تأملات في كلمة سماحة أمير المؤمنين حفظه الله
محمد إدريس
أتى عيد الأضحى المبارك على الشعب الأفغاني في ظل الإمارة الإسلامية وهي تخطو خطواتها نحو عامها الثالث. وأقيمت صلاة العيد في مشارق أفغانستان ومغاربها، بأمن وسلام مثل العام الماضي. وتم الاحتفال بهذا اليوم بفرح وسعادة. وثبت للجميع بأن أفغانستان الآن آمنة مستقرة بعيدة عن المشاكل الأمنية التي كانت تعانيها البلاد تحت ظل الاحتلال وحكم العملاء، وأنها دخلت في سلك الدول الآمنة على المستوى الدولي والإقليمي. ولاشك أن الإنجاز المرموق للإمارة الإسلامية خلال السنوات الثلاث الماضية هو بسط الأمن الشامل والاستقرار الدائم والذي كان يفتقدهما الشعب الأفغاني في أنحاء البلاد طوال أربعة عقود متتالية.
وما زاد العيد أهمية للشعب الأفغاني؛ كلمة فضيلة الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله ورعاه- حيث ألقاها بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك لهذا العام 1445هـ، ناصحاً فيها الشعب الأفغاني والمسؤولين في آنٍ واحدٍ. وفيما يلي نتأمل شيئاً مما جاء في كلمته بهذه المناسبة، والتي أضاءت الطريق للجميع -بما فيهم الحكام والرعية- ولم يترك عذرًا لأحد في مهامه ومسؤوليته.
حيث أكد فضيلته على ضرورة توحيد الكلمة، مضيفًا أنّه يفضّل أن يستقيل من منصبه لو كان بقاءه فيه يؤدي إلى التفرقة والشقاق، واعتبر الحكم دون الوحدة سياسة فرعونية وشيطانية.
وهذا الأمر يستغله المعاندون والمعارضون ويجعلونه دليلًا على وجود اختلاف بين مسؤولي الإمارة الإسلامية!
فنقول لهم: إن اختلاف الرأي أمرٌ طبيعي بين أفراد الأسرة مما ما يؤدي إلى تقوية الأسرة وتقدمها وليس جديدًا، أما الاختلاف بمعنى الشقاق والتفرق فهو -بحمدالله وتوفيقه- غير موجود بين المسؤولين، والذي يقصده الشيخ -حفظه الله- بكلامه؛ أنه يمقت الشقاق حتى وإن أدى ذلك إلى تنحيه عن الحكم، وبذلك لقّن المسؤولين في جميع دول العالم -خاصة من هم على رأس الأمر- درسًا قيمًا ووعظاً مثالياً، مؤكدًا لهم أنّ هناك العديد من الرؤساء والقادة التصقوا بعروشهم؛ وشعوبهم بين موافق ومخالف، وبذلك أكّد أنه لا يستطيع أن يرى الشعب مختلفًا فيه، وأنه يرجّح وحدة الشعب على أي شيء يتعلق بنفسه.
وأشار إلى أنّ النظام الإسلامي ينجح في مسيره إذا توفّرت فيه وحدة الكلمة ووحدة الصفوف، وأن النجاح دونهما محال.
وممّا أكد عليه في كلمته، ضرورة نصح أي مسؤول وُجد به عيب؛ في الخفاء، وأن لا نأتي بعيبه على مسمع ومرأى من العالم كما أصبح شائعا بين الناس، فهم يصرحون بالعيب عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبذلك ربما يحرفون الرأي العام أو يتسبّبون الإضلال وتحريف الأذهان.
وأشار إلى الحديث الشريف “الدين النصيحة”، مؤكدا أن إعلان العيب ليس من النصح لأخيك المسلم، بل إنه يجعل أخاك مشينًا ومنكسرًا ولا يصلحه ولا يعود عليه بالخير والسعادة، بل ربما جعله يحمل في قلبه ضغينة عليك، والسبيل الوحيد لذلك أن تنصحه في الخفاء وترشده إلى الصواب.
ومن ينكر في عالم السياسية أنها أمر شائع بين السياسيين في مختلف البلاد، فهم كلما عثروا على عيب في منافسيهم يسارعون إلى الإعلان عنه دون أي تردد، بل يتربصون لذلك ويبحثون عن عيب وربما حملتهم الضغينة على الاتهام والتشكيك، ووسائل التواصل الاجتماعي -التي أبوابها مفتوحة على مصراعيها- زادت الطين بلة وزادت الأمر سوءًا وعقّدت المشكلة وجعلت الناس يرمون بعضهم بعضاً دون حياء واحتشام.
وكذلك حذّر المسؤولين من الكبر والترفع على الشعب، واعتبرهم خادمين للشعب في كل حال، وهو بهذا أظهر أنّ المنصب في الإمارة الإسلامية ليس للفخر والخيلاء وإنما هو وسيلة للخدمة ومسؤولية ملقاة على الظهر سيُسأل عنها صاحبها في الدنيا والآخرة، بينما المناصب والمقاعد في مختلف البلاد ليست كذلك وإنما هي للتفاخر والتناحر.
ومن الأمور المهمة التي أشار إليها فضيلته كانت حال مسؤولي الحكومة السابقة ومن سبقهم في الحكم والزمان، الذين سايروا العالم المعاصر، وأحاط بهم الفساد والفوضى، حتى بقيت الحكومة كأنها رسم مخطط وحبر على الورق، والمسؤولون فيها جُنّوا بالمال وفُتنوا بالسلطة وهلكوا بحب الدنيا، وابتُلوا بأنواع الأمراض وغلبت عليهم شهوة الكبر والترفع على الشعب المسكين، وآمنوا بحظوظ أنفسهم فامتصوا خيرات البلاد.
ما أشدّ حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نجدد في سياساتنا، ونأخذها من ناحيتها، وأن نجعلها دينية، وأن لا نعبأ بما يطرحه الأغيار من أهل الغرب والشرق، فالطريق واضح والعقيدة ساطعة، لا غموض فيها، وأنعم الله علينا بدين يحتوي كل ما نحتاج إليه من سلوك وتعامل وثقافة وسياسة. وعلى هذا، جاءت الإمارة الإسلامية، بوصفها إسلامية، لتكون مختلفة عن الحكومات الموجودة على ساحة العالم، ولن تكون مختلفة إلا إن سارت مسير الإسلام، والإسلام يرفض هذه الأمور الثلاثة التي ركز عليها فضيلة الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله ورعاه- فجاء بهذه النصائح في زمانه و مكانه. جزاه الله عن الشعب الأفغاني وعن جميع المسلمين خير الجزاء.