مقالات الأعداد السابقة

تباين الموقف الأمريكي من السلام الأفغاني

أ. وصيل

 

بعد سبعة عشر عاما من الحروب الطاحنة، والجرائم والمجازر المتوالية وإنفاق مئات المليارات من الدولارات لم تحرز أمريكا أي انتصار ملحوظ أمام مجاهدي الإمارة الإسلامية والشعب الأفغاني الأبي، فاضطرت إلى الجلوس على طاولة المفاوضات وهذا انتصار تاريخي عظيم وإنجاز كبير للإمارة الإسلامية سياسيا وإعلاميا.

فإن أمريكا جاءت إلى أفغانستان لاجتثاث جذور الجهاد والمجاهدين والطالبان، ولم يكن يخطر ببالها أنها يوما ستلجأ إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع “الطالبان”.

نعم! وبلا شك هذه الجلسة كانت بداية مرحلة حساسة وفترة حرجة للحرب السياسية لتسعى الإمارة الإسلامية للحصول على حقوقها المشروعة، وحصد ثمرة جهاد طويل للمجاهدين وتضحياتهم الجسام.

وقال المتحدث الرسمي لإمارة أفغانستان الإسلامية “ذبيح الله مجاهد” _حفظه الله_ في تصريحات أرسلها لوسائل الإعلام:

((جرت مفاوضات بين مندوبي الإمارة الإسلامية السياسيين وبين الأمريكيين في أبوظبي بمشاركة من مندوبي ثلاثة دول إسلامية والتي اعترفت بحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية إبان حكمها، (باكستان والسعودية والإمارات).

وكانت مركزة على انسحاب القوات الخارجية من أفغانستان، ومبادلة الأسرى وإيقاف خسائر المدنيين، كما تم توزيع تقرير وثائقي على المشاركين حول خسائر المدنيين في هجمات القوات الأجنبية، وطولب بشدة وقفها، كما تمت المطالبة بالتعامل الإنساني مع الأسرى وتم طرح مطالبة إطلاق سراحهم.

ووفقا للسيد “ذبيح الله مجاهد” _حفظه الله_ : إن موقف الإمارة الإسلامية كان واضحا من قبل حول وقف إطلاق النار، والمفاوضات مع نظام كابول، والحكومة الموقتة والإنتخابات وغيرها من المسائل الداخلية أنه لن يتم البحث عنها، لأن رأس جميع المشاكل والعقبة الكؤود أمام السلام هو احتلال أفغانستان، ويجب أن ينتهي قبل كل شيء.))

ووفقا لمصادر إعلامية محلية إن مندوبي الإمارة الإسلامية شاركوا في جلسة “أبو ظبي” بمعنويات عالية والشعور بحس الانتصار في ميدان المعركة ولم يقتنعوا إلى النهاية ليلتقوا بوفد “إدارة كابول” العملية أو يوافقوا على مشاركتهم في المفاوضات.

وفقا للمصدر أن “شير محمد عباس ستانكزاي” صرح في حديثه: إن الأفغان يريدون نظاما إسلاميا، ويرفضون التدخل الخارجي، ونحن نؤكد لكم جميعا أن الموضوع الأساسي بيننا هو انسحاب القوات الخارجية، ولا يمكن فتح أي ملف قبل انسحابها.

وأضاف ستانكزاى : أريد أن أذكر كلمة أخرى علكم سمعتم عن وسائل الإعلام أنه قد زادت وتيرة المداهمات والعمليات الليلية التي تستهدف المدنيين في البلاد، وتقتل فيها النساء والأطفال، وتدمر القرى بأكملها، فيا “خليل زاد” يجب أن توقفوا استهداف المدنيين.

قال خليلزاد: أنتم تريدون أن ننسحب من أفغانستان فماذا تعطوننا بدله؟

فأجابه أحد أعضاء وفد “طالبان” المولوي “أمير خان متقي”: يا خليلزاد، إننا نطمنكم عن مستقبل أفغانستان فقط، وليس معنا شيء آخر لنعطيكموه، لأنكم هدمتم منازلنا، وخربتم بلادنا وسلبتم أمننا، وغصبتم أرضنا وجونا، ونحن نطلب عنكم حقنا هذا، وإن كنتم تأتون إلى بلادنا فلا تأتوا في الزي العسكري بل ائتوا في البدلة الديبلوماسية والملابس التجارية.

يا “خليل زاد” إن الأفغان يراودهم سؤال خطير، أنه بالتزامن مع المفاوضات كثفت أمريكا غاراتها الجوية، ما ذا يعني هذا؟ هل تريدون السلام حقا؟ وإن كنتم تريدون الضغط على الشعب الأفغان عن طريق هذه الغارات؟ فهذا يعني أنكم لا تريدون الحل السلمي، وقد استخدمتم هذه الأساليب طوال سبعة عشر عاما، فهل أغنت عنكم شيئا؟ ولا شك أن الجواب منفي، فالناجحون لا يكررون التجارب الفاشلة، وعند ما عزمت على السفر أتتني مئات الرسائل من بين الشعب أن تكثيف الغارات الجوية نتيجة المفاوضات لأن الأمريكيين يريدون اكتساب الحرب عن طريق الضغط العسكري.

خليلزاد: نحن لا نقوم بعمليات القصف، هذه عمليات تقوم بها الحكومة الأفغانية وهي راضية بها.

متقي: وأنتم من زودتم الحكومة الأفغانية الطائرات والقنابل وأجهزة القتل والدمار، وإن لم تكن لديكم معلومات حول المجازر والعمليات الوحشية الأخيرة فبامكاننا أن نتيح الفرصة للصحفيين وفرق حقوق البشر ليذهبوا إلى هناك ويجمعوا المعلومات الموثوقة.

بالأمس دمرتم وأحرقتم سوقا كاملة في “جرمسير” بولاية “هلمند” وقبل الأمس قصفتم قرية بأكملها في ولاية “كونر” وأبدتم من فيها، وقبل ذلك قتلتم 24 إنسانا من أسرة واحدة في مديرية “جرمسير” بولاية “هلمند” فقط من أجل أنه وقف طالب مجاهد أمام منزلهم على الشارع وتكلم مع أحد، ولدينا وثائق وفيديوهات عن هذه الجرائم وبإمكاننا أن نعطيكموها الآن.

(وجدير بالذكر أن طالبان وزعت تقريرا وثائقيا باللغة الإنجليزية عن موضوع خسائر المدنيين على المشاركين والذي تم فيه توثيق الجرائم الأمريكية الأخيرة في مختلف أنحاء أفغانستان.)

وأضاف “متقي” _حفظه الله_: أعيرونا سمعكم، نحن مستعدون في المستقبل لصد أي ضرر من أفغانستان ونطمنكم كاملا، نحن الآن نحكم على 70% من أرض أفغانستان، فإن كنا أردنا إضرار الآخرين خارج أفغانستان فبإمكاننا أن نؤذيه عن الأرض التي نحكم عليها الآن، ولكن لنا موقفا، ونريد العلاقات الودية مع الجوار والعالم، ونبحث عن الحل الأساسي للقضية.

يا “خليل زاد” نحن شعب نحب السلام، ولكنكم احتللتم بلدنا بقوة b52، فهو مضطر ليدافع عن نفسه ويقارعكم، ونحن نريد السلام بلا شك.

وفي مرحلة أخرى من المفاوضات ذكر خليل زاد موضوع الأسرى الأمريكيين لدى طالبان، فأجابه عباس ستانكزاى قائلا: إن ملف الأسرى مهم جدا، لكم أسيران فقط والذان تعدونهما مختطفين، ويجب أن تتوقف المداهمات التي تشنها القوات الأمريكية والأفغانية كل ليلة على منازلنا، وتقتل وتخطف العشرات يوميا ونحن مستعدون لصفقة التبادل، ويجب أن يركز “خليلزاد” على تبادل الأسرى، فإن هناك معتقلين كملت مدة اعتقالهم، وكثير منهم مسنون، وكثير منهم لحقتهم أمراض خطيرة، وكثير منهم ليس لهم ملفات، ونرجو أن نرى تقدما في هذا المجال.

إن مفتاح السلام بأيديكم ويجب أن تكون المفاوضات لانهاء الحرب التي استمرت 17 عاما، لا أن تصبح مشروعا تجاريا، يبحث فيها كل أحد عن مصالحه، ونحن مستعدون كاملا للسلام، ولكن السلام الحقيقي السرمدي، ويلزم لذلك انسحاب الأجانب من أفغانستان.

وقال له المولوي “أمير خان متقي”: اعلم يا خليلزاد أنها حرب عقيدة، وأننا لو استسلمنا جميعا أمامكم فلن تنتهي هذه الحرب ما دمتم محتلين لبلدنا، فإن كنتم تريدون إنهاء الحرب فعليكم بالانسحاب.

أكدنا فيما مضى ونؤكد مرة أخرى: أننا لا نقبل وجود أمريكا في أفغانستان، حتى لو بقي جندي واحد هنا لن يستتب الأمن، ولا يمكن حل أي مشكلة قبل الانسحاب الكامل، فيجب أن نتفاوض قبل كل شيء على الانسحاب، فإن إنهاء الاحتلال هو الحل الأساسي، ومبادلة الأسرى، وإنهاء القائمة السوداء، والاعتراف بالمكتب يجب القيام بها لايجاد جو من الثقة.

ونحن ننفق على أسرى الجانب المقابل، نعالجهم، نطعمهم أفضل الطعام، ولكن الجانب المقابل لا ينفق على أسرانا، وخاصة الأسرى الذين لا يسمح أي قانون باعتقالهم، ويجب التنبه لحقوق البشر، إننا أطلقنا سراح كثير من الأسرى بعد عيد الفطر في فراه، وغزنة، وهلمند والولايات الأخرى، حتى أطلقنا سراح أسرى كتيبة كاملة، وعليهم الآن أن يطلقوا سراح أسرانا.

فأضاف خليلزاد: أريد أن أوضح أشياء، إن طالبان لديها قلق عن التواجد الأمريكي، ويجب تحديد الجدول الزمني للانسحاب، ويجب ضمان الإرهاب، نحن نريد الضمان، وقد قال رئيسنا “ترامب” هذا.

ثم قال مندوب الطالبان: إن ضمان الإرهاب خط أحمر لكم، والانسحاب خط أحمر لنا، ويجب أن نركز على هذين الأمرين.

إن إنهاء الحرب الراهنة عن طريق المفاوضات والبحث السياسي أمر ليس بالسهل كما يتوقع، بل يحتاج إلى وقت كثير ودقة كبيرة بدلا من الخطوات العاجلة والقرارات السريعة، ويحتاج إلى صدق.

ولكن موقف أمريكا تجاه السلام لازال متباينا ومتناقضا، وهي مترددة في أمر السلام، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فمن جهة يسافر “زلماي خليلزاد” للبلاد المختلفة ويفاوض أعضاء المكتب السياسي للإمارة الإسلامية بحثا عن السلام، وبالتزامن معه يصعدون الحرب ويكثفون الغارات الجوية والعمليات العسكرية، ويقتلون عشرات الأبرياء يوميا، وإن غاراتها ومداهماتها على المناطق تثير شكوكا حول عزمها على السلام، إذ لو كانت أمريكا تريد السلام فلتكف أذاها عن الأبرياء المدنيين، وإن كانت تنشد السلام فالسلام لا يستتب بالوحشة والهمجية.

ورغم تكثيف الجرائم والمظالم والغارات الجوية وقتل عشرات الأبرياء يوميا ليست لهم فرصة اكتساب الحرب، فلتقرأ أمريكا تاريخ أفغانستان، وليقلب صفحاتها من جنكيز إلى الإنجليز وهزيمة السوفييت، حيث تدحرجت الرؤوس المتجبرة والمتكبرة في الأرض، فإن لم تزل أمريكا على عنادها، فلترتقب نفس المصير. وإن كانت تريد اخضاع الشعب الأفغاني عن طريق هذه الجرائم والمجازر، ليتقبلوا الاحتلال على أرضهم فهذا حلم لن يتحقق، ولله در الحريري حيث قال:

فكم حالم سره حلم… وأدركه الروع لما انتبه

واعلموا أن من صمد أربعين عاما أمام التهديدات العالمية يقارع القوى العظمى ومرتزقتهم، فلا تطمعوا فيه أنه سينهزم أو سيتنازل عن موقفه أو سيساوم على ثوابته.

وبعد كل جولة من المفاوضات تتسارع الصحف الغربية وتنفث سمومها وتنشر معلومات خاطئة تثير الشكوك حول المفاوضات، وتستهدف الثقة بين الإمارة الإسلامية والشعب الأفغاني.

فأحيانا يقولون: بأن طالبان وافقت على قبول قواعد المحتلين في أفغانستان، وأحيانا تدعي بأن طالبان ستشارك في حكومة موقتة، وأنها طالبت بتأجيل الانتخابات، وما إلى ذلك من الترهات والدعايات.

وهذه المرة أيضا لما جاء “خليلزاد” إلى “كابول” قال في حواره مع قناة “طلوع” أن طالبان أكدت في مفاوضات “دبى” أنهم لن يتمكنوا من هزيمة “أمريكا”.

وقد طرح مدير قناة “بيام أفغان” “عمر خطاب” هذا السؤال على المتحدث الرسمي لإمارة أفغانستان الإسلامية وسأله عن تعليقه حول كلمة “خليلزاد” هذه.

فأجابه “ذبيح الله المجاهد” قائلا: لعل “خليلزاد” أساء الفهم، ولا أعتقد أن “طالبان” تفوهوا بهذه الكلمة، لأن المسلمين يؤمنون بالله ويثقون بوعده، ونحن واثقون بالله من البداية أننا سننتصر أخيرا، وأكد أننا المنتصرون في كل حالة، ثم سرد كثيرا من الآيات القرآنية التي وعد الله فيها المؤمنين بالنصر.

كما أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين متباينة، فإن الأمين العام لقوات النيتو “ينس ستولنبرغ” ورئيس هيئة الأركان الأمريكية “جوزيف دانفورد” والمسؤولون الآخرون يطلقون تهديدات تمديد الاحتلال، ويقولون أنهم لا يعطون الأولوية للسلام، بل هم يفضلون إبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان حقنا لدماء الأمريكيين حسب زعمهم.

فكيف سيثق الأفغان على نية أمريكا وإرادتها تجاه السلام في هذه البيئة المتناقضة؟ وهل سيعتقدون أن أمريكا مستعدة وطامحة في السلام؟

وبناء على ذلك إن كانت أمريكا تريد السلام حقا، فلتنه هذه الحالة المتناقضة والمشكوكة، ولتتجنب عن تكثيف الضغوط على الشعب الأفغاني عن طريق الغارات العمياء، ولتخرج عن دجلها وخداعها، ولتدرك الحقائق ولتسارع إلى إخراج قواتها العسكرية فورا توفيرا لجو الثقة للمفاوضات وإحلال السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى