتلهف على أخبار مثيرة عن الأمير الذي توقعوا وربما تمنوا / من أجل إثارة أكثر / أن يكون قد قتل.
هرولة غير متأنية كشفت أكاذيب البيانات العسكرية الأمريكية التي تختزل الواقع وتحرف مساره وتقلل الخسائر وترسم صورة مختلفة بالكامل عن الوضع في أفغانستان.
فأول بيان أمريكي عن المعركة في القاعدة الجوية والذي تناقلته وكالات الأنباء في اليوم التالي لوقوعها كان كما يلي: (قال مسئولون أمريكيون أن اثنين من مشاه البحرية الأمريكية قتلا في الهجوم، بينما أصيب عدد آخر من الجنود وتعرض معسكر “كامب باستيون” في هلمند بجنوب البلاد للهجوم بقذائف المورتر وقذائف صاروخية ونيران لأسلحة صغيرة في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة).
لا ذكر في التصريح الأمريكي لعملية الاقتحام ولا أن المهاجمين اختلطوا بالطائرات فلغموا بعضها وضربوا البعض الآخر بقذائف “آربى جى”.
فماذا قالت الصحافة البريطانية عن الحادث في إطار تركيزها على الأمير الفضائحي وليس شعب أفغانستان وجهاده الأسطوري ضد أعتى عدوان استعماري في التاريخ الحديث.
الصحفية “كريستينا لامب” الخبيرة بالمنطقة خلال مقال لها في صحيفة “صنداى تايمز” البريطانية، وصفت قاعدة باستيون بأنها (تعتبر من أقوى معسكرات الأرض منعة).
و كيف أن عناصر من طالبان يرتدون ملابس القوات الأمريكية اقتحموا السور الخارجي بعد أن أحدثوا به فتحة بالمتفجرات تسلل منها 15 عنصرا منهم، ثم انقسموا إلى ثلاث مجموعات مسلحة بكثافة وتفرقوا إلى ثلاث اتجاهات محدثين دمارا هائلاً بالقاعدة في معركة استمرت أربع ساعات حسب الرواية البريطانية (وثمان ساعات حسب رواية طالبان، من العاشرة ليلا وحتى السادسة صباحاً ).
أفراد المجموعة الأولى حسب الصحفية البريطانية أطلقوا النيران على مجموعة طياري البحرية وميكانيكيين طائرات.
فقتلوا المقدم “كرستوفر رايبل” وعمره 40 عاما كما قتلوا الميكانيكي طيران الرقيب رادلى -27 عاما- وجرحوا تسعة آخرين من مشاة البحرية.
وحسب نفس الصحيفة فإن المجموعة الثانية من المهاجمين دمروا ثلاث محطات تموين بالوقود أما أفراد المجموعة الثالثة فقد توجهوا صوب طائرات هارير البريطانية التي وصلت في شهر يوليو الماضي أي قبل شهرين فقط من الهجوم.
ومع ذلك تقول الصحيفة أن “طالبان يكرهون تلك الطائرة نتيجة فاعليتها القاتلة”.
ولا بأس أن يتضمن أي مقال لصحيفة في دولة استعمارية شيء من الدعاية لتجاره السلاح في الدولة المعنية، ولكن شهران ليسا بالفترة الكافية حتى تصبح تلك الطائرات المنكوبة ذات سمعة مخيفة فشلت في تحقيقها كل الطائرات الشهيرة التي تذخر بها القاعدة المكدسة بكل أدوات الموت والجنود المرعوبين كالحيوانات المذعورة.
وظاهرة التكديس تشير إليها الصحيفة بشكل واضح في أكثر من موضع.
طائرة الهارير تكلف 30 مليون دولار، ولكن بما أنها قابلة للتدمير على الأرض فإن فرص تسويقها أصبحت ضئيلة بعد ذلك الهجوم، إلا إذا في أجواء تسعير الحروب في مناطق الثروة النفطية.
