مقالات الأعداد السابقة

تجدید استراتیجیات محاربة الفساد..حل أم فرار؟

جميل أفغان

 

إن جرثومة الفساد الإداري وتلوث موظفي الإدارات بالفساد والإرتشاء والفساد الخلقي؛ شجرة خبیثة زرعها المحتلون في أفغانستان. وتدفق الأموال الباهظة دون حساب أو رقابة مهّد الأجواء لنمو هذه الشجرة وإعطاء ثمارها في أشکال مختلفة. والحقیقة أن الفساد الإداري کان استراتیجیة غربیة لتلويث البقیة الباقیة من المنتسبین إلی الجهاد.

ومع الأسف طبقت هذه الاستراتیجیة وأتت بثمارها، فقلما یوجد الیوم في إدارات حكومة کابل رجل مخلص لم یتلوث بالفساد والارتشاء.

المحتلون بسطوا سیطرتهم علی قادة کابل بزرع الفساد ونشره في إدارات الحكومة، حتی طالت عملیة الفساد قادة الحکومة. والقادة مثل القلب بالنسبة إلی الجسد. فإذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت، فسد الجسد کله. وقدیما قیل: الناس علی دین ملوکهم.

من جانب آخر، بدأ المحتلون بتطبیق سيناریو آخر باتهام الحكومة بتغلغل الفساد في إداراتها؛ بغية إطالة مدة احتلال أفغانستان، وتقلیل المساعدات إلیها، وتیسیر الأمور لعلمنة البلاد. لاسيما إذا علمنا أن أسماء قادة کابل على رأس قائمة الفاسدین. وکان هم الأخيرين الأکبر رفع هذا الاتهام ومحاربة الفاسدین الآخرین لجذب أنظار الغربیین وبالتالي استمرار تدفق المساعدات المالية إلی أفغانستان. وانطلاقا من هنا، اتخذ رؤساء حكومة الوحدة الوطنیة استراتیجیات متعددة لمكافحة الفساد والفاسدین. إن هذه الاستراتیجات العدیدة المهمة باءت بالفشل ولم تحقق شیئا. بل لقد عمّقت الاستراتیجیات المذکورة جذور الفساد داخل الحکومة. فمثلا کان أحد برامج الاستراتیجیات السابقة عقد دورات توعویة ضد الفساد الإداري. فکان ممثل الحكومة یتسلم المیزانیة ویذهب إلی ولایة نائیة ثم یعقد دورة قصیرة ویصرف شیئا ضئیلا من المیزانیة باتفاق مع رؤساء الإدارات وأخیرا یلتقط بعض الصور ویرجع إلی کابل. وکان ضمن الاستراتیجیة أيضا إلقاء القبض علی الفاسدين من قبل الجهات الأمنیة. فکان هذا الحکم فرصة لارتزاق الجهات الأمنیة، حيث کانوا یلقون القبض علی المفسدین ثم یطلقونهم مقابل آلاف دولار.

لذلڬ تضخم ملف الفساد في أفغانستان وتغلغل في جمیع الإدارات، لاسيما الإدارات الحکومیة الدینیة. وأخیرا بعد الاعتراضات الشدیدة من جