بيان وفد إمارة أفغانستان الإسلامية حول العلاقات الأفغانية الروسية
أفغانستان وروسيا تربطهما علاقات منذ أمد بعيد؛ وذلك بسبب القرب الجغرافي بينهما، والعلاقات والروابط السياسية بين دول المنطقة والجوار أمر حتمي وواقع لا يمكن التغاضي عنه، وكما أن الجيران يجمعهم المصالح والمكاسب، ويشتركون في الأضرار والخسائر، فكذلك الدول تسعى كل واحدة منها أن تقيم علاقات إيجابية مع جيرانها.
وعلى هذا الأساس فإن أفغانستان وروسيا كونهما بلدين قريبين كان بينهما نوعاً من أنواع العلاقات طيلة ما يزيد عن القرنين، إلى أن توطدت العلاقات في عام 1919م وتم تبادل السفراء بين البلدين، ولو ألقينا نظرة عابرة على تاريخ علاقات المائة عام، نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
من عام 1919م إلى عام 1950م كانت العلاقات مبنية على أصول الاحترام المتقابل، وعدم التدخل، والحيادية تجاه الشئون الداخلية لطرف الآخر، وفي نظرة شعبنا فهذه المرحلة كانت المرحلة المثالية للعلاقات الثنائية، وحينما حصل الأفغان على استقلالهم من الإنجليز عام 1919م رحب حكام روسيا بذلك، واعتبروه انطلاقة لتحرير الشعوب الشرقية من الاحتلال الغربي.
وفي شهر أغسطس عام 1926م تم توقيع معاهدة الاحترام المتقابل، والحيادية، وعدم الاعتداء بين دولة أفغانستان وروسيا، وهذا كان تطور إيجابي في هذه العلاقات، وبذلك اطمأن شعبنا المضطهد من الجار الشمالي، وفيما بعد تم تأييد هذه المعاهدة وتمديدها من قبل حكام أفغانستان (محمد نادر شاه ومحمد ظاهر شاه) حيث كان لها أثر جيد على الروابط الثنائية بين البلدين.
المرحلة الثانية من العلاقات الأفغانية الروسية بدأت عام 1950م، حينما فتح باب التعاون الاقتصادي بين البلدين، في هذه السنوات وضع أساس الاستراتيجية الاقتصادية في أفغانستان، وبدأ العمل بتنفيذ أكثر من 140 مشروعاً، من ذلك بناء الطرق السريعة التي ربطت المناطق النائية والبعيدة بالعاصمة كابل.
ومن هذه المشاريع أيضاً: إنشاء مزارع البرتقال والزيتون ونظام ريها في جلال آباد، وتأسيس جامعة بولي تكنيك، وصومعة الحبوب والتخبيز، ووحدات سكنية في منطقتي “قصبة وميكرويان” بكابل، وشق نفق سالنك، وإنشاء شركات توليد الكهرباء المتعددة وغير ذلك…
ووفق بحوث عدد من المتخصصين فإن الاتحاد السوفيتي وعلى رأسه روسيا قدمت لأفغانستان دعماً مالياً يتجاوز مليار دولار بين عامي (1950م -1960م)، وتعد هذه المرحلة من أهم المراحل في بناء البلد وتطويره وتأسيس بنيته التحتية، لكن المؤسف أن حكام الاتحاد السوفيتي آنذاك بدأوا في بث أفكارهم ونفوذهم السياسي في أفغانستان، وأعقب ذلك المرحلة الثالثة من العلاقات بين البلدين، وهي مرحلة التدخل السياسي وفي إثره الغزو العسكري المباشر، ونتيجة ذلك بدأ دور الجهاد والقيام الشعبي ضد الاحتلال، وفي هذه المرحلة لحقت بأفغانستان وروسيا خسائر فادحة، وتفكك الاتحاد السوفيتي إلى أجزاء.
لو اعتبرنا التاريخ دليلاً للمستقبل ومرجع العبر والعظات، سنجد أن المرحلة الأولى من العلاقات بين أفغانستان وروسيا التي كانت مبنية على أصول الاحترام المتقابل وعدم التدخل منحت كلا البلدين التقدم، والرقي، والأمن، والاطمئنان. أما المرحلة الأخيرة التي لم تراع فيها الأصول المذكورة آنفاً كانت لها عواقب وخيمة على مستوى المنطقة والعالم إضافة إلى الخسائر الباهظة التي لحقت بالبلدين.
علينا جميعاً أن نتعلم من التجارب السابقة وندرك بأن العلاقات الناجحة بين الجيران هي التي تضمن المكاسب والمصالح للجميع، وعلى كل طرف أن يسعى في تحقيق مصالحه من الطرق القانونية ومن دون أن يهدد مصالح الآخرين.
إن إمارة أفغانستان الإسلامية تريد إقامة علاقات إيجابية مع دول الجوار والمنطقة والعالم، فلا تسمح لأحد أن يستخدم أرض أفغانستان في الإضرار بالآخرين، ولا تتحمل أن تمد إليها من الخارج أيدي الضرر والخراب، ويجب أن تكون العلاقات مع روسيا الفدرالية في المستقبل مبنية على أصول تحقيق المصالح الوطنية للبلدين وعدم التدخل، كي لا تتكرر التجارب المريرة والفاشلة مرة أخرى، ويتم اختيار سياسة التعامل الإيجابي المبني على إيصال الخير للآخرين.
ومن الله التوفيق،،،.
المولوي أمير خان متقي رئيس مكتب مقام الإمارة الإسلامية
23/9/1440هـ ق
۷/۳/۱۳۹۸هـ ش ــ 2019/5/28م