بندقية محمود
حافظ منصور
قفز محمودٌ فرحًا مسرورًا، وركض إلى المطبخ، وأخذ يقبّل أمّه على يديها ورأسها، ثم خرج مسرعًا إلى غرفة والده، ليزفّ إليه نبأ نجاحه الكبير في الابتدائية.
ضمّه والده إلى صدره، وقبّله على جبينه، وهو يقرأ شهادته ودرجاته العالية:
الرياضيات: الدرجة النهائية.. وكذلك اللغة العربية والعلوم .. و .. كم أنا فخورٌ بك يا محمود، لك منّي أفضل هدية. وأنت عليك أن تختارها..
ضحك محمود بصوت عالٍ، وأخذ يذْرعُ الغرفة ذهابًا وإيابًا، وهو يضعُ إبهامه على جبينه مفكّرًا..
قال أبو محمود: سنذهب معًا إلى دكّان الألعاب لتختار منها ما تشاء..
في دكّان الألعاب، زاغ بصر محمود، وهو ينقّل نظره هنا وهناك، ألعاب كثيرة، ملوّنة، كبيرة وصغيرة، السيارات والطائرات وسلاحف أبطال (النينجا)، ولكنهم من (الكرتون) في برامج الأطفال.. وفجأة رأى في زاويةِ الدكّان بندقية كبيرةً كأنها حقيقية.. ثبّت نظره عندها، وأشار بهدوء:
– أريد هذه البندقية..
قال أبو محمود:
– ولكن هناك الأجمل منها يا بني..
أجاب محمود:
– ولكنها الأغلى عندي من كلّ هذه الألعاب..
ظهرت الدهشة على وجه أبي محمود، من إصرار محمود على هذه اللعبة البسيطة.
اقتربَ محمود من البندقية الخشبية وأخذها، وضمّها إلى صدره وقبّلها، ثم التفت إلى والده قائلًا:
– يا أبتِ إنني أسمعك دائمًا كلَّ صلاة تدعو الله أن يخزي اليهود والنّصارى والمحتلين الذين غصبوا أرضنا وديارنا، ويقتّلون الأطفال والنساء، والشيوخ والعجزة، ويردّك منهم مرفوع الرأس، وسأحقق لك أمنيتك إن شاء الله.
ابتسم أبو محمود وقال:
– بهذه البندقية الخشبية ستحقق حلمي؟!.
هزّ محمود رأسه فرحًا وقال:
– سأتدرّب عليها حتى أكبر، ألم يأمرنا أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بتعلّم الرمي والسباحة وركوب الخيل؟ سيأتي يومٌ أجعل فيه من هذه البندقية الخشبية بندقية حقيقية، وأجاهد بها في سبيل الله، حتى أحرّر أرضي الطاهرة كلها أو أحرس من ثغورها بعد الفتح مع أصدقائي الذين سيكبرون معي، ويحقّقون حلم آبائهم.
احتضن أبو محمود ابنه، والدموعُ تغسل وجهه، وأخذ يقبّله على جبينه وعلى بندقيته الخشبية، ومن أصابعه التي تضغط على زنادها.