وبما أن المجموعات المهاجمة كانت على اتصال بقيادتها خارج القاعدة بواسطة هواتف محمولة أو أجهزة لاسلكي معينة، فإن قيادة طالبان تسلمت بشكل متصل تقارير من تلك المجموعات.
وكانت إجمالي حصيلة العملية كالتالي:
– مصرع 47 جنديا من بينهم ضابطان وإصابة 47 جندياً
آخرين.
– تدمير أحد عشر طائرة نفاثة بشكل كامل وطائرات مروحية وطائرات من أنواع أخرى.
– احتراق خزانات الوقود والخيام وكثير من المعدات العسكرية.
ونشير هنا أن الناطق الرسمي لحلف الناتو عاد وصحح التصريحات الأمريكية الأولية، فكانت قائمة الخسائر التي ذكرها هذه المرة :
– احتراق 8 طائرات هارير بريطانية بشكل كامل.
– احتراق خزانات وقود.
– تدمير 6 طائرات.
– تدمير وسائط عسكرية مختلفة.
متحدث آخر لحلف الناتو في دوامة الصدمة قال (تعودنا على تدمير الطائرات في جبهة القتال، ولم نتصور قط أن نتكبد خسارة فادحة كهذه في قلب قاعدتنا ).
ولأن الصحافة البريطانية اهتمت فإن بعض الحقائق أخذت تتكشف عن واحدة من أهم العمليات العسكرية المؤثرة.
مع العلم أن العديد من العمليات التي سبقتها حققت نتائج لا تقل عما حققته عملية شورأب (قاعدة باستيون الجوية) في صحراء هلمند المتربة.
ومن ناحية التعود على تحطم الطائرات على الأرض فإن العدو الأمريكي والأطلنطي تعود على ذلك منذ زمن ولكنه كان يوارى سوءته إما الأكاذيب أو بالصمت الرهيب.
أن ضرب مطارات المعتدين أصبحت سياسة متبعة للمجاهدين في أفغانستان لأن تلك المطارات المستهدفة تشارك في إطلاق الغارات لقتل المدنيين المسالمين داخل أفغانستان كما في مناطق القبائل الباكستانية، أي منطقة وزيرستان تحديدأُ.
قالت الصحفية البريطانية أن مصدراً رئيسياً في البنتاجون أخبر “صندى تايمز” إن هدف طالبان من العملية كان الطائرات وليس الأمير هارى. وأضاف بأن البنتاجون يتحقق من أوجه التشابه مع هجمات على قاعدتين جويتين في باكستان، واحدة وقعت في الشهر الماضي في “كامرا” قرب إسلام آباد، والأخرى في القاعدة البحرية “كامران” في كراتشي في مايو من العام الماضي، وخلالها قاتل الجنود الباكستانيين لمدة 15 ساعة ضد المهاجمين الذين تمكنوا من تدمير طائرتي استطلاع ومراقبة أمريكيتين، وطائرة أخرى مضادة للغواصات ثمنها 36 مليون دولار.
وقال المسئول الأمريكي ( إنهم في كل حالة يعرفون تماماً إلى أين يذهبون) وأضاف ( إنه في كل الحالات الثلاث كان من الواضح أن المهاجمين كان لديهم معلومات من الداخل وحامت الشكوك حول الفارين من الجيش الأفغاني).
وهناك اعتقاد أمريكي بأن الجيش الأفغاني ملئ بالعناصر الموالية لحركة لطالبان، ليسوا فقط هؤلاء الفارين من الخدمة العسكرية، بل الأخطر هم العاملين في صفوف الجيش من مستوى الجنود وحتى أعلى الرتب العسكرية.
القوات الخاصة لحركة طالبان
تقول “صنداى تايمز” أن الرسميين الأمريكيين خائفون من أن يكون طالبان أنشئوا لهم قوات خاصة لاختراق المنشآت شديدة الحماية، ويشكون أن العقل المدبر هو شبكة حقانى “الخطيرين المتركزين في باكستان” حسب تعبيراتهم.
