
الولايات المتحدة تتفكك في أفغانستان :
الجنرالات منغمسون في الرذيلة والجنود يعصف بهم الجنون — الجيش والإستخبارات فشلا في الحرب ونجحا في الفضيحة
منذ حوالي ربع قرن كنت جالساً إلى جانب القائد الكبير “مولوي جلال الدين حقاني” داخل سيارة تتأرجح بنا فوق الصخور في جبال خوست. كان الحديث بيننا يدور حول العبر والدروس المأخوذة من الحرب الدائرة في أفغانستان بين المجاهدين الأقوياء بالإيمان والضعفاء في كل ما يتعلق بالمادة من أسباب، وبين الوحش السوفيتي الذي يقاتل ضدهم بأحدث المعدات والأسلحة القتالية وجيش أحمر لا حصر لعدده وعتاده، حتى قيل عنه وقتها أنه أقوى جيش بري سار على ظهر الأرض على مدى التاريخ.
قال حقاني معلقاً على ذلك: (إن الله يسلط خير عباده المؤمنين على شر خلقه المتجبرين، فكما سلط موسى على فرعون فإنه سبحانه سلط المجاهدين في أفغانستان على الملحدين السوفييت. وكما غرق فرعون في البحر بمعجزة العصا فإن الجيش السوفيتي سوف يغرق في أفغانستان بمعجزات الجهاد).
إنها سنة كونية تتحقق كلما توافرت ظروفها. ويشاهد العالم المعجزة تتكرر مرة أخرى في نفس المكان وعلى يد نفس الشعب الأفغاني المجاهد. فهذه هي الحملة الثالثة العظمى التي يشنها الغرب على أفغانستان التي هي القلعة العظمى للإسلام على سطح الأرض.
لقد جربت بريطانيا حظها وفشلت، وجربت روسيا السوفيتية حظها وفشلت، والآن تجرب أمريكا المدعـــــــــــــومة بحلف
الشيطان الأطلسي، وها هي تغرق وتفشل للمرة الثالثة، عسى أن تكون الأخيرة، ليس لأنهم استوعبوا الدرس بعد تكراره للمرة الثالثة، كما يحدث عادة للأغبياء، ولكن لأن حضارتهم نفسها تعلن إفلاسها على كافة الأصعدة وتلملم أشرعتها لاستقبال مرحلة الانحدار النهائي.
لعل الفشل العسكري هو الأبرز في سلسلة الانهيارات الغربية، وحرب أفغانستان هي الضربة القاضية لذلك الصنم المسلح الذي ظنت أمريكا، كبير فراعنة العصر، أنها قوة يستحيل مجرد التفكير في مقاومتها، فأثبت الأفغان أن تحطيم ذلك الصنم أيسر بكثير مما يتصور أحد حتى صانعوه. وكان ذلك أكبر من مجرد هزيمة عادية لأنه كسر العمود الفقرى لحضارة قائمة على العدوان وتهديد الغير باستخدام قوة لا طاقة لأحد على مقاومتها، ومن ثم إقناع شعوب الأرض بأن الحل هو تسليم كل شئ لتلك القوة الغربية التي تعيش وتزدهر على دماء الشعوب. وبعد ذلك ينسب الغرب ذلك الازدهار والقوة إلى براعة نظامه الديموقراطي واقتصاده الرأسمالي وقيمه الأخلاقية والثقافية المخالفة في معظمها للفطرة البشرية السوية. بينما الكلمة السحرية التي تقف وراء حضارة الغرب وإزدهاره هي “الدماء”، دماء الشعوب التي أحتلها أو هيمن عليها بالعنف والخديعة.
المجاهدون الأفغان بقيادة حركة طالبان، المزودة بالخبرات القيادية والعسكرية، والتي ظلت تعمل بفاعلية منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، إبتكروا وسائل مقاومة تفوقت على ماكينة العدوان الأمريكية وحطمت كبرياءها وأحرقت معداتها العسكرية وحولت جنودها إلى مجانين وأنصاف معتوهين.
إستراتيجية عمل حركة طالبان في المقاومة الجهادية تستحق أن تدرس في أرقى الأكاديميات المختصة في العالم،فهي عمل ابتكاري غير مسبوق، امتد من الحرب بتفريعاتها: المسلحة والنفسية والإستخبارية، إلى الإدارة والإعلام والتعليم، كل ذلك في ظل ظروف لم تمر قسوتها بأي حركة مشابهة في تاريخ البشر.
ومن المفيد الإنتباه إلى أن الحرب تظهر جميع عناصر القوة والضعف في أي أمة، سواء التي ربحت أو تلك التي خسرت الحرب.
خسارة تحالف الشر المكون من أمريكا وأوروبا للحرب في أفغانستان أبرزت نقاط ضعفهم وعجلت بتصاعد وتيرته في بنيانهم الداخلي في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وكذلك على مكانتهم الدولية التي ظلت متحكمة في شعوب الأرض لما يقارب الخمسة قرون. وبالتالي فإن حضارتهم بالكامل بدأت بشكل واضح في حالة من الأفول والانقشاع على سماء البشرية.
