مقالات الأعداد السابقة

انقلاب المفاهيم! (1)

يقول الدكتور أحمد أمين رحمه الله: “يكاد الباحثون، ويجهد المؤرخون أنفسهم في تقليب صحفهم ووثائقهم لمعرفة السبب في أن المسلمين في أول أمرهم أتوا بالعجائب، فغزوا وفتحوا وسادوا، والمسلمون في آخر أمرهم أتوا بالعجائب أيضاً، فضعفوا وذلوا واستكانوا، والقرآن هو القرآن، وتعاليم الإسلام هي تعاليم الإسلام، ولا إله إلا الله هي لا إله إلا الله، وكل شيء هو كل شيء، ويذهبون في تعليل ذلك مذاهب شتى، ويسلكون مسالك متعددة. ولا أرى لذلك إلا سبباً واحداً هو الفرق بين الدين الحق والدين الصناعي. هل تعرف الفرق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي؟ وهل تعرف الفرق بين الأسد وصورة الأسد؟ وهل تعرف الفرق بين الدنيا في الخارج والدنيا في الخريطة؟ وهل تعرف الفرق بين عملك في اليقظة وعملك في المنام؟ وهل تعرف الفرق بين النار أمامك وهي تلتهب وتأتي على كل ما يقدم لها من وقود، وبين نطقك بكلمة النار وهي تجري على لسانك ولا تمسه بسوء؟ وهل تعرف الفرق بين إنسان يسعى في الحياة وبين إنسان من جبس وضع في متجر لتعرض عليه الملابس؟ وهل تعرف الفرق بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة؟ وبين التكحل في العينين والكحل؟ وهل تعرف الفرق بين الناس في الحياة والناس على الشاشة؟ وهل تعرف الفرق بين الصوت والصدى؟.
إن عرفت ذلك فهو عينه الفرق بين الدين الحق والدين الصناعي، الدين الحق يحمل صاحبه على أن يحيا له ويحارب له. والدين الصناعي يحمل صاحبه على أن يحيا به ويحارب به ويتاجر به ويحتال به. الدين الحق يحمل صاحبه فوق كل سلطة وفوق كل سياسة. والدين الصناعي يحمل صاحبه على أن يلوي الدين ليخدم السلطة ويخدم السياسة. الدين الحق قلب وقوة، والدين الصناعي نحو وصرف وإعراب وكلام وتأويل. الدين الحق امتزاج بالروح والدم، وغضب للحق، ونفور من الظلم، وموت في تحقيق العدل. والدين الصناعي عمامة كبيرة وقباء يلمع.
(الشهادة) في الدين الحق هي كما قال الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتَلون) و(الشهادة) في الدين الصناعي إعراب جملة وتخريج متن وتفسير شرح وتوجيه (حاشية) وتصحيح قولِ مؤلِّف وردّ الاعتراض عليه. الدين الحق تحسين علاقة الإنسان بالله، وتحسين علاقة الإنسان بالإنسان، لتحسن علاقتهم جميعاً بالله. والدين الصناعي تحسين علاقة صاحبه بالإنسان لاستدرار رزق، أو كسب جاه أو تحصيل مغنم، أو دفع مَغرَم”.
مناسبة الحديث بهذه المقدمة الطويلة – من مقال أحد الأدباء- هو تشكيل «مجلس شورى الحراسة والثبات» في الأونة الأخيرة برئاسة زعيم حزب الدعوة، مفتي إيساف: الأستاذ سياف، تحت غطاء إصلاح الحكومة ومنحها المشورات النافعة.
إن الذين يشاركون بالعضوية في هذا المجلس هم أعضاء في مجلس النواب ومن المجاهدين البارزين ممن يشار إليهم بالبنان ومن أبرز الشخصيات المعروفة وأعضائه هم: زعيم حزب الاتحاد الاسلامي السابق عبد رب الرسول سياف، وعبد الهادي ارغنديوال، ومحمد يونس قانوني، وعبد الرؤوف إبراهيمي، وفضل هادي مسلميار، ومحمد إسماعيل خان، وبسم الله خان محمدي، ومحمد عمر داوود زاي.
قال سياف زعيم المجلس في إطار تأكيده على ضرورة تشكيل هذا المجلس: “إن الهدف من تشكيله ليس الإطاحة بالحكومة الحالية وإنما الهدف من هذا هو مساندة الحكومة ودعمها”. الحكومة التي تشكّلت بإمرة أمريكا المعتدية الغاشمة التي شنت حربا شعواء عارمة همجية ضد شعبنا الباسل منذ ربع قرن وكان من نتائجها مئات الآلاف من الضحايا المدنيين العزل وآلام ومصائب وجروح ودماء ودموع، قُصفت القرى بمن فيها بأكملها إلى حد الإبادة والمحو الكامل، ففجعت القلوب وقرحت الأكباد وأهلكت الحرث والنسل، وهدمت وداست شعائرالدين، ونسفت البيوت الآمنة، وقصفت المدارس والمساجد، وأسرت المدنيين وزجتهم في دياجير السجون والمعتقلات، هذا مافعلته أيدي أمريكا الآثمة وأيدي حلفائها، ويعرف الجميع أن حرمان زعماء الحرب السابقين من المساهمة الفعالة في الحكومة دفعهم للإعلان عن تشكيل هذا الشورى حتى لا يُحرموا من النهب والخوض الفعال في الفساد والاختلاس.
قال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم الامارة الاسلامية: أن تشكيل هذا الشورى الجديد جاء في الوقت الذي بدأ سادة العملاء بالرحيل من البلاد، إضافة إلى تزايد سلسة فتوحات المجاهدين وتضييق الخناق على الحكومة العميلة وسلطاتها، ما دفع لورادات الحرب وسادة الفساد وفي ظل تزايد خوفهم على انهيار الحكومة الحالية إلى تشكيل المجلس الداعم الجديد للحكومة الائتلافية ذات رأسين.
نحن اليوم بصدد عرض بطاقة تعريف بزعيم هذا المجلس، مجاهد الأمس، عميل اليوم عبد الرسول سياف، الذي عندما درس في مصر عدّل اسمه إلى عبد رب الرسول سياف، تخرج من كلية الشريعة ثم سافر إلى مصر سنة 1971م ورجع إلى البلد بعد الحصول على شهادة الماجستير من قسم الحديث بجامعة الأزهر وأعلن تشكيل حزب سياسي باسم “الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان”، وكان الاتحاد الإسلامي بقيادته يتلقى دعماً كبيراً من الجهات الإسلامية لاسيما الغربية والعربية.
لقد خاض سياف معارك عدة ضد حزب الوحدة الشيعي والحزب الإسلامي (بقيادة قلب الدين حكمتيار) ووقف سياف ضد حركة طالبان الإسلامية مع أحمد شاه مسعود، ودخل في التحالف الشمالي باسم الجبهة الإسلامية المتحدة مع دوستم والشيعة والجمعية الإسلامية وأخيراً مع التحالف الغربي بقيادة بوش وأوباما على غرار قول الشاعر الأفغاني رحمه الله القائل:
چی د می او دمطرب په خوند خبر شو  صوفی پریښودلو نفل داشراق
ته چی پند وایی ناصحه ورحمان ته   کاشکی وران کړو هغه کښلی دمیثاق.
يعني: لما ذاق الصوفي المراوغ طعم الخمر ورأى عطف الساقي أعرض عن نوافل الإشراق
حقاً إن النصيحة لا تنفع إذا كانت الشقاوة أزلية!
يقول مؤلف الظلال رحمه الله رحمة واسعة في تفسير آية: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا…..)؛ “هذا الذي يتحدث، فيصور لك نفسه خلاصة من الخير، ومن الإخلاص، ومن التجرد، ومن الحب، ومن الرغبة في إفاضة الخير والبر والسعادة والطهارة على الناس.. هذا الذي يعجبك حديثه، تعجبك ذلاقة لسانه، وتعجبك نبرة صوته، ويعجبك حديثه عن الخير والبر والصلاح… (وهو ألد الخصام)! تزدحم نفسه باللدد والخصومة، فلا ظل فيها للود والسماحة، ولا موضع فيها للحب والخير، ولا مكان فيها للتجمل والإيثار. هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره.. هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان..