في الواقع أن تلك القوات الخاصة قد تشكلت منذ وقت طويل وشنت عملياتها في مختلف أنحاء البلاد، مثل جلال آباد وخوست وبجرام وكابول وقندهار وهلمند وقندوز وتخار… وغيرها.
أوردت تقارير بمجلة الصمود بعض مواصفات تلك القوة وأنها قوة مركزية مكونة من شباب استشهاديين عالي التدريب ينتمون إلى مختلف محافظات أفغانستان.
كما أن توجيهات الإمارة الإسلامية قد تضمنت دستور العمل الاستشهادي الذي هو أقوى صور أداء تلك المجموعة، وأنه يجب أن يكون ضد أهم أهداف العدو مع تجنب إصابة المدنين.
وقد شهدت خوست اثنان على الأقل من أهم عمليات تلك المجموعات، آخرها كان ضد القاعدة الجوية الأمريكية في (صحرا باغ) شمال شرق المدينة والتي أسفرت عن خسائر فادحه للغاية في أرواح الأمريكيين (أكثر من 70 قتيلا في التفجير الأول فقط) ــ حسب تصريح مولوى سراج الدين حقاني لمجلة الصمود في العدد 77 ــ إضافة إلى خسائر في الطائرات والمعدات خلال قتال ليلى طويل تم على مرحلتين. أما الحديث الأمريكي عن شبكة حقاني التي وضعتها الإدارة الأمريكية مؤخراً على قائمة المنظمات الإرهابية / حسب التوصيف الأمريكي / فتلك حملة نفسية تحتوى الكثير من الأكاذيب ومحاولات شق الصف وتشويه سمعة المجاهدين.
وقد أخفقت تلك الحملة تماما ولم يتحقق من أهدافها شيء نظراً لما يتمتع به المجاهدون من وعى وخبرة بأساليب العدو في حروب النفسية أو الميدانية.
قطعة نموذجية من الفن العسكري
هكذا شهد كبار ضباط العدو لأداء أفراد المجموعة الاستشهادية في عمليتهم ضد القاعدة الجوية البريطانية “باستيون” في منطقة شورآب في هلمند.
تقول صحيفة (صنداى تايمز) : في العلن كان الرسميون يحاولون التقليل من قيمة الهجوم على قاعدة الناتو الرئيسية، وفى الجلسات الخاصة يقولون بأنهم اندهشوا لبسالة هجوم 14 سبتمبر قائلين:
“كانت تشبه قطعة نموذجية من هجمات القوات الخاصة” حسب قول ضابط كبير.
كيف دخلوا القاعدة؟؟
ولكن كيف تمكن فريق الكوماندوز الاستشهادي من اقتحام قاعدة “باستيون” أكبر قاعدة لحلف الناتو والأشد تحصينا ومناعة في العالم؟؟.
لقد التزمت حركة طالبان الصمت حتى وقت كتابة هذا الموضوع.
أما صحيفة “صنداى تايمز” فقد أوردت بعض تعليقات العسكريين التي امتزجت فيها الحيرة بالانبهار.
تقول الصحيفة (رغم مرور تسعه أيام من العملية فما زال من غير الواضح كيف أن الطالبان عبروا نقاط التفتيش للوصول إلى السور الخارجي). وتقول أيضاً: (ضباط كبار بريطانيين وأمريكيين من الذين ذهبوا لمعاينة المكان هزوا رؤوسهم غير مصدقين).
ونسبت إلى العميد “روجرنوبل” نائب رئيس أركان فوات (إيساف) قوله بأن (العملية تم التخطيط لها جيداً. ومثل أي هجوم جيد تم اختيار طريق للاقتراب والبحث عن نقطة الضعف أو القابلية للإصابة والاستفادة من كل تلك الأشياء”.
