مقالات العدد الأخير

الوطن الحبيب؛ أفغانستان (2): نيمروز، ولاية تاريخية وبوابة الاقتصاد والتجارة

محمد صادق الرافعي

 

قلّ من المواطنين من لم يمرّ من ولاية نيمروز أو لم يضعْ رحله فيها أولم يسمع باسمها على أقلّ تقدير، لِما أنّ لها موقعًا جغرافيًا مُهماً، حيث وقعت حائلة بين أفغانستان وإيران، ويعرفها المواطنون لكونها شكلت بوابة للهجرة إلى إيران ومنها إلى أوروبا وأنحاء العالم، وتوافد إليها الناس من أنحاء البلاد؛ فهي معروفة بينهم كما هي معروفة بطبيعتها الرملية، ورياحها الدائمة وبيئتها القاحلة، وطقسها الحارّ في الربيع والصيف، وأراضيها السهلة القابلة للزرع والتشجير عند توفّر المياه وإعداد الظروف المناسبة لها.

ولموقعها الجغرافي الخاص؛ أصبحت أفغانستاناً صغيرة يسكنها خليط من المواطنين من عرقيات مختلفة معظمهم هاجروا إليها إثر الحروب المتتالية والظروف الاقتصادية القاسية، واستوطنوها وبقوا فيها.

حينما دخلتُ زرنج -مركز الولاية- رأيتها أحسن من قبل، لقد أصبحت جميلة مذهلة، وحين دخلتها كان وقت العشاء وأضحت الشوارع مزيّنة بالمصابيح، ومزدانة بالرايات البيض تتلألأ في ظلام الليل البهيم، وأصبحت الجدر مرصّعة بالعبارات الإسلامية، ما يشير إلى أن البلاد انقلبت وتحوّلت، وتمت إضاءة المدينة بالعديد من الأضواء الملوّنة المنتظمة، ما يعني أنّ المسؤولين عملوا هذه المدة لتطويرها حتى أصبحت وكأنها مدينة أخرى، وكان الناس يقولون إنّ كافة التحولات حدثت في السنوات الثلاثة الأخيرة، ويثنون على الوالي الذي تولى الأمور من جديد.

وممّا يزعجنا ويزعج المارّين أنّ الممرّ الحدودي وجسر الحرير الشهير كان ضيقًا جدًّا، وكثرة الشاحنات زادت الأمر سوءًا، وتسبب بمشاكل عديدة للشاحنات نفسها وللمارين والسيارات والدراجات النارية، ويظهر كأنّه لا مراقبة للقوانين ولا رعاية للأمور، وكأنّ الأمور تدور دون انتظام.

والحقيقة أنّ ولاية نيمروز كما لعبت دورًا كبيرًا في الحرب ضد السوفييت وفي مقاومة الشعب الأفغاني ضد الروس والحكومة العميلة لهم، وكما لعبت دورًا مرموقًا في الحرب ضد الأمريكان وتشرفت بأنها كانت في طليعة الفتح حيث كانت أولى ولاية فتحت بأيدي المجاهدين؛ فبإمكانها أيضاً أن تلعب دورًا أساسيًا في الاقتصاد وفي الحرب ضد المقاطعة الظالمة وضد الحصار الخانق الذي تعانيه البلاد حاليًا، إذ أنها أقرب معبر حدودي يصل بأفغانستان إلى المياه الدافئة من طريق اتصالها بتشابهار جنوب بلوشستان.

ولا يُنكر أنّ لولاية نيمروز، وتحديدًا مدينة زرنج، الواقعة على حافة الحدود الأفغانية الإيرانية؛ أهمية بالغة لأفغانستان وللدول الأخرى في الاقتصاد والتجارة، وأنها طريق قريب سهل الوصول إلى المياه الدافئة التي تحتاج إليها دول آسيا الوسطى غير الساحلية والصين والدول الأخرى في أقصى آسيا. وهي تحتاج إلى أساسيات أخرى وإلى تعاون إقليمي شامل بين هذه الدول.

ومن وجهة نظر تاريخية، فإن ولاية نيمروز تتمتع بمعالم تاريخية وأعمال تراثية، وصيانتها وإعادة بنائها وإصلاحها يجذب السيّاح إليها، ويمكن أن تؤدي إلى توفير فرص العمل للعاطلين والازدهار الاقتصادي في الولاية، وهو الأمر الذي تستفيد منه الجارة. وقد استغلت إهمالنا لهذا الأمر، وسرقت الأسماء التاريخية لهذه المنطقة. وربما يعتقد اليوم الكثير من الناس في العالم أن كل هذه المعالم تنتمي إلى ذلك البلد وتقع فيه، على سبيل المثال فإن “نيمروز” الحقيقية تقع في أفغانستان، كما تقع “غرغري” الحقيقية و”زابل” الحقيقية فيها، بينما هذه الأسماء منذ مدة سُرقت ووُضعت أسماءً لبعض المناطق في البلد المجاور.