ومادمنا نتكلم عن “الحضارة” القادمة وليس القوة البحتة التي قد تسود/ وربما تسيطر/ على مجريات الأمور في العالم، فإن تلك “الحضارة” لا يمكن إلا أن تتمثل في الإسلام بمعناه الحقيقي،وليس بالمعنى الشائع لدى الأعداء أو لدى معسكر منهزم متداع ينسب نفسه إلى الإسلام.
الجولة الحضارية القادمة من الواضح أن مركزها سيكون قارة أسيا التي سيعود إليها دورها الحضاري القديم. لقد بزغت في أسيا الحديثة قوى مادية عظمى عديدة ولكن بها حضارية إنسانية واحده مازالت متماسكة ومحتفظة بمحتواها الحقيقي وهي الحضارة الإسلامية. وستكون أفغانستان في مكان القلب النابض من تلك الحضارة، القلب الذي سيدفع بدماء الحياة من جديد في جسد الأمة الإسلامية الذي بدا مستسلما لمصير الانحلال والذوبان في حضارة الغرب.
بل وتسابقت بعض قواه المنهزمة لتعانق الغزاة المعتدين وتعلن ولاءها للمشروع الغربي في الوقت الذي يتأهب فيه الغرب للرحيل الحضاري. ولاشك أن هؤلاء المنهزمون الذين تحالفوا مع إمبراطورية الشر الأمريكية في لحظات انحسارها سوف ينهزمون ويزولون معها أو حتى قبلها عندما تكتشف الشعوب الإسلامية حقيقتهم الفاسدة. ولن يأتي الربيع أبدا على أيدي هؤلاء بل تأتي الهزيمة والخزي.
ومن المفيد العودة في وقت لاحق لإلقاء مزيد من الضوء على تلك الحالة “الإسلامية” المنهزمة وأبرز أمثلتها الآن في أفغانستان هو “عبد الرسول سياف” الذي ظل يدعي بأنه يرفع راية الإخوان المسلمين بمعتقدات سلفية في ذلك البلد، ومعه رعيل من القادة الآخرين كانوا رموزاً ثم تحولوا إلى “أمثولات” مرتكسة. وبعد طول تظاهر وصراخ بأن ولاءهم (للقرآن والسنة) ظهر بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان أن ولاءهم هو (للدولار والسلطة). والحديث عنهم يطول لأنهم ونظراءهم في العالم الإسلامي قد تحولوا إلى ظاهرة تلفت النظر وتحمل جميع أنواع الخطر على الأمة الإسلامية.
إفلاس متعدد الوجوه
أفلست حضارة الغرب من الناحية العسكرية، رغم جبروت أسلحتها التدميرية الحديثة، وظهر أن علاجها هو الجهاد الشعبي بمواصفاته الأفغانية، أو فلنقل المواصفات الإسلامية العملية الصحيحة التي جربتها بعض الشعوب الإسلامية في العراق ولبنان، وفلسطين، وكانت النتيجة مدهشة ولكن على درجات متفاوتة من النجاح على قدر تفاوت قدرة وإخلاص وكفاءة القيادات التي تولت قيادة تلك التجارب.
ــ أثبتت حركة طالبان بقيادتها للشعب الأفغاني ذو التراث المجيد في الدفاع عن الإسلام والحرية، أن قوة أمريكا العسكرية (والإسرائيلية بالتالي)، يمكن هزيمتها على يد الشعوب المجاهدة (وليس الجيوش أياً كانت، خاصة الجيوش التي كونتها أمريكا في بلاد كثيرة لخدمة أهداف أمريكا فقط).
لقد تأكد أيضا مبدأ أن الإنسان هو سيد الحروب إذا تمتع بالعقيدة والمعنويات، وأن الأسلحة مهما تطورت لن تجدى نفعاً إن كانت بأيدي أشباه الرجال المفرغين من العقائد والإيمان.
في أفغانستان ثبت فشل النظرة الأمريكية والغربية عموماً إلى الحروب كمشروعات اقتصادية، وأن الحروب الجهادية طويلة الأمد تكبد المعتدي “خسائر إجمالية” / أي خسائر على كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والنفسية والسياسية / بحيث تجبره على الانسحاب في نهاية المطاف، حتى ولو لم يتكبد هزيمة عسكرية كاملة بتحطيم آلته العسكرية، ولكن الأعباء الاقتصادية والنفسية وتفكك الجيش وتدهور معنوياته إضافة إلى الانعكاسات السلبية على الأوضاع داخل الدولة المعتدية تجعل قرار الانسحاب إجباريا وليس اختياريا. ولهذا سوف ينسحب الأمريكيون منهزمون كما هزم السوفييت في أفغانستان.
