بلدية كابل في عامين بعد تحرير البلاد
عماد الدين الزرنجي
كان بعض الناس يتوقعون وقوع الفوضى في الإدارات الخدماتية للإمارة الإسلامية بعد الفتح؛ ذلك لأن الظروف كانت معقّدة والموظفون غادروا وظائفهم، كما تم تجميد ثروات أفغانستان في البنوك الخارجية، والبنك المركزي الأفغاني كان شبه خال. وفي مثل هذه الأزمة المحيرة للعقول كان الفشل في إدارة البلد أمرًا متوقعًا وربما حتميًا. لكن الله جل وعلا نصر الإمارة الإسلامية في هذا الميدان كسابقيه، ومهد لها المجال لتجاوز الأزمات البشرية والمالية.
بلدية كابل كانت من الإدارات المهمة التي تعاني من أزمة مالية شديدة بعد الفتح، وكانت نشاطاتها خلال الاحتلال معتمدة على المساعدات الخارجية؛ حيث كانت مؤسسات: كي ام دي بي، جاييكا وحماية الاتحاد الأروبي من المؤسسات التي كانت تدعم بلدية كابل. ومع ذلك كانت إنجازاتها قليلة وضئيلة جدًا.
وبعد فتح كابل، حرص القادة على تنشيط وتحريك عجلة الحياة في الشعبات المختلفة في بلدية الولاية وفتح أبوابها لخدمة المواطنين. وبفضل القيادة الرشيدة التي حظيت بها البلدية بعد الفتح تحققت إنجازات كبيرة قلّ نظيرها في مدينة كابل؛ حيث حدثت ثورة في بناء العاصمة الأفغانية، وتحققت إنجازات كبيرة في مدينة كابل غيّرت وجهها واستجلبت أنظار الجميع في العامين المنصرمين.
تأتي أهمية هذه الإنجازات في أنها قائمة بحد ذاتها مستندة على العوائد الداخلية وليس على المساعدات الخارجية، كما كان الحال في السابق في عهد الاحتلال. فخلال العامين المنصرمين لم تستلم البلدية حتى دولارًا واحدًا من الجهات الخارجية. ورغم ذلك استطاعت إنجاز عشرات المشاريع المهمّة والحيوية في مدينة كابل أثارت إعجاب الموافقين والمخالفين.
إن مصدر جميع الخدمات التي قدمتها البلدية -بعد فضل الله وتوفيقه- يعود إلى عمدة كابل فضيلة الشيخ عبدالرشيد الذي لا يعرف الكلل والملل، ولا التعب والكسل في مجال تقديم الخدمات إلى المواطنين في كابل.
أما بالنسبة للخدمات التي قدمت خلال العامين المنصرمين من قِبَل القيادة الجديدة للبلدية، فالحديث يطول ولا يمكننا حصرها في هذه المقالة القصيرة، لكننا سنحاول الإشارة إلى أهم النشاطات والإنجازات والمشاريع قدر المستطاع.
في مجال تحديث وتطوير الطرق
كان إنشاء الطرق خلال الاحتلال يعد من أصعب الخطط وذلك لوجود مافيات تمانع تطبيق المشروعات؛ لذلك لم تستطع البلدية تطبيق كثير من المشاريع في هذا المجال. لكن الله كسر شوكة المافيات وأمراء الحرب ببزوغ فجر الإمارة ومهد لها الأرضية للإعمار والبناء. فبدأت بلدية كابل تنفيذ أضخم مشاريع إعمار وتحديث وتطوير الطرق في مدينة كابل.
كانت هناك طرق عديدة مغلقة من جانب أمراء الحرب وكان الشعب يُمنع من الدخول إليها خلال العشرين سنة الماضية. فأزالت البلدية الحواجز الأسمنتية وفتحت تلك الطرق وقامت بتطويرها وتحديثها؛ مما أثار إعجاب المواطنين وجعلهم يأملون في مستقبل مشرق في ظلال النظام الإسلامي.
ولأن مدينة كابل منذ أمد بعيد تعاني من أزمة خراب الطرق؛ خصصت بلدية كابل أكثر ميزانيتها لبناء الطرق وتحديثها. حيث تجاوزت ميزانيتها التنموية في قسم إعمار الطرق وتحديثها ثمانية مليارات أفغاني خلال العامين الأخيرين بعد الفتح. ونتيجة لهذه العناية البالغة شاهد المواطنون إعمار آلاف الكيلو مترات من الطرق الجديدة في قلب مدينة كابل. وقد ركزت البلدية في العام الجاري على إعمار الطرق الدائرية لما لها من أهمية بالغة في حل أزمة المواصلات والقضاء على الازدحام والتكدس المروري، بالإضافة إلى مساهمتها في جذب الاستثمارات والتوسع في إنشاء المناطق الصناعية المتعددة. منها طريق (ذاكرين) الذي يربط شمال مدينة كابل بجنوبها وهو أول طريق دائري في هذه المدينة، وسيستغرق إعماره سنتين بتكلفة حوالي 200 مليون أفغاني.
بالإضافة إلى ذلك، طريق (كوتل خيرخانه) الذي يربط مدينة كابل بثلاثة عشر ولاية شمالية ويقلل الزحام والتكدس المروري، وفعلا بدأ تطبيقه بتكلفة تتجاوز 250 مليون أفغاني.
كما أطلقت البلدية عشرات المشاريع في مجال إعمار الطرق، إذ سيتغير وجه المدينة وستتوفر تسهيلات في مجال العبور والمرور بعد تطبيقها إن شاء الله.
إن هذا الحجم الكبير من المشاريع في مجال إعمارالطرق غير مسبوق في تاريخ مدينة كابل رغم أن البلدية كانت تحظى بميزانية إضافية من جانب الممولين الخارجيين.
في مجال الخدمات العامة
حين فتح كابل، تسلّمت الإمارة الإسلامية مدينة مليئة بالنفايات وملوثة بالضوضاء والازدحام. ولم يكن يخطر ببال أحد أن الإمارة ستنجح في حل هذه المشاكل؛ بسبب وجود تحديات عديدة، منها: أن حساب البلدية كان شبه فارغ جراء سوء الإدارة السابقة، ومغادرة كثير من الروساء والموظفون المتخصصون وظائفهم. لكن بفضل الله نجحت القيادة الجديدة في إنقاذ البلدية من الغرق والفشل في أداء مهمتها. ففي الأيام الأولى -بعد الفتح- قامت البلدية بعملية تنظيف المدينة ونقل النفايات إلى خارجها. جنبًا إلى ذلك قامت بتنظيف الأنهار التي امتلأت بالنفايات خلال العقدين الماضيين. واليوم بفضل الجهود المبذولة صارت مدينة كابل من العواصم النظيفة في المنطقة.
هذا وفي فصل هطول الأمطار كانت الطرق تجري كالأنهار وهذا ما سبب إغلاق الطرق وتكدس العبور والمرور. أما خلال العامين المنصرمين، وبعد تنظيف الأنهار، انحلت المشاكل التي كان الشعب يعاني منها في عهد الاحتلال. وكان تنظيف جسر (بل سوخته) الشهير من النفايات وتطهيره من وجود مدمني المخدرات يُعد من المبادارات التاريخية لبلدية كابل.
كما كانت مدينة كابل منذ أمد بعيد تعاني من مشكلة العربات في الشوارع العامة حيث كان يزداد عددها إثر الفقر المتفشي في البلد. فكان تنظيمها من الصعب جدا. إلا أن البلدية نجحت في تنظيم هذه الظاهرة وأراحت المواطنين من مشكلة سد الشوارع إثر ازدحام العربات.
في مجال تجميل وتشجير المدينة
طبقت بلدية كابل خلال العامين المنصرمين عشرات المشاريع لتجميل المدينة وتحسينها. وبشهادة كثير من الوافدين الذين زاروا مدينة كابل قبل الفتح؛ فإن مشاريع تجميل المدينة غيرت من المدينة تغيرًا جذريًا وإيجابيًا. حيث قامت البلدية بإنارة الطرق وطلاء الجداول وإعمار الأبنية والمجسمات في الدوارات. ووقعت بلدية كابل اتفاقية مع إحدى الشركات لإنارة جميع شوارع كابل؛ إذ بتطبيقها ستزداد المدينة جمالا.
ومن جانب آخر، اعتنت البلدية بتلوين الجداول على مستوى المدينة وتفعيل إشارات المرور في الشوارع. أما إعمار الأبنية والمجسمات الجمالية في شوارع كابل؛ فكانت من المشاريع التي أثارت إعجاب واستحسان المواطنين. كما قامت رئاسة الشؤون الثقافية التابعة لبلدية كابل بإعمار أكثر من عشرة دوارات في مناطق مختلفة من مدينة كابل. من أبرزها إعمار مجسم كرة الأرض في طريق (سالنك وات) حيث كان له صدى في الإعلام العالمي.
أما مشروع تشجير المدينة فتحسن بكثير مما كان عليه في عهد الاحتلال. حيث قامت رئاسة التشجير بغرس مئات الآلاف من الأشجار والأزهار على مستوى مدينة كابل. كما قامت بتطوير وتحديث كثير من الحدائق والمنتزهات، ومهدت الأرضية لبناء الحدائق والمنتزهات الجديدة. حديقة (شهرنو) من الحدائق التاريخية والمشهورة في مدينة كابل، وكانت في عهد الجمهورية محلا للكلاب ومدمني المخدرات، ولكنها اليوم بفضل جهود البلدية صارت محلا آمنا وجميلا للمواطنين، وهكذا سائر الحدائق والمنتزهات الأخرى.
في مجال تسهيل الخدمات الإدارية
كانت الإجراءات الإدارية في زمن الاحتلال معقّدة وصعبة في بلدية كابل، وكان الفساد الإداري وتعاطي الرشوة مستشرٍ في جميع إدارات البلدية، بل كانت بلدية كابل حينئذ غارقة حتى أذنيها في الفساد، وكان يستحيل العمل الإداري بدون دفع الرشاوى. أما وصول المراجعين إلى عمدة كابل فكان من المحال، وكان أصحاب الثروات ورجال الحكم لا يصلون إليه إلا بعد إعطاء الرشاوى إلى موظفي مكتبه.
هذه الظروف الصعبة الحاكمة على البلدية جعلت الناس في أذى كبير وكانوا يبحثون عن مخرج منها.
أما اليوم، فقد شمرت القيادة الجديدة للبلدية مباشرة بعد توليها المسؤولية عن ساعد الجد في مكافحة هذه الأوضاع وفتحت أبواب البلدية أمام الجميع، حيث يمكن اليوم لأي مواطن أن يلتقي بعمدة البلدية متى شاء. ومن جهة أخرى، واصلت القيادة الجديدة مكافحتها للفساد الإداري؛ إذ طردت الموظفين المتعاطين للرشوة واستبدلتهم بموظفين أمناء نزيهين.
في مجال استعادة الأراضي المغصوبة
إن الأوضاع الأمنية غير المستقرة خلال العقود الماضية دفعت بالمافيات لاستغلال الفرصة ووضع أيديهم ظلما وبغير وجه حق على الأملاك والعقارات الحكومية والشعبية. وكانوا يتوهمون أنه لن يأتي يوم تستقر فيه الأوضاع لاسترداد هذه العقارات المغصوبة. لكن عودة الإمارة الإسلامية للحكم هيأت الظروف لاستعادة الأراضي المغصوبة. ولأن مدينة كابل كان لها النصيب الأكبر من الأراضي المغصوبة؛ فتحملت البلدية القسط الأكبر من مسؤولية استعادة الأراضي المغصوبة. حيث استعادت بلدية كابل عشرات الآلاف جريبات من الأراضي المغصوبة خلال العامين السابقين. والعملية متواصلة بشدة وعناية حتى استعادة جميع الأراضي المغصوبة.
وعوداً على بدء، فإن جهود بلدية كابل خلال عامين بعد الفتح نفخت روح الأمل في نفوس المواطنين. ويتفق جميع المواطنين وأصحاب الفضل من الموافقين والمخالفين على أن بلدية كابل تقف في مقدمة الإدارات الفاعلة في إمارة أفغانستان الإسلامية. وستتمكن بلدية كابل في المستقبل القريب من إيصال كابل إلى قائمة العواصم الراقية بإذن الله. وماذلك على الله بعزيز.