وتقع في ولاية نيمروز أعمال تاريخية ومآثر ذات قدم مما لا يقل عددها عن أربعين أثراً، ومعظمها دمرت بسبب الحروب المتتالية أو أصبحت على مشارف الدمار، وقد كانت معمورة مسكونة في القرون الخالية، وهي تمتلك حضارة قيمة ترجع إلى ما قبل الميلاد، حيث كانت جزءًا من سجستان المعروفة، ويقع فيها طريق الحرير الشهير الذي كان يلعب دورًا كبيرًا في التجارة بين الدول القديمة، ولا يزال يلعب دوره الكبير، وإن اهتمت الدول به اهتمامًا بالغًا فسيغير وجوه هذه الدول في الاقتصاد والتجارة والصناعة، ولكن نظرًا للمشكلات الأمنية في البلاد سابقًا وتنافس بعض الدول المجاورة والمنطقة صار نسيًا منسيًا.

 

ومن أهم وأشهر آثار ولاية نيمروز:

قلعة فتح، قلعة تشيجيني، قلعة برج الأربعين، أربعون فتاة، قلعة أميران صاحب، قلعة ترخون، قلعة ناد علي، مدينة غُلغلة، مدينة الصفا، قلعة إبراهيم خيل، قلعة صيادك، قلعة سفيدك، قلعة محمد وإمام زاده مولانا من أهم الأعمال الأثرية. ويرجع تاريخ بعض هذه القلاع إلى ما قبل الإسلام.

والاهتمام بالآثار القديمة -لدى الدول المعاصرة- أمرٌ مهمٌ، ويؤخذ مأخذ الجد، وله اعتباراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكثير من الدول خلقت -من خلاله- فرص عمل للعاطلين ومصدرًا للدخل المالي. كما أنّ هذه الآثار تبرز حضارة البلاد وتاريخها، وهذا الأمر أصبح أكثر أهمية لدى دول العالم، فإن أهملناه خسرنا منافعه المالية التي تحتاج إليها البلاد في الوقت الحالي أكثر من ذي قبل.

 

كما تتمتع ولاية نيمروز بمساحات واسعة من الآراضي المسطحة القابلة للزراعة، وعند توفر المياه التي هي الشريان الحيوي لأفغانستان عامة ولنيمرزو خاصة، يمكن أن تُعدّ قطبًا في الزراعة وتلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد البلاد، لاسيما فيما يتعلق بالضروريات كالقمح والخضروات وغيرها. ويمكن تحقيق هذا الأمر بالاستفادة من المياه العابرة بحفر قنوات خرسانية كبيرة أو عن طريق قنوات حديدية، والتي ستمنع أن تذهب المياه هدرًا عن طريق التبخر أو التسرب في الرمال، وبالتالي نحسن الاستفادة من النعم التي وهبها الله لأرضنا، في مجال تقدم وازدهار البلاد، وهو أمر ربما يبدو محالًا ولكنه -بإذن الله- بالتعاضد والمصابرة سيكون سهل المنال.

وعليه فإن مما أسعدنا هو الخبر الذي يتعلق بسد “كمال خان” الذي دخل في مجال إنتاج الكهرباء، والذي انتظرنا بناءه كثيراً ليوفر أحد الضرورات في البلاد وهي الكهرباء والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاجها. وكذلك نتمنى أن تتحقق تغطية الآراضي المزروعة بمياه هذا السد على نطاق واسع كما وعد المسؤولون.

وإلى جانب ما سبق، فإنّ نيمروز تهب عليها الرياح وتسطع عليها أشعة الشمس في غالب أيام السنة، وهذان الأمران يساعدان البلاد في إنتاج الكهرباء عن طريق تركيب توربينات الرياح واستخدام خلايا خاصة لإنتاج الكهرباء. وستتمكّن نيمروز من إنتاج الكهرباء بثلاثة طرق إن تم الاهتمام والاعتناء بهذا الأمر، وربما ستكون خطوة نحو الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.

الأمر الواضح للجميع أن الحكومة السابقة -رغم توفر الأسباب لديها- لم تعمل لولاية نيمروز عملا حقيقياً يناسب موقعها الجغرافي وأهميتها الجيوسياسية، وكان لديها زمن كافٍ لذلك، ولكن بسبب الفساد الشامل الذي كانت غارقة فيه لم تتمكن من التركيز على هذا الجانب، أو لم يكن لدى مسؤوليها عزم صادق لبناء الوطن.

الإمارة الإسلامية -بوصفها حكومة مستقلة- اعتنت بولاية نيمروز على قدر الإمكان، ولكنها تحتاج إلى المزيد. ونيمروز منطقة رملية قاحلة تحتاج إلى عناية أكثر، فالناس بعد تولي الإمارة الإسلامية الحكم وانهيار حكومة الفساد وإنهاء الاحتلال؛ يتطلّعون إلى أفق مشرق ومستقبل زاهر لبلادهم ولأبنائهم، فهم يعلمون جيدًا أن الحكومة الجديدة يرأسها أبناؤها الحقيقيون. وهم جديرون ببناء أفغانستان جديدة حرة متقدمة، يدفنون معها الآلام والمشاكل العديدة التي عانوها في الماضي، ويرسمون لأبنائهم بها مستقبلا مشرقًا لايحتاجون فيه إلى لقمة عيش ولا يُضطهدون ولا يضطرون لترك الوطن، والذي لم يتحقق لهم في حياتهم فقضوا حياتهم في الفقر والعوز والهجرة.

جميع الشعب الأفغاني، كبيرهم وصغيرهم، علقوا آمالًا كبيرة على الإمارة الإسلامية في حكمها الجديد، حيث بلغت مبلغ التطور والنضج، آملين تحقق هذه الآمال من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة، وأن يلعب أبناءهم دورا بناءً في تحقيقها وتطبيقها على صعيد الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى