بل عجزوا وأعجَزتهم الإمارة الإسلامية!
سيف الله الهروي
ادّعى الرئيس الإمريكي دونالد ترامب في لقائه مع رئيس الوزراء الباكستاني أخيرًا أنّه بإمكان الولايات المتحدة الإمريكية تحتيم النّصر في أفغانستان خلال أسبوع لكنّها لا تريد قتل عشرة ملايين من الشعب الأفغاني!
ما قاله الرئيس الإمريكي ترامب في الحقيقة كان من أحلام القادة المجرمين في واشنطن منذ أن قاموا باحتلال هذا البلد، لكن قادة الإمارة الإسلامية في أفغانستان لم يأذنوا لهم أن يتحقق هذا الحلم في السابق ولن يأذنوا لهم أن يحققوه في المستقبل.
الحلم الذي يراه الأمريكان هو أن يخرج مقاتلوا طالبان من خنادقهم في القرى والبوادي والجبال، فيسيطروا على المدن الكبار ثم يتسلل إلى صفوفهم بعض العناصر العميلة للأمريكان فيحكموا بشدة وعنف، ويعلنوا الحرب على العالم كلّه، ليسهل للإمريكيين الاحتشاد العسكري الدولي ضدهم، فيقصفوا المدن الحاضنة لهم، ويسووها بالتراب كما قاموا بذلك في بعض المناطق الأخرى من العالم الإسلامي، فيدمروا مدنا على المدنيين تحت مرأى ومسمع من العالم بحجة محاربة الإرهاب غير ملومين.
هذا هو قصد ترامب من مقتل عشرة ملايين من الشعب الأفغاني، لكن قادة الإمارة الإسلامية لم يأذنوا أن يتحقق للإمريكيين هذا الحلم حيث تركوا المدن وانتشروا في شكل جماعات منظمة مرتبطة في أنحاء أفغانستان، وقاموا بشنّ أطول حرب عصابات وأشرسها في التاريخ، واستهدفوا خلال هذه المدة الطويلة قواعد الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان، كما سعوا من جانب آخر بتحسين علاقاتها مع دول مجاورة لها، لذلك دامت الحرب واستمرت لمدة أكثر من عقد ونصف، وهذه الحرب كلّفت الأمريكيين خسائر في الأرواح والأموال، وتعتبر حسب تصريحاتهم أكثر الحروب صعوبة وأشدّها إنهاكا، حيث قتل أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، وعشرين ألف جريح، والتكلفة المادية ناهزت السبعمائة مليار دولار حسب إحصائياتهم، ولا شك أن العدد الحقيقي يفوق ذلك بكثير، ويعلم الأمريكيون أن هذه الحرب لو استمرت فسوف تكلف الأمريكان خسائر أكبر وأكثر في الأرواح والأموال في قادم الأيام، وترسم لها مستقبلا كمستقل الاتحاد السوفياني، فليس الآن أمامهم سبيل إلا الانسحاب من أفغانستان.
ولذلك يعود الحديث الإمريكي عن الانسحاب مع حدث وآخر، والحديث عن الانسحاب الأمريكي مضى عليه أكثر من عقد من الزمان، وما كانت تصريحات الرئيس ترامب وليدة اليوم، وإنما العمل عليه قد بدأ فعليا منذ عام 2009 م. إلا أن الانسحاب لن يكون سهلا، لأن هذا الانسحاب يكتب هزيمة للأمريكان، والهزيمة يصعب قبولها على قادة الأمريكان، لقد دفع هذا العجز تجاه طالبان أن يطلق رئيسهم بعد ثمانية عشر سنة الكلام الفارق بأنهم لو أرادوا لقدروا على إنهاء الحرب خلال أسبوع ولكن بعد مقتل عشرة ملايين من الشعب الأفغاني، والحقيقة أنهم أرادوا هذا، وأرادوا تدمير مدن افغانستان وقتل أكثر عدد ممكن من الشعب الأفغاني، لكن ذكاء قادة الإمارة الإسلامية وتضحيتهم وجهودهم وإيثارهم وإخلاصهم وثباتهم واستقامتهم حال دون ذلك.
فقد قرأت الإمارة الإسلامية المشهد السياسي والعسكري والإقليمي والعالمي جيدًا، وتفهم الواقع بحنكة فلم تؤثر النفس القصير على النفس الطويل ولم تكن رؤيتها ضيقة ومقتصرة على ميادين القتال، ولم تحاول إلى فتح جبهات معادية لها في البلاد الإسلامية، بل اعتمدت في هذا الوقت الطويل سياسة النفس الطويل وأقرته منهاجا للحركة بحيث أدى في النهاية إلى جلوس الإمارة الإسلامية مع واشنطن لتملي شروطها.
ومن جانب تقدمت الإمارة الإسلامية في المهارات القتالية نتيجة الحروب المتتالية وانتقالها من ميدان إلى آخر، وتميّزت بفنون الحرب جيدًا، وقد أتقنت فن الانسحاب والتراجع، وأتقنت فن السيطرة على المواقع الاستراتيجية، والمداهمات الليلية، وساعدتها على ذلك معرفتها الوطيدة بالطبيعة الجغرافية للأرض الأفغانية فاستطاعت السيطرة مرة أخرى على أراضيها واستطاعت هزيمة القوات الإمريكية وإلحاق الأضرار بمعداتهم وقواتهم.
إن هذا النضوج الفكري والدهاء السياسي، والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد المعتمد على سياسة النفس الطويل، هي التي أعجزت واشنطن من أن تكسب الحرب في أفغانستان ولم تترك أمام قادتها اليوم إلا الكلام الفارغ الذي يتمنون لو أنهم ظفروا بتدمير أفغانستان لكنهم لم يظفروا به ولا يظفرون به إن شاء الله.