والله سبحانه يعلم المؤمنين والمنافقين. والله سبحانه يعلم ما تنطوي عليه الصدور. ولكن الأحداث ومداولة الأيام بين الناس تكشف المخبوء، وتجعله واقعا في حياة الناس، وتحول الإيمان إلى عمل ظاهر، وتحول النفاق كذلك إلى تصرف ظاهر، ومن ثم يتعلق به الحساب والجزاء، فالله سبحانه لا يحاسب الناس على ما يعلمه من أمرهم ولكن يحاسبهم على وقوعه منهم”.
قال أحد الخطباء: إن علماء السوء هم الذين يعتلون المنابر، ويمسكون بالميكروفونات، ويلبسون عمائم الشيوخ وبُردهم، ويسكنون القصور الفارهة، ويتصدرون للفتاوى، ويقولون ما لا يفعلون، بل لا يقولون حقاً ولا يفعلون.
 يقول وحيد مجده المحلل السياسي: أن أحداً ممن جمع السِيَر لقيادات الجهاد في كتاب أسماه «تذکرة الأشقیاء» وسلمه إليَّ حتى أدرج فيها خاطراتي وأبدي وجهة نظري في مصطلحات مطالبه. ولكنني انتقدت من كتابات الكاتب التي جمعها من أيام الاعتقال في سجن، دهمزنج، ونقلها من تصريحات الشهيد محمد کاظم شارقي والشهید المولوی عبدالغفور برواني حول الأستاذ سیاف وقلت له إن عفة القلم لا تستجيب لذلك ويجب أن لا يحتويها الكتاب.
وكان ما جمع في هذا الكتاب غير المطبوع يحتوي على شرح أحوال الأستاذ سياف على طريقة كتابة، تذكرة الأولياء، من مؤلفات الشيخ فريد الدين عطار قد يبدأ كالآتي:
ذلك سيء الزمن، والذئب الذي يلبس لباس الراعي، وغاصب العقارات غير المنصف، عبد رب الرسول السیاف، مظالمه كثيرة، ومکائده لاتحصى، ولا يكفيها هذا المختصر. ويضيف مجده في مقاله :”…….وذهب ممثلون من المجاهدين العرب عند الأستاذ سياف وقالوا له إنه وبسبب مشاركتهم في الجهاد الأفغاني فإنه لا وطن على وجه المعمورة يؤويهم إلا في هذا الوطن الذي قاتلوا لأجل تحريره وطلبوا منه البقاء فيه، ووعدهم الأستاذ سياف بأنه سيطلب من الأستاذ برهان الدين رباني أن يمنحهم الجنسية الأفغانية وحدث ذلك بالفعل وأمر الأستاذ رباني وزير الداخلية في حكومته المهندس أحمد شاه أحمد زاي بمنح هؤلاء العرب بطاقات هوية أفغانستان (التذكرة).
وكان العديد منهم يريدون شراء منازل لهم في العاصمة كابول، وقال لهم الأستاذ سياف بجمع مبالغهم عن طريق المهندس بشير إلى المهندس أحمد شاه أحمد زاي وزير الداخلية آنذاك.
وباع هؤلاء العرب ممتلكاتهم في بلدانهم وأتوا بمبالغها إلى بيشاور واشترى المهندس أحمد شاه أحمد زاي منازل لهؤلاء العرب في العاصمة الأفغانية كابول وفي النتيجة أشيع أن المهندس أحمد شاه أحمد زاي اشترى عشرات المنازل في كابول له خاصة.
وبمجرد سيطرة طالبان على كابول لجأ المهندس أحمد شاه أحمد زاي إلى الخارج والأستاذ سياف كان مطروداً في الشمال الأفغاني إلى أن سقط نظام طالبان وعاد الاثنان إلى كابول وبعد فترة طلب الأستاذ سياف من المهندس أحمد زاي تحويل هذه المنازل التي تم شراؤها باسم أحمد زاي إليه وفي المقابل قال له المهندس أحمد زاي إن هذه المنازل هي ملكية خاصة للمجاهدين العرب والذين جاهدوا إلى جانبنا ولكن سياف قال إن مالكي جميع هذه المنازل إرهابيون ولو عادوا إلى أفغانستان فيجب اعتقالهم وتسليمهم إلى أمريكا”.
يتبع..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى