
بصيص النور في الأفق !
إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين. يقول أحد المفسرين في تفسيره: “وهذا وعد الله الصادق الذي كان والذي لا بد أن يكون… والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة وحين ينظر الإنسان اليوم إلى الحرب الهائلة التي شنها أعداء الإيمان على أهل الإيمان في صورها المتنوعة، من بطش ومن ضغط ومن كيد بكل صنوف الكيد في عهود متطاولة، بلغ من عنف الحملة على المؤمنين أن قتلوا وشردوا وعذبوا وسلطت عليهم جميع أنواع النكاية. ثم بقي الإيمان في قلوب المؤمنين، يحميهم من الانهيار، ويحمي شعوبهم كلها من ضياع شخصيتها وذوبانها في الأمم الهاجمة عليها، ومن خضوعها للطغيان الغاشم.. حين ينظر الإنسان إلى هذا الواقع في المدى المتطاول يجد مصداق قول الله تعالى. يجده في هذا الواقع ذاته بدون حاجة إلى الانتظار الطويل!!
وعلى أية حال فلا يخالج المؤمن شك في أن وعد الله هو الحقيقة الكائنة التي لا بد أن تظهر في الوجود، وأن الذين يحادون الله ورسوله هم الأذلون، وأن الله ورسله هم الغالبون.”
ان أعداء الإسلام في أحقاب التاريخ بذلوا أقصى جهودهم في سبيل امحاء دين الله وإطفاء نوره انهم يكنون الكراهية الأعمى لهذا الدين ولقد وقف الأعداء في وجه الدين وقفة العداء والكيد وحاربوه بشتى الوسائل والطرق حربا شعواء لم تضع أوزارها حتى اليوم، إنهم عملوا ليل نهار في سبيل البحث عن طرق تشويهه ظنا منهم ان هذا سيتوقف التحول المتواصل إلى الإسلام.
إنهم يدسون ويكيدون محاولين القضاء على هذا الدين القويم ولكن فشل الأعداء في هذه الأمنية فشلا ذريعا لأن نور الله لا يمكن أن تطفئه الأفواه ولا أن تطمسه النار والحديد، لقد جرى قدر الله ان يظهر هذا الدين القويم فكان من الحتم أن يكون… فهذا تحقيق وعد الله وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ
البشرية يؤديها ظاهرا على الدين كله بإذن الله تحقيقا لوعد الله الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل.
بعد عقود من الزمن، عقود من الذل والهوان، عقود من الاستسلام والهزيمة، ها هي بشائر التمكين والنصر تلوح في الأفق، وها هي نسمات وعد الله بنصر عباده تهبط علينا من مشارق الأرض ومغاربها، فاليوم وبعد بداية الثورات الشعبية نرى أن رؤوس الشر والفساد، رؤوس من كانوا حلفاء الغزاة والمعتدين يتساقطون الواحد تلو الأخر، وتتسلم زمام الأمور شعوب تواقة للحرية والعزة والكرامة، شعوب تريد أن تعيش كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات كباق البشر.
اليوم وبعد سقوط أغلب لاعبي الفساد والمزمرين له في العالم العربي، نرى شوق وأمل الشعوب في أشخاص كانوا يعدونهم من الأشرار بفعل تلك الهجمة الإعلامية الشرسة، التي كانت تصور تلك الشخصيات والحركات التي كانت تطالب بحقوقها المشروعة بأنها صناعة خارجية وبأنهم ارهابيون ومخربون، ويزيد بعضهم في شتمهم والتقليل من شأنهم بحيث يتهمهم بأنهم مهلوسون و(محششون).
بلغ التعجرف والكبر فيهم مبلغاً عظيماً، فاستهانوا بكرامة الإنسان وحقوقه، شرفه وكل ما يملك ولكن تلك العجرفة والعنهجية كانت سببا آخرا في قائمة الأسباب التي أدت إلى زيادة الثبات والصمود الشعبي على انتزاع حقوقه ولو بعد حين.
يذكر التاريخ الماضي الأسود لحكام تونس العروبة، زين العابدين بن علي، ذلك الحاكم الذي ما ترك طريقة إلا واتبعها لمحاربة الإسلام والمسلمين، تارة باسم التحضر والانفتاح وتارة باسم أمن الوطن والمواطنين، فارتكبت مجازر أخلاقية في حق كثير من التونسيين العزل، إمتلئت السجون بأبناء الوطن من المثقفين والمدافعين عن الدين وحقوق الإنسان، وأنشأت الهيئات والدوائر الحكومية لمراقبة الناس في عباداتهم وشعائرهم، وأنفقت الملايين على الهجمة الإعلامية التغريبية الموجهة للشعب التونسي. تلك الألة القمعية والهجمة الإعلامية أخرجت تونس من إطارها العربي والإسلامي، حيث كان المستشرق الفرنسي (هانوتو) قد تحدث عن المخطط التغريبي من زمن حيث قال: “إن فرنسا استطاعت أن تحقق هذا الانقلاب العظيم بلباقة وحذق، دون أن يثير ضجيجاً أو تذمراً، فتوطدت دعائم السلطة المدنية من غير أن يلحق بالدين مساس، وتسربت الأفكار الأوروبية بين السكان بدون أن يتألم منها إيمان المحمدي (المسلم) وبذلك إنفصل الحبل بين هذا البلد والبلاد الإسلامية الأخرى، الشديدة الاتصال بعضها ببعض”.
وقد أتى هذا المخطط أكله حيث أصبح المسلم الملتزم إنساناً متخلفاً، متزمتاً، إنساناً يعيش في الأزمان الغابرة لا يفقه من واقعه شيئاً ولا يريد معرفة شيء، كانوا يصورون هذا الإنسان الملتزم بأنه وحش جائر، وأنه قطعة بلا رحمة ولا رأفة، وأنه يكره الحرية والعدل وكل ما من شأنه أن يصلح ويسعد حياة البشر.
بدأت عائلة الرئيس التونسي المخلوع وزوجته يتحكمون في كل شيء، بدءًا من السياسة إلى الاقتصاد والرياضة، إلى الشؤون الاجتماعية والقضاء وأصبح الناس طبقات بعضها فوق بعض، وزادت الفجوة بين من يحكمون والمحكومون، وتصبح طبقة المحكومين أغلب أفراد الشعب، وأصبحت هي الطبقة المنبوذة والمهمشة، وهذه الطبقة المنبوذة هي تماماً كالتي رأيناها في الثقافة الهندية القديمة حيث فئة العمال والعبيد لا مال ولا جاه لهم، هم وما يملكون لساداتهم، انتشرت البطالة بين هذه الفئة في تونس بشكل مخيف، وبدأت نسبة الفقر تزداد وبدأت معها دائرة الحريات الشخصية وما يتعلق بحرية العبادة تضيق وتضيق، ولا يرى في الأفق ما يبشر بإنهاء هذه المأساة بحق الإنسان والإنسانية.
وما كانت مصر حفظها الله عن تونس ببعيدة، فهي كانت
تشبه تونس في كل ما ذكر، حيث لا حق لشعب في انتخاب او ترشح من تراه مناسباً إلا من رضيت عنه المخابرات وأمن الدولة، نتائج الانتخابات كانت فوق التسعين بالمائة لمن هم في سدة الحكم، أما على المستوى السياسة الخارجية فكانت مصر العروبة دوماً خاذلة لأمال المسلمين والعرب، بدءًا بإعطاء ارتيريا للحبشة الظلمة أهلها واتفاقيتها السياسية والأمنية والاقتصادية مع العدو اليهودي وانتهاءاً بالحصار الخانق والجائر التي تفرضه على قطاع غزة، ذلك الحصار الذي كان سنداً وعوناً عسكرياً ومادياً لليهود على الفلسطينيين المحاصرين منذ سنوات عجاف.
ثم كانت شعوب ليبيا والجمهورية اليمنية كان الله ناصراً ومعيناً لهم في طلبهم للحرية والتخلص من الإملاءات الخارجية والسيطرة الغربية على مقدراتهم وثروات بلادهم.
ما إن سقطت هذه الأنظمة الاستبدادية القمعية وخارت قواها، وطارت أرواح الشهداء إلى بارئها بعد أن قدمت أرواحها ودماءها رخيصة في سبيل عزة الأمة وكرامتها وأفاق العالم على حقيقة كانت مرة لا تستساغ لمعظم المتشائمين والشامتين في هذه الثورات الشعبية، وهي أن الشعوب لم تتغير في نظرتها وحبها وانتماءها لهذا الدين، وأنها مازالت تؤمن أن الحل الإسلامي هو الحل الناجع لمشكلاتهم في هذا العصر ومشكلاته.
وبعد أن رأينا تعطش الشعوب إلى الحل الإسلامي، ها نحن نرى الشرق والغرب وقد أمنوا أن الشريعة الإسلامية هي الوسيلة الأصلح لمشكلات عصرنا الحالي في جميع الميادين ونواحي حياتنا اليومية، اليوم يؤمن الغرب أن الاقتصاد الإسلامي هو الحل لمشكلاتهم التي تحيط بهم من كل جانب، فها هو بصيص النور يلمع في الأفق للوطن الإسلامي الكبير وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك.
إن المؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله، عاملون على منهاجه القويم. والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة، وقانونه الأصيل.