مقالات الأعداد السابقة

انتصار الطالبان الأفغان ( صراع بين حضارتين)

د. أسامة حموي

 

من أسباب انتصار حركة طالبان الأفغانية الكثيرة، أنهم ليسوا زبائن في سوق الرأسمالية الغربية. والصراع بينهم وبين أمريكا والغرب من صراع الحضارات، فمظهر الطالبان الأفغان بالعمامة واللحية والجلباب والأقدام الحافية وأخاديد التجاعيد البادية في الوجوه من وهج الشمس وقر البرد، قد تستدعي النظرة الفوقية من أصحاب الياقات البيضاء وأمواس الحلاقة وكريمات الوجه، وتضع منظر الأفغان في خانة التخلف والتأخر والدونية.

ولكن حقيقة الأمر؛ هذا المظهر هو أحد أهم عناصر الانتصار.

فالحضارة الرأسمالية الغربية المتوحشة، تستهدف تحويل سكان الكرة الأرضية إلى زبائن في سوق الرأسمالية وحضارة القوم الزائفة ، وبناء مفاهيم جديدة للتحضر، قاعدته الأساسية هو قدرة الزبون على تقليد النموذج الغربي في المأكل والملبس والنظرة للحياة، والتنكر للقيم السماوية والأخلاقية وتتبُع واستهلاك كل جديد ينتجه الغرب.

ولذلك كان من المنطقي جداً أن يكتشف الكاتب الأمريكي “Michael Hastings” سر انتصار طالبان في قوله:

(هؤلاء الأفغان لا يشاهدون التلفاز ولا يعرفون شيئاً عن أفلام رامبو وجيمس بوند ولهذا فهم لا يخافوننا، إنهم لا يرون فينا سوى دخلاء محتلين ويجب أن يخرجونا مهما كلفهم الأمر، لهذا كل أسلحتنا وحروبنا النفسية ضدهم لا تجدي نفعاً).

وتظل هذه الرسالة موجهة لمجتمعاتنا الإسلامية التي شربت المقلب ودخلنا كزبائن في سوق الرأسمالية الغربية، وتقمصنا حضارتهم وتشبهنا بهم ، نحن المجني علينا دور الجاني، وصرنا ننظر لمن يتمسك بتقاليده ودينه على أنه متخلف، وبلغ بنا تقمص الدور لدرجة أن يرى البعض غطاء الرأس للنساء من عوائق التقدم، ولبس الجلباب الفلاحي أو البدوي وصمة عار وتخلف ينبغي حصرها داخل القرى، وعدم السماح لها بدخول عالم الزبائن في المنتجعات والنوادي.

نحن المسلمين ندفع ضريبة دخولنا كزبائن في سوق الرأسمالية الغربية، فمن شروط دخولك كزبون، أن تحتقر ذاتك ودينك وقيمك الأخلاقية وتاريخك وتقاليدك، وتنظر لأعلى وأنت منبطح أرضا نحو السيد الغربي، وتحاول تقليده واتباعه (فقط) في مظهره الاستهلاكي وكمثل أعلى للتقدم، لأنك ببساطة: لست شريكاً، بل؛ (مجرد تابع وزبون).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى