بشرى أهل الإيمان بانتصار أفغانستان
د. محمد الصغير
(الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام، عضو مجلس الأمناء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
تحل علينا هذه الأيام الذكرى الأولى لتحرير أفغانستان وهزيمة الأمريكان، ومعهم تحالف ضم أكبر جيوش العالم وأقوى الدول، وأعلى ميزانية حرب، واحتلال دام عشرين سنة، ظن فيه المحتل الباطش أنه تمكن، وظن القَنوط البائس بالله الظنونا، لكن أهل الإيمان واليقين، وطلبة العلم وشيوخهم الراسخين، كانوا على ثقة بوعد الله بالنصر والتمكين، وأن انتفاش الباطل جولة يقذف الله بعدها بقوة الحق فيدمغه ويبطله “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ” [الأنبياء:18].
وأثبت الأفغان وفي قلب منهم رجال الإمارة الإسلامية، أنهم قدر الله المحتوم في هزيمة الامبراطوريات الكبرى، وأصبح أفول نجمها، وانحسار جزرها، مرتبطا بهزيمتها على يد الشعب الذي لا يعرف إلا النصر أو الشهادة، ومن يقلب صفحات التاريخ البعيد القريب، يرى صورة ذلك أمام عينيه، فذهاب سطوة بريطانيا العظمى بدأت بعد هزيمتها على يد الأفغان، والاتحاد السوفيتي تفكك وتشظى على يد الأفغان، والذي فاته ذلك ولم يعاصره فأمامه الصورة الحديثة لهزيمة أمريكا، والهروب حتى دون التنسيق مع حلفائها، الذين تركتهم يدبر كل واحد منهم أمره على طريقته.
إن النصر الذي تحقق في أفغانستان يجدد الأمل، وينفي الخنوع والكسل، ويثبت أن الأمة الإسلامية تمرض لكنها لا تموت، وأن المستقبل لهذا الدين، وأضاف بُعدا خاصا بالعلم وأهله، لأنه نصر علمائي، قام على أكتاف طلبة العلم الذين تربوا في المحاضن العلمية والخلوات القرآنية، على يد العلماء الأثبات والشيوخ الثقات، فحق لكل عالم، أو طالب علم أن يفخر بانتصار العلماء، ودحر الأعداء وانتهاء الاحتلال، وطي صفحة الهيمنة الأمريكية، وحكم أفغانستان تحت راية الإمارة الإسلامية.
إن نجاح حركة طالبان في قيادة الشعب الأفغاني للصمود والجهاد خلال عشرين سنة حتى تحقيق النصر، يبشر ببداية مرحلة جديدة في بناء أفغانستان وازدهارها واستقرارها، ويعطي نموذجا مضيئا بعدما خيم ليل بهيم على جنبات العالم الإسلامي، الذي تحكمه قيادات استبدادية طاغوتية، أو حكومات عميلة وظيفية، وبعض بلادنا مازال تحت الاحتلال الصريح كما في فلسطين وكشمير، ولو قيل قبل عام واحد إن بلدا من بلاد الإسلام سيتحرر من الاحتلال والعدوان، ويعود مقوده إلى أهل الصلاح والإيمان، لما توقع أحد بلاد الأفغان ولا تخيل انتصار طالبان، على جحافل العالم مجتمعة، وخروجها من كابل مدحورة مهزومة متفرقة، وأرى هذا بداية عهد الفتوحات، وفتح باب الانتصارات، وأن ما يحدث في العالم من حروب وتغيرات، مؤذن بزوال ممالك وامبراطوريات، وقيام غيرها حسب سنن الله الجارية “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” [آل عمران:140].
وإن سقطت خلافة المسلمين قبل مائة عام، فإننا على باب مائة جديدة، يُجدد فيها ما اندرس من الدين، ويعود فيها العز والتمكين، روى أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :(إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا). [رواه أبو داود (رقم/4291)، وصححه السخاوي في “المقاصد الحسنة” (149)].