بين الثمن والثمر
سيف الله الهروي
مما يقال ويعترض به على الإمارة الإسلامية في أفغانستان، أنها دفعت الثمن بعدم تسليم بن لادن للولايات المتحدة الأمريكية، فذهب حكمُها، وحوربت عشرين سنة، وو… لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذتْ وجود ابن لادن في أفغانستان مجرد ذريعة لاحتلال أفغانستان وتدمير الإمارة الإسلامية فيها، وإحلال نظام جمهوري فاسد محلها، كما صرح بذلك الكثيرون من رجال المخابرات الأمريكية. فالمخابرات الأمريكية قررت احتلال أفغانستان سواء سلمت الإمارة الإسلامية ابن لادن أو لم تسلمه، ولو سلمت ابن لادن، لانتقلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرح مطالب وضغوطات أخرى كما هو دأبها في التعامل مع الكثير من دول المنطقة والعالم. لكن أجادت الإمارة الإسلامية وأحسنتْ لما رفضت أول مطلب غير شرعي للأمريكان، ودفعت الثمن. فإنْ كانتِ الإمارة الإسلامية دفعتْ بعدم تسليم بن لادن ثمناً كبيرا وأبعدتْ عن الحكم، وحوربت عشرين سنة، واستشهد عدد كبير من خيرة قادتها، وقضى الكثيرون من أبطالها المغاوير نحبهم في المعارك ضد الأمريكان، واستشهد البطل المجاهد «داد الله» الذي كان بمثابة روح للإمارة الإسلامية، واغتيل أميرها أمير المؤمنين الشيخ الملا أخترمحمد منصور، ودُمرت مساكنهم وقراهم ومناطقهم تحت القصف، واستعمل الإعلام المنافق كل سبل الدعاية لتشويه سمعتهم وعرضهم؛ فإن الثمرة الذي حصلتْ عليها مقابل هذا الثمن الكبير كان أغلى وأعظم، لا مثيل في أسواق العالم، وهو مما لا يباع ولا يشترى، بل يضحى من أجله.
فلو استسلمت الإمارة لأوامر الأمريكان آنذاك لصارت خاضعة للأمريكان، مطيعة تابعة لهم كسائر الحكومات في العالم الإسلامي، لكن قادة الإمارة الذين يحكمون أفغانستان اليوم هم أسيادُ أنفسِهم، وسادةُ شعبهم، أحرارٌ في قراراتِهم ومواقفهم، يحكمون البلد من غير أن يفرض عليهم أجنبيٌّ إرادتَه أو يتدخّل في شؤونهم، ولا شك أن هذه ثروة كبيرة لم تحصل عليها دول وممالك في العالم، ناهيك عن الدول الفقيرة في العالم الثالث، ولا شك أن هذه ثمرة كبيرة بعد ذلك الثمن الكبير، وبين ذلك الثمن وهذه الثمرة تضحيات وجهود ومساع ودماء زكية ودموع طاهرة فاضت في الأسحار.