بسمات الاستشهاديين
أبو فلاح
لعلكم رأيتم (على الأقل في الصور والفيديوهات) بسمات الاستشهاديين التي تنبثق من أعماق القلب، بينما هم يستعدون للموت أو للحياة الأبدية التي لا موت بعدها، يبتسمون وهم يستعدون للطيران إلى دار الخلود، كأنهم يسخرون من الموت أو يتحدونه، يسيرون نحو الموت كأن الموت يخاف منهم ويفر منهم فرارا.
ما هو السر وراء تلك الابتسامات؟
إنه لغز حقا، لا يستطيع فكه إلا من كان في هذا الدرب أو عايش ردحا من الزمن مَن كان في هذا الدرب، إنه الإيمان بالله واليوم الآخر. طبعا لا يستطيع أحد أن يبتسم ويضحك حينما وداع هذه الدنيا إلا من وصل إلی أعلى درجات الإيمان، ووصل إيمانه إلى مستوى عال جدا، وكأنه يرى الجنة والنار بأم عينه، هل يستطيع أحد أن يفعل ذلك إلا من عَلِم عِلمَ اليقين بأن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والحساب حق، حتى لكأنه رأى يوم القيامة رأي العين، هل يستطيع أحد أن يفعل ذلك إلا من سرى الإيمان في أمخاخ عظامه، وجرى فيه مجرى الدم، وتغلغل إلى أعماق قلبه، كأن لسان حاله يعلن صارخا: “لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر ما تركته”.
إذا قوي الإيمان وصدُق؛ تجلى في أخلاق صاحبه وتجلى في سلوكه وتصرفاته، في قيامه وقعوده، في إيابه وذهابه، فإن جمال السلوك دليل على قوة الإيمان وصدقه، كما أن قبح السلوك دليلٌ على ضعف الإيمان أو انعدامه. إن الشباب الاستشهاديين الذين ترونهم يبتسمون بينما هم يستعدون للضغط على زر التفجير، قد وصلوا بلا شك إلى هذا الإيمان الكامل المثالي. (رزقنا الله إياه).
إنها بسمات تصنع التاريخ، بسمات تحمل بين طياتها ألف معنى ومعنى، بسمات ترتسم على شفاههم وتأسر قلوبنا وتستنزل دموعنا، بسمات هي شفاء للنفس وبهجة للروح، بسمات تحيي في قلوبنا أملا بفجر مضيء ونصر قريب، وتجدد في صدورنا العهد العتيق بأننا على العهد باقون، بأننا لن نتخلى عن دماء شهدائنا، بسمات تستنهض جيوشا وتصنع معاركاً ضد الكفر والعمالة والخيانة، بسمات تحمل بين طياتها أعظم الرسالات وأعمقها، رسالة التضحية والفداء، بسمات تُجسِّد للأجيال القادمة معاني الصبر والصمود والإباء، بسمات تُعلِّم الأمة معالم الطريق، وطريق التمكين وقيادةِ العالَم، طريق العز والشرف والمجد، تُعلِّمها أن لا تركع للأعداء وأن لا تخضع للمحتلين، تُعلِّمها أن تثور على الكفر والاحتلال والظلم والقهر والعدوان، تعلِّمها أن تأخذ حقها عنوة ولو كان الثمن دماءً زكية وجماجم متراكمة وأشلاء مبعثرة، بسمات تستقطب إلى ميادين الاستشهاد أجيالا، أجيالا خُلِقوا للتضحية والفداء، أجيالا تقدم دماءها في سبيل هذا الدين.
إن الاحتلال قد أدرك قوة تلك الابتسامات التي قصمت ظهره، إن الأعداء يعرفون جيدا أنهم سيواجهون تلك الابتسامات من جديد إن تأخروا عن موعدهم الذي وقّعوا عليه ضمن اتفاقية الدوحة، فقد استيقنوا بأن الموت يدركهم أينما كانوا، استيقنوا بأن الشباب الاستشهاديين يستهدفونهم ولو كانوا في مواقعهم المحصنة، كأنهم أشباح تطاردهم في كل مكان، هكذا نجح الشباب الأفغان الاستشهاديون في إرساء دعائم الخوف والذعر لدى المحتلين قادةً وجنودا، وهذا بالضبط ما أجلسهم على طاولة المفاوضات، ودَفَعَهم نحو التوقيع على هزيمتهم النكراء التاريخية رغما عن أنوفهم.
شاب أفغاني استشهادي يبتسم وهو يودع زملاءه وإخوته، يبتسم وكأنه ذاهب لمراسم عرسه، يبتسم وهو قد أخذ قراره للضغط على زر التفجير، ليتحول هو مع العشرات من المحتلين إلى أشلاء مبعثرة، يبتسم وهو جاهز للتوجه نحو الهدف، يذهب نحو الموت مقبلا غير مدبر، يذهب مبتسما ليس كرها للحياة، وليس حبا للموت، وإنما يضحي بحياته حتى تحيى الأجيالُ من بعده آمنة مطمئنة، لعله يقود سيارته نحو الهدف وهو يتلو أناشيد الحياة وأغاريد الخلود! من يدري؟
يا أعداء الأمة! يا أبناء الصليب! إن هؤلاء البسامين الذين يطاردونكم حيثما حللتم هم أسود الإسلام المزمجرة، إنهم أبناء الإسلام الأصلاء، إنهم ورثة السلطان محمد الفاتح وصلاح الدين الأيوبي ومحمود الغزنوي وأحمدشاه الأبدالي، إنهم أبطالنا الحقيقيون الذين يخطّون تاريخ أمتهم بدماءهم، ويشيدون حصونها المنيعة بجماجمهم، ويبنون أمجادها بأشلائهم، ويسقون شجرة الإسلام بأعراقهم.
وأخيرا يا شهدائنا لم ولن تغادروا ذاكرتنا، كيف يمكن أن ننساكم وصدى بسماتكم الأخيرة لا زال يرنّ في آذاننا؟