تفكك أمريكا من الداخل
قد لا ينتبه كثيرون الى أن تسريع عملية تفكك الولايات المتحدة من داخلها هو أحد أهم تأثيرات جهاد شعب أفغانستان على تك الدولة العدوانية. وكما قدم ذلك الشعب خدمة جليلة لشعوب العالم الخاضعة للاحتلال السوفيتي عندما هزم الجيش الأحمر على أرض أفغانستان فإنه الآن يقدم خدمة أعظم لجميع الشعوب بهزيمة الولايات المتحدة. وتتقوى يوما بعد يوم مطالب الشعوب داخل الولايات المتحدة بالاستقلال عن الكيان الإتحادى الزاخر بنقاط الضعف والظلم وتحكم شريحة ضئيلة بالثروة والقرار السياسي.
فبعد إعادة انتخاب زعيم الحرب أوباما تقدمت قوى شعبية في خمس ولايات أمريكية بطلبات من أجل إجراء استفتاء حول استمرارية ولاياتهم كأعضاء في الإتحاد الفيدرالي أو الانفصال عنه سلميا. مع العلم أن هناك عدد كبير من الميليشيات المسلحة تطالب بالانسحاب من الإتحاد بقوة السلاح إذا اقتضى الأمر، ويحظى هؤلاء بتعاطف شعبي كبير في ولايات عدة، مستندين إلى حقيقة الانقسامات العرقية والدينية والتفاوت الاقتصادي الكبير فيما بين شرائح المجتمع والتناقض بين الولايات الأمريكية نفسها مابين ولايات غنية وأخرى متعثرة أو على حافة الإفلاس.
إن الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها الولايات المتحدة وأوروبا هي المثال الأبرز لعوامل التفكك التي تفاقمت بعد احتلالهم لأفغانستان. ورغم محاولات التطمين إلا أن تلك الأزمة لا تبشر بأى حل قريب، وتنذر بما هو أسوأ، مثل انهيار متسلسل يشمل كافة مناحي حضارتهم المادية القائمة على تقديس المال وجعله غاية وهدفاً أسمى للحياة، وفي سبيل الحصول عليه وتكديسه تشن الحروب التي تقتل ملايين البشر وتبيد حضــــــــــارات كاملة وتطرد شعوبا من ديارها.
والاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن الانهيار الاقتصادي هي الخطر الأكبر الذي يخشاه الغرب، لذا يحاول أن يفتعل خطرا خارجيا يشغل به الشعوب (مثل خطر ما يسمى بـ “الإرهاب الإسلامي”، والبرنامج النووي الإيراني، والبرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية.. إلخ )، أو أن يجعل الصراع متجها إلى الشرائح الاجتماعية فيما بينها، وليس بين المجتمع من طرف والنظام الحاكم من طرف آخر ( ونلاحظ أن أمريكا تطبق تلك القاعدة على دولنا الإسلامية التي تحكمها أنظمة تابعه لها، بأن تجعل الشعب يتصارع مع نفسه وليس مع النظام الفاسد والمستبد ــ راجع الوضع في دول الربيع العربي).
بدورها تتمزق أوروبا / منطقة اليورو تحديداً/ ما بين شمال في وضع أفضل نسبيا وجنوب يعاني بشدة، وبلغت معدلات البطالة بين شبابها 25%، بما جعلها تعيش في حالة تمزق اجتماعي واضطرابات تهدد أوروبا كلها بأوخم العواقب. ويقول الخبراء: (إن قطار الإصلاحات الاقتصادية قد خرج عن قضبانه نتيجة لتمرد الشعوب عليه). لهذا عمت المظاهرات العمالية 33 دولة أوروبية بما يهدد النظم (الديمقراطية) في الصميم. في المقابل تعالج حكومات تلك الدول مشاكلها الاقتصادية بمزيد من الاقتراض.
وهي بذلك تؤجل الانهيار وتجعله أشد. {لاحظ وجه الشبه بين تلك السياسة الاقتصادية الخرقاء مع السياسة الأمريكية التي تؤجل منذ أربع سنوات قرار الانسحاب من أفغانستان تفادياً للنتائج كارثية في كافة المجالات، وذلك مع علمها أن تأجيل الانسحاب يضاعف تلك النتائج وقد يجعلها مهلكة بالنسبة لتلك الدولة}.
ديون الولايات المتحدة وصلت إلى نسبه 107% من إجمالي ناتجها المحلي، تلك النسبة وصلت في ايطاليا، وهي عضو مشارك في العدوان على أفغانستان، إلى نسبة 113% وفي البرتغال نسبة 122%، وفي اليابان (وهي شريك سابق في العدوان) وصلت بالنسبة الى 236%، أما بريطانيا فهي في موقف أفضل بنسبة اقتراض بلغ 88% من إجمالي ناتجها المحلي. ويقول محلل اقتصادي عن ذلك: (التعثر المالي في دول الغرب الديمقراطي فتح الأبواب لنقاش واسع حول مستقبل الحضارة الغربية ذاتها. وظهرت أصوات تقول أن القرون الخمسة الماضية التي تمكنت فيها أوروبا الغربية من سيادة العالم تكاد تبدأ رحلتها النهاية).ويقول نفس الكاتب: (الديون الحالية سمحت للجيل الحالي من الناخبين الأوروبيين أن يعيشوا ويستمتعوا بمستويات معيشية مرتفعة على حساب الأطفال والفتيان ممن ليس لهم حق التصويت وعلى حساب أجيال لم تولد بعد)ـ د. حمدى حسن، صحيفة الأهرام المصرية،26نوفمبر 2012 ـ
علينا أن نلاحظ هنا أيضا أن التضحية بالأجيال القادمة ينطبق على سياسة الحرب في المعسكر الاستعماري الذي تتزعمه الولايات المتحدة. فسياسة الحروب الدائمة والعدوان الوحشي على الشعوب سوف تنعكس تبعاتها على الأجيال القادمة هناك، والتي لم تشارك في العدوان، ولكنها مع ذلك سترث عداوات ليس لها حدود من أجيال جديدة نشأت في البلاد التي وقعت ضحية للعدوان، الذي طالت آثاره المأساوية أجيالا متلاحقة، فالخراب الناتج عن الأسلحة الحديثة يستمر لأجيال كثيرة.
إن الأجيال القادمة في أمريكا ودول الغرب الاستعماري ينتظرها مصير اقتصادي بائس وكذلك عواقب حروب كثيرة يطالب ضحاياها بالتعويض والقصاص. وسيكون ذلك ممكننا حيث أن ضعفاء اليوم هم أقوياء الغد، وأقوياء اليوم هم ضعفاء الغد. وهكذا سوف يكون تطبيق العدالة ممكنناً، لأن الحقوق لا تسقط أبداً بالتقادم، والمظلوم هو خير من يعرف تلك الحقيقة، أما الظالم فيتمنى بل ويحاول أن يمسك بعقارب ساعة الزمن، ويمنعها من الحركة حتى لا يأتي وقت تطبيق العدالة وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الأصليين.
إتلاف الجيش الأمريكي
حرب أفغانستان أتلفت القوات الأمريكية هناك على المستويات كافة، بداية من المعدات القتالية وصولاً إلى الروح المعنوية والأخلاقيات، مرورا بالانضباط العسكري الذي هو أهم مزايا الجيوش. لا نتكلم هنا عن الجنود فقط بل نعني الجنرالات الكبار أيضا، هؤلاء الممسكين بزمام القيادة العسكرية والإستخبارية، بعد اندماج الجيش مع الاستخبارات في وحدة عملياتية واحدة.
إن التلف الذي أصاب الجيش الأمريكي من جراء الحرب في أفغانستان هو واحد من أخطر الأسرار المعروفة، والتي تحرص ” الدولة” الأمريكية على حجبها عن الرأي العام المحلي والدولي بكافة الوسائل الممكنة لأنه أمر يتعلق بتماسك الدولة داخلياً، واستقرار مكانتها الدولية كقوة عظمى للهيمنة والإرغام، خاصة إذا لاحظنا أن الجيش الأمريكي الأقوى في العالم بميزانية تزيد عن إجمالي نفقات أكبر جيوش العالم مجتمعة، قد اتحد بشكل كبير مع جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بشكل تداخلت فيه الاختصاصات في المهام الخارجية. وقد خلق ذلك مشاكل خطيرة في أفغانستان. من أجل هذا يبحث “أوباما” بعد إعادة انتخابه موضوع رسم حدود للعلاقة بين العملاقين الدمويين، خاصة إزاء أهم قضايا السياسية الخارجية الأمريكية وهي القضاء على المعارضة الدولية للتغول الأمريكي، أو ما يطلق عليه أمريكيا مكافحة “الإرهاب” التي تستهدف المسلمين قبل غيرهم.
= نبدأ بالنظر أولا إلى الخراب الذي أصاب القاعدة البشرية لذلك الجيش أي الجنود المقاتلين في أفغانستان. وليس متاحاً في هذا المجال ما هو أفضل من كتابات الأسير الأمريكي لدى حركة طالبان، الرقيب “براجدال” في مراسلاته مع عائلته خلال فترة خدمته العسكرية في أفغانستان.وهي تصف بواقعية وصدق حال الجندي الأمريكي هناك فيقول عن وحدته العسكرية (أنها لا تصلح للقتال، وسيئة التدريب والانضباط وفاسدة)…(لقد رأيت أفكارهم وإنني أشعر بالعار كوني أمريكيا)…(هذا النظام خاطئ، وأنا أشعر بالعار كوني أمريكيا، وعنوان “جندي أمريكي” هو كذبة للأغبياء)…
(إن الجيش الأمريكي هو أكبر نكتة يجب أن يضحك منها العالم، إنه جيش الكذابين الذين يطعنون من الظهر والأغبياء والبلطجية. والبعض من عرفاء الجيش الجيدون سيستقيلون وهم يطلبون منا سراً أن نفعل مثلهم).
