
الوفد الأمريكي في كابول!
أفرجت إمارة أفغانستان الإسلامية، يوم الخميس 20 مارس، عن الأمريكي المحتجز لديها؛ “جورج غليزمان”، وأوضحت بأن الإفراج عن “غليزمان” جاء كرسالة على حسن النية، وأنها تعتقد بأن التفاوض والدبلوماسية يمكن أن توفر حلولاً للعديد من القضايا القائمة، وأن الإمارة مستعدة للتعامل مع جميع الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وكانت الإمارة الإسلامية قد احتجزت “غليزمان” في كانون الأول/ديسمبر 2022، بعد نحو 16 شهرًا من استعادتها السيطرة على أفغانستان، ويُعدّ “غليزمان” ثالث أمريكي يتمّ الإفراج عنه في أفغانستان هذا العام، بعد إطلاق سراح “ريان كوربيت” و”ويليام ماكينلي” في شهر يناير في صفقة تبادل أسرى بين الإمارة والولايات المتحدة. ويختلف الإفراج عن “جورج غليزمان” بأنه لم يكن بناءً على صفقة تبادل، وإنما كان بناءً على مبادرة إنسانية خالصة من جانب الإمارة الإسلامية تجاه الشعب الأمريكي وإغلاق صفحات الماضي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
في السياق ذاته، أشار -قبل مدة- مسؤول بارز في وزارة الخارجية بالإمارة الإسلامية إلى زيارة وفد إلى كابل برئاسة المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المعتقلين، واعتبر أن هذه الزيارة تمثل خطوة جديدة في العلاقات الثنائية بين أفغانستان والولايات المتحدة، مؤكدًا أن هذه المفاوضات تعكس رغبة الطرفين في الحوار بشأن القضايا المشتركة.
كان هذا أول وفد أمريكي يزور أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية من هذا البلد، كما أن “زلماي خليلزاد” المبعوث الأمريكي السابق لأفغانستان، كان من بين أعضاء هذا الوفد، ما يدل على أهمية هذه المحادثات في تعزيز العلاقات بين الجانبين.
والغريب أن هذه الزيارة أتت في وقت تزايدت فيه التكهّنات بشأن مراجعة إدارة الرئيس دونالد ترامب لاستراتيجيتها تجاه الإمارة الإسلامية في ظل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وبالتزامن مع المفاجئتين المذكورتين، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بشطب أسماء قيادات في الإمارة الإسلامية مثل: سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في الحكومة، من قائمة الأشخاص المطلوبين لديها.
إطلاق سراح المعتقل الأمريكي وإجراء المفاوضات في كابل وشطب أسماء قيادات رفيعة لإمارة أفغانستان الإسلامية من القائمة السوداء؛ يدل على أن الأمريكيين الذين غادروا أفغانستان منهزمين، يرغبون في إقامة علاقات مع القيادة الجديدة، وأنهم لا يريدون أن يخسروا علاقتهم مع أفغانستان لصالح سائر منافسيهم.
يتوق الأمريكيون إلى العودة إلى أفغانستان ويعتزمون عليها، ولكنهم -في نفس الوقت- يعلمون جيداً أن هذه العودة لن تكون مثل سابقتها؛ بالقصف، والقوة، والتغطرس، والتجبر، والضغوطات! فتلك طرق ثَبَتَ أنها، وإن نجحت في بلد ما، فهي أفشل ما تكون في أفغانستان.
يعلم الأمريكيون جيداً أن قدومهم إلى أفغانستان هذه المرة لن يكون كسابقه؛ حيث كان ينزل الرئيس الأمريكي في قاعدة باغرام مُحاطاً بجنرالات وضباط أمريكيين، لا يعرف أحد عن قدومه إلا من خلال عناوين الأخبار والمجلات والصحف الأمريكية.
أتى وفد أمريكي إلى كابول لأول مرة، وستجيء وفودٌ كثيرة في قادم الأيام والأشهر والسنوات ولكن سيكون مجيئهم من الأبواب، وسيكون هنا في كابول من يجلس أمامهم على طاولة التفاوضات وجهاً لوجه، وسيفاوضهم في القضايا والشؤون المختلفة؛ السياسية، والاقتصادية، بما فيه مصلحة أفغانستان، وسيقول لهم في بعض القضايا: “لا”، كما سيقول لهم: “نعم” في قضايا أخرى، ويكون شأنهم في التفاوض شأن الصين والروس وإيران والهند وغيرها من البلدان التي تحسّنت علاقة أفغانستان معها وتطوّرت في ظل الإمارة الإسلامية.