أما المقدم “مارتين مورس” نائب الناطق الرسمي لقاعدة ياستيون فقد عبر عن حقيقة أنهم / أي المهاجمين قد دخلوا بشكل محير. وأضاف قائلا: “أنا لا أعرف كيف تصرفوا، أنا بنفسي أريد أن أعرف لأن هناك نظام من أنساق دفاعية للرقابة والعرقلة إلى غير ذلك”.
الصحيفة البريطانية أوردت الكثير من الأسئلة الحائرة والتحليلات المندهشة لكبار قادة حلف الناتو وأمريكا.
وتصف الصحيفة أن المكان يتمتع بعزلة تامة ناتجة من حاجز كبير عبارة عن صحراء واسعة مكسوة بتراب ناعم مثل “بودرة التلك” الذي يتسرب في كل مكان متسببا للعيون بالتهابات لا تنتهي ومسببا في تلف المعدات.
وقد اكتشف القادة البريطانيون أن العزلة تقدم لهذه القاعدة خير وسيلة دفاع فالتراب يتصاعد من أي حركة فوق الصحراء المنبسطة، بما يعنى أن المهاجمين سوف يكتشفون من مسافة بعيدة كما أن الطائرات بدون طيار والرادارات وكاميرات المراقبة التلفزيونية تشكل عيونا راصدة. فكيف إذا وصل الإستشهاديون إلى سور المعسكر وفجروا فيه عبوة ناسفه فتحت لهم ثغرة دخلوا منها إلى المعسكر ؟؟، كل ذلك حسب الرواية البريطانية، كيف قطع المجاهدون الصحراء الشاسعة المغطاة برمال في نعومة بودرة التلك؟؟. وكيف اختفوا عن رصد أعقد أجهزة الاستشعار والتصوير وطائرات التجسس بدون طيار وأبراج الحراسة المنتشرة على محيط السور، والدوريات على الطريق الدائري خارج القاعدة؟؟.
يقول خبراء حلف الناتو أنهم لم يتواصلوا إلى إجابة.
وقيادة حركة طالبان تلتزم الصمت وتحتفظ بالسر لنفسها لحاجة في نفس يعقوب.
التكدس: حماقة سياسية وغرور عسكري وانهيار نفسي
الكارثة التي حلت بقاعدة باستيون الجوية في هلمند أبرزت واحدة من نقاط الضعف الكبيرة والكثيرة في بنيان الحملة العسكرية الصليبية على أفغانستان.
في مغامراتها العدوانية تجمع أمريكا خلفها حلفا عسكريا وسياسيا من عشرات الدول التي تساهم في الحملة إما بشكل قتالي مباشر، أو بدعم سياسي أو مالي للحملة والنتائج المترتبة عليها، مثل دعم النظام “الديموقراطى” الجديد التي تصنعه أمريكا في البلد المنكوب. كما حدث في أفغانستان والعراق والبوسنة.
وتلك معالجة نفسية لطمأنة الجندي الأمريكي والأوروبي بأن هناك جنوداً آخرين من عناصر أردأ وأقل قيمة بشرية جاءوا لحمايته وتحمل المخاطر نيابة عنه (للأسف أن من بين هؤلاء جنودا عربا وأتراك)، وأنه سيكون دوماً في المؤخرة المنتصرة أثناء العمليات التي لن تكلفه سوى عناء التقاط الصور التذكارية / أثناء التبول على أجساد الضحايا / أو تقطيع بعض التذكارات من أجسادهم وإرسالها كهدايا للأصدقاء في أرض الوطن.
ذلك هو الانهيار النفسي التي يعانى منه الجندي الأمريكي والأوروبي.