تقول مجلة “رولنج ستون” الأمريكية التي أوردت قصة ذلك الأسير:
(إن ردود أفعال الجنود الجدد على رعب المعارك كانت مختلفة وعنيفة، فبعض الجنود انتحروا بحيث أصبحت نسبة الانتحار في الجيش أعلى من نسبتها في الأوساط الأخرى بحوالي 25%. وبعض الجنود مارسوا عنفاً غير مرخص به كما فعل ضابط صف قام بقتل 17 مدنيا أفغانيا في شهر مارس الماضي (2012) وكذلك الفريق السئ السمعة المسمى (أقتلوهم) والمكون من جنود ذهبوا في “رياضه إطلاق نار” في عام 2010 فقتلوا مدنيين أفغان على سبيل الرياضة وأخذوا أجزاء من أجسادهم كجوائز. الكثير من الجنود عادوا مصابين بصدمات نفسية غير قادرين على دفع الكوابيس عن نومهم) ــ مجلة الصمود العدد 74 مقال أمريكا الأسيرة لدى حركة طالبان ــ
نكتفي بهذا القدر الذي يصف حال الجنود، الذين هم القاعدة التحتية للجيش الأمريكي، فمعظمهم مختل عقليا مهتز نفسيا جبان مرتعد، فيقاوم كل ذلك بالإسراف في قتل الأبرياء والتجاوز المفرط على السكان وممارسة كل ما هو ممكن من الموبقات الأخلاقية. ذلك الوحش البشري جاء لينشر الديمقراطية و “يقاوم الإرهاب الإسلامي”!!، فيمزق الجثث لأخذ تذكارات يصطحبها معه أو يرسلها للأصدقاء في بلاد الديمقراطية التي جاء منها حاملا رسالتها المتحضرة إلى بلاد المسلمين، وقد زودته بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، ولم تنس تزويده بالكلاب المتوحشة التي تمزق الأحياء وتلتهم جثث الشهداء. فهكذا هي الديمقراطية التي ينشرونها بالجيوش أو بالثورات الملونة، و زوابع “الربيع” المهلكة.
فما هو حال كبار الجنرالات من قادة الجيوش الجبـــــــــــارة وأجهزة الاستخبارات التي تطلع على خفايا البشر في أرجاء الدنيا؟.
لن نذهب بعيداً لاستقصاء التاريخ، ويكفي الحدث الأقرب الذي طال الجنرال الأشهر في الولايات المتحدة، مدير جهاز الاستخبارات المركزية، الجنرال “ديفيد بترايوس” القائد السابق لقوات العدوان في أفغانستان “إيساف”. فقد طالته فضيحة جنسية، طالت معه أيضا جنرالا آخر يقود تلك الـ ” إيساف” حاليا، وهو الجنرال “جون ألن”. وقد التقت خيوط الجنرالان خارج نطاق الحرب عند امرأة واحدة أقاما معها علاقة غير شريفة. الجنرال بتريوس كانت له علاقة مخزية بإمرأة أخرى حصلت خلالها على وثائق متعلقة بقضايا أمنية سرية. وتلك مادة متوفرة لدى الجنرال بصفته مديرا لأخطر جهاز استخبارات في العالم (CIA). اضطر بترايوس إلى الاستقالة تجنبا للإقالة الإجبارية، وهكذا اختتم حياته العملية التي حاول الأمريكيون جعلها سجل فخار لتلك الدولة العظمى المتهافتة. ومن المهازل أن يكون أهم إنجاز عسكري لذلك الجنرال “العظيم” هو وضع إستراتيجية أدت إلى الإسراع بالانسحاب الأمريكي من العراق (فكيف يكون الفشل؟؟). والعجيب أن أوباما وصف ذلك السجل التعيس للجنرال بأنه خدمة استثنائية للولايات المتحدة.
= أما زميله في الفضيحة الجنرال جون ألن المقيم في كابل والذي كان مرشحاً لقيادة حلف الناتو في أوروبا فقد قرر أوباما تجميد ذلك الترشيح، ربما لإتاحة الفرصة لذلك الجنرال لأن يبني لنفسه (مجداً عسكرياً) شبيها بالمجد الذي بناه بتريوس لنفسه، فيضع خطة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو الإنسحاب الذي سوف يسدل الستار على “الحلم الأمريكي” الذي تحول إلى كابوس للبشرية جميعاً.
هؤلاء هم صفوة جنرالات إمبراطورية الشر، الذين فرقهم الفشل في الحرب الأفغانية فجمعتهم الفضيحة الأخلاقية فوق الأرض الأمريكية. وما خفي كان أعظم، فهناك التورط في تجارة المخدرات (خاصة من هيرويين أفغانستان وكوكايين كولومبيا)، وتجارة الأسلحة، وتكوين شركات المرتزقة العابرة للقارات بهدف إشعال الحروب التي يرافقها عادة رواج تجارة السلاح وتوأمها تجارة المخدرات. تلك الشركات الإجرامية تمارس نشاطها وتؤجر خدماتها القتالية والإستخبارية للإدارات الأمريكية في أي مكان على سطح الأرض بما فيه الأراضي الأمريكية نفسها. وهكذا تترسخ الديمقراطية بأجهزة القمع المسلح، الرسمي والخاص، في بلاد الديمقراطية الكبرى كما في البلاد التي ينبغي إدخالها عنوة إلى الجحيم الديمقراطي.
أفغانستان كانت مثالا واضحاً على خلط المهام بين الجيش والاستخبارات أو اندماج تلك المهام في رسالة واحدة لاستعباد أحد الشعوب.
فأدى تداخل الاختصاصات إلى الكثير من الإخفاقات بما مكن المجاهدين من توجيه ضربات قاصمة للجيش والاستخبارات معاً. بل أن تحول المخابرات الأمريكية (CIA) إلى قوة عسكرية، وامتلاكها لسلاح الطائرات منزوعة الطيار، خلق مشاكل عويصة غير متوقعة للجيش الأمريكي وللتواجد الأمريكي في المنطقة والعالم الإسلامي بشكل عام.
فبرنامج الاغتيالات الجوية بذلك النوع من الطائرات خلق مناخاً معادياً للاحتلال الأمريكي وساعد في انخراط الآلاف من الشباب بصفوف المقاومة الجهادية تحت قيادة حركة طالبان. وتكرار نفس التجربة الدموية في عدة بلدان إسلامية أخرى مثل اليمن والصومال، أوصل الرسالة واضحة إلى الشعوب الإسلامية جمعاء بأن الولايات المتحدة مازالت تواصل بثبات رسالتها في “الحرب الصليبية” التي أعلنها جورج بوش بعد حادث 11 سبتمبر.
باختصار فإن الاستخبارات مارست أعمالا عسكرية حمقاء أدت الى تعقيد مهمة الجيش في أفغانستان وباكستان، بل والعالمين العربي والإسلامي.
ومن مميزات القدوة الديموقراطية في الولايات المتحدة أن رئيس تلك الدولة يشرف شخصيا على برنامج الاغتيالات الذي تنفذه الاستخبارات بالطائرات منزوعة الطيار. فقواعد الديمقراطية تقتضي بأن يوافق الرئيس “شخصياً” على عمليات الإغتيال التي تطال الشخص المستهدف إذا كان مصحوبا بعائلته أو مدنيين آخرين. وهكذا تم قتل مئات النساء والأطفال طبقا لأوامر كتابية ممهورة بتوقيع “أوباما”، فسقط الآلاف من الأفغان والباكستانيين والعرب والأوزبك في مصيدة الموت التي نصبتها المخابرات الأمريكية في مناطق وزيرستان القبلية بمعاونة من السلطات الباكستانية. (ملاحظة : حسب التوصيف الأمريكي فإن باكستان تتمتع بنظام ديمقراطي وحكومة منتخبة بالاقتراع الحر المباشر… فيا لها من ديموقراطية!!”.
ترسيم الحدود بين القتلة
اندماج الجيش مع الاستخبارات في عمليات الغزو الخارجية لم تسفر عن نتائج إيجابية في أفغانستان بالتحديد، بل نتج عنها الكثير جداً من السلبيات، لذا فإن “أوباما” بعد انتخابه لمدة رئاسية جديدة يعكف الآن على رسم خريطة علاقات جديدة بين الجهازين الأساسيين، لأن ذلك الفشل المشهود في أفغانستان سوف يدمر السمعة الرهيبة لهما وبالتالي سوف تسقط هيبة الدولة الأمريكية في الخارج والداخل. وذلك بالضبط هو ما حدث للإمبراطورية السوفيتية بعد أن فشل في أفغانستان جهازيها: العسكري (الجيش الأحمر) والاستخبارات (KGB)، فانهارت الإمبراطورية التي كان تماسكها الداخلي ومركزها الدولي يعتمدان إلى حد بعيد على هذين الجهازين الجبارين.
وكما كان السوفييت يعانون وقت إنهيارهم من وضع اقتصادي مترد، فإن الإمبراطورية الأمريكية تعاني الآن وبشكل أكبر من وضع اقتصادي يائس، لا يستمر إلا بالمزيد من القروض والمزيد من المغامرات العسكرية والإستخباراتية حول العالم، وبتحالف وثيق مع القوة الصهيونية المالية المتجذرة في مواقع القرار الأمريكي، والمتحكمة أيضا في اقتصاديات العـــــــــالم ومعظم أنظمة
الدول.
فشل ثنائي في قضية براجدال
ذلك مثال آخر على فشل العمل المشترك بين الجيش الأمريكي والاستخبارات CIA في أفغانستان. لقد حاول الجهازان معاً حل مشكلة الأسير الأمريكي لدى حركة طالبان، الرقيب “براجدال”. وقد أثبت ذلك تفوق حركة طالبان في المجال الأمني والإستخباراتي إلى جانب تفوقها العسكري.
لا داعي لذكر فشل جوهري آخر لهذين الجهازين في منع ظهور مقاومة جهادية تقودها حركة طالبان. فعودة الحركة إلى ساحة العمل الجهادي وقيادة الشعب في أقسى مواجهات القتال يمثل فشلا تاريخياً للاستخبارات الأمريكية والجيش الأمريكي معا. كما يثبت كذب أسطورة “الطائرات منزوعة الطيار” وقدرتها على وأد الثورات باغتيال القيادات ورصد المجموعات القتالية وتدميرها على الفور.
جهاز الإجرام المشترك فشل في مجرد تحديد مكان أو قتل الأسير الأمريكي “براجدال” رغم أنه تنقل داخل أفغانستان عدة آلاف من الأميال خلال أشهر عديدة مع مجاهدي طالبان من أجل حمايته من بطش مواطنيه الذين لا يترددون في قتل جنودهم وجنود حلفائهم إذا وقعوا في الحصار وكانوا قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في الأسر أو التفكير في الاستسلام، وهنا يرسل الجيش الأمريكي قاذفاته لتدميرهم عن آخرهم بالقنابل الثقيلة.
وفشل سياسي أيضا
ولما فشلت الوسائل العنيفة في حل معضلة الأسير براجدال جاء دور الخديعة السياسية، فكان العرض الأمريكي لبدء مفاوضات مع حركة طالبان وهدفهم الأساسي كان استخلاص الأسير من بين أيديهم، كونه ورقة ضغط قوية في أى عملية تفاوض. الصفقة المخادعة التي عرضها الأمريكيون كانت تقضي بحصولهم على براجدال في مقابل إخراج خمسة من معتقلي حركة طالبان في جوانتانامو وإيداعهم في أحد السجون القطرية.
رفضت حركة طالبان الوقوع في “الفخ السياسي” وتوقفت عن الدخول في عملية تفاوض مع الأمريكيين الهدف منها إنتزاع أوراق القوة لدى المفاوض الجهادي والحصول منه على تنازلات تبدأ بالإفراج عن الأسير الأمريكي الوحيد في العالم وصولا إلى حل سياسي على نمط حلول (الربيع العربي) أى استمرار النظام الفاسد القديم الذي أسسه الأمريكيون بعد إمداده بوجوه ودماء جديدة، من المستحسن تكون إسلامية حتى تحصل على رضا الشعب. أي أن يساهم مجاهدو طالبان في خداع الشعب الأفغاني، كما فعل “إسلاميون” موهومون في أفغانستان وبلاد إسلامية أخرى، هؤلاء الذين ينادون بتطبيق الشريعة متجاهلين حقيقة أن الشريعة المقدسة لا تطبق إلا في أوطان حرة، ولا يطبقها إلا أحرار مجاهدون لا يتخذون موطنا لهم تحت أحذية الأمريكيين أو الإسرائيليين، لأن الإسلام عقيدة وجهاد وليس متاجرة مع الشيطان بالدماء والأوطان.
فشلت أجهزة الإجرام المتحد (جيش / استخبارات) في حل معضلة المفاوضات مع حركة طالبان التي تصر على مواقف عقائدية وسياسية ثابتة، مدعومة بموقف عسكري قوي على الأرض. فالحركة الممثلة سياسياً في الإمارة الإسلامية ترفض تقديم أي تنازل سياسي للمحتلين، وتصر على انسحابهم الكامل بغير شروط. أما المفاوضات فيتم النظر في الفائدة منها بعد حصول البلاد على حريتها والتمتع بقدرتها كاملة على تطبيق شريعة الدين في الحياة الحرة الكريمة.
كما أن تبادل الأسرى هو قضية يتم بحثها بعد إتمام الانسحاب وليس قبله، كونه وسيلة ضغط ضمن وسائل كثيرة على رأسها الضربات العسكرية واقتحام الحصون الأخيرة للعدو.
يعلم العدو الأمريكي تمام العلم أنه خسر المعركة تماما وأن ذلك الشعب لن يلين، وأن حركة طالبان تتمتع بإرادة لا تقهر، مستندة على إيمان وعقيدة دينية لا تهتز حتى ولو إهتزت الجبال. فالعدو يستخدم وبلا أمل في النجاح عدة وسائل لإضعاف عزيمة الشعب الأفغاني وحركة
طالبان:
= فهناك وسائل الحرب النفسية التي تمثل مجهوده الأساسي حالياً. بعضها وسائل عنيفة مثل قتل المدنيين وترويعهم بالقوة العسكرية. وبعضها وسائل نفسية بحتة مثل بث الإشاعات وترويج الأخبار الكاذبة والتقـــــــــارير المصطنعة أو المحرفة.
وهناك وسائل أخرى تجمع بين الطريقتين السابقتين، أي أنها تجمع بين العنف والإشاعة، مثل تدبير حوادث الفتن، العرقية والطائفية والسياسية، حتى يستنزف الشعب نفسه في صراعات داخلية يكون الجميع فيها خاسر، والمستعمر هو الفائز الوحيد (أنظر أحداث الربيع العربي).
إعدام الأسرى كوسيلة ضغط
يبدو أن قريحة المحتل الأمريكي أسفرت عن حيلة شيطانية للضغط على أعصاب القيادة الجهادية لإرغامها على دخول عملية مفاوضات لا تتفق مع المصالح الأفغانية، كما قد ترغمها على حرق ورقة قوية هي ورقة الأسير براجدال.
لقد قررت حكومة كرزاى إعدام عدد من أسرى حركة طالبان. فبعد أن فشلت وسائل الضغط الأخرى لم يعد متاحاً أمام ذلك النظام الإحتلالي في كابل سوى إعدام أسرى الحرب من طالبان، حيث لا يمكن إعدام أسرى جوانتانامو لأن نظام واشنطن ديمقراطي بما يكفى بحيث لا يقتل أسرى صار من المعروف دوليا أنهم محتجزون في قاعدة أمريكية. أما الأفغان المحتجزون في سجون سرية حول العالم أو في سجون أصدقاء وحلفاء أمريكا في كل مكان، فهؤلاء يمكن قتلهم. ولكن ذلك أيضاً لا يفيد لأن القيادة الجهادية لن تعلم بذلك حيث أن الأسرى في أماكن سرية وكذلك عملية قتلهم ستكون سرية، وربما أن أكثرهم قد استشهدوا بالفعل منذ زمن.
ولكن قتل أسرى حركة طالبان في سجن بولي تشرخي في كابل هو عمل يهز مشاعر الشعب الأفغاني وقيادته الجهادية، وتتمنى الإدارة الأمريكية أن يرضخ الأفغان لذلك الابتزاز الدامي. ولكن من المؤكد أن النتيجة ستكون عكسية كما جاءت محاولات ترويع السكان وإرهابهم بشتى الضربات الوحشية أو تحطيمهم معنويا بالاعتداء على مقدساتهم وأعرافهم.
والنتيجة كما بات معلوما هو تصاعد المقاومة الجهادية.
فالضغط على أعصاب القيادة الجهادية لا يمكن أن يصل الى حد يجعلها تقبل بالتفاوض “المتساهل” والنزول على رغبات الاحتلال، أو أن يدفع تلك القيادة إلى (ردات فعل)غير محسوبة جيدا، فالقيادة الجهادية تميزت دوماً بالتفكير الهادئ المتزن الذي يسفر عن برامج مرحلية للعمل العسكري وما يرافقه من أعمال سياسية وإدارية وتنظيمية.
ومن الملاحظ أن تلك القيادة لم تنجرف أبداُ الى ردات أفعال. وحتى عندما قررت معاقبة العدو على تجاوزات أو أحداث طارئة، مثل إهانه المقدسات أو زيارات لكبار مسئولي دول الاحتلال، فكان العقاب يأتي من داخل سياق الخطط الموضوعة سلفاً، وجميعها عمليات مخططة ومدروسة ضمن سياق استراتيجي ثابت.
لذلك فمن المتوقع أن تأتي استجابة القيادة الجهادية على ذلك الاستفزاز بنفس أسلوبها المعهود أي من داخل برامجها العملياتية المسبقة (مثل برامج عمليات بدرو الفاروق.. الخ) وهي برامج سنوية للعمل الجهادي على نمط الخطط الاقتصادية الخمسية أو العشرية.
وكما أوضحت بيانات أمير المؤمنين في عيد الأضحى الماضي وكذلك في عيد الفطر أن الإماراة تركز بقوة على عمليات الضرب من الداخل. أي ضربات ضد عناصر الاحتلال بيد زملائهم الأفغان في الأجهزة القمعية المسلحة في الجيش والأمن، فمن الواضح أن تلك العمليات هزت العدو المحتل كما لم تفعل أي عمليات أخرى لأنها ضربت خططه المستقبلية إلى جانب تواجده الراهن، خاصة وأن خطط بقاءه المستقبلي في أفغانستان كانت ترتكز على الجيش والأمن الأفغانيين، وبعد أن أنفق في سبيل ذلك مئات المليارات اكتشف أن كل ذلك ذهب هباءاُ منثوراً.
= وأيضاً برامج العمليات السنوية (الفاروق حاليا) التي طالت حصون العدو المنيعة في عمليات استشهادية معقدة مثل عملية قاعدة هلمند الجوية، أو عمليات قوات خاصة عالية المستوى تجمع بين العنصر الاستشهادي والهجوم التقليدي كما حدث في عملية مطار جلال آباد الأخيرة.
كل تلك الضربات وصلت إلى عظام العدو فحطمتها وعليه الآن أن يغادر أفغانستان زحفاً على بطنه بعد أن دخلها منتفشا فوق ظهر الدبابات.