أما الحماقة السياسية فتلك التي ارتكبها الرئيس التعيس أوباما الذي افتتح ولايته الأولى بإرسال 30.000 جندي إضافي من قوات بلاده حتى يظهر القوة والتصميم على كسب الحرب، بينما كانت دلائل العامين الآخرين من القتال في أفغانستان تشير إلى حتمية الهزيمة الأمريكية وأنها ستكون زلزال القرن الواحد والعشرين الذي سيشهد في بداياته انحسار أمريكا وغيابها من صدارة المشهد الدولي.
حماقة الرئيس أتاحت لجنرالات الغرور في الجيش الأمريكي أن يتباهوا بقدراتهم في حرب تعنى لهم الحصول على أمجاد زائفة ومكاسب مالية لا حصر لها من خلال مشاركة غير مشروعة في تجارة الأسلحة والمخدرات والعمل بعد التقاعد مع الشركات الدولية للمرتزقة.
نشأت مشكلة تنبأت بها تحليلات عسكرية في مجلة الصمود من أن الزيادة الجديدة في القوات الأمريكية وقوات بعض حلفائها في الناتو هي زيادة حمقاء سوف تؤدى إلى تكدس القوات التي كانت زائدة بالفعل عن الحد المطلوب لعمليات كفؤة.
ومعنى ذلك خسائر أكبر في الأرواح وإنجازات أقل على الأرض مع فرص أكبر للمجاهدين كي يوقعوا بالعدو هزائم تدعم الشعب الأفغاني معنوياً، وتدعم قوات المجاهدين بالغنائم والهيبة المعنوية والسياسية، وقد كان.
فهذا ما حدث بالضبط منذ بداية 2009 حيث صدر ذلك القرار الأحمق وصولا إلى يومنا هذا الذي يتدافع فيه الحلفاء نحو منافذ الخروج الاضطراري هربا من نيران ميادين الحرب في أفغانستان.
صورا نموذجية لسياسة التكدس تكررت في قواعد العدو في هلمند، خاصة في قاعدة الناتو الكبرى والرئيسية (باستيون). تقول “صندى تايمز” أن بعض الانتقادات توجهت صوب وضع طائرات هارير قرب حافة القاعدة العسكرية. غير أن ضباطا بريطانيين قالوا بأن: ” قاعدة باستيون الآن مكدسة بحيث لم يكن هناك مكان آخر لوضع سرب الطائرات إلا على جانب المدرج على حافة القاعدة”.
وتلاحظ صنداى تايمز أن قاعدة باستيون ” تمددت بشكل ضخم عندما تضاعف عدد القوات البريطانية وتبع ذلك وصول القوات الأمريكية عام 2009 كجزء من الزيادة السريعة في القوات التي أقرها الرئيس أوباما. وبعد أن كان المعسكر مأوى في ذات يوم لعدة مئات، أصبح الآن يأوى 30.000 جندي ومدني، وله مطاره الخاص ومحطة للإطفاء مع وحدة تعبئة مياه ومحل بيتزا ومئات اللوريات والباصات التي تحضر البضائع والعمال المحليين إلى القاعدة في كل يوم، مع وحدة لخلط الأسمنت وموقف لوريات وفندق للعمال المحليين تم بناؤه على بعد عدة مئات من الأقدام من السور الشرقي للمعسكر من حيث جاء الهجوم الأخير، وأن فريق الاستشهاديين من طالبان استفاد من ذلك في الوصول إلى الحائط الخارجي دون أن يتم اكتشافهم.
تضيف الصحيفة أن قاعدة باستيون تحتوى أيضا على مستشفى وضعت فيه مجندة بريطانية مولودها في الأسبوع السابق على الهجوم الاستشهادي.
وهكذا تتكاثر القوات البريطانية مستفيدة من التكدس والخمول العسكري الذي تعيشه منذ سنوات بعد انسحابها من منطقة سنجين في هلمند التي ذاقت فيها الأمرين.
على الأقل.. لقد اكتشفوا أن للبطالة العسكرية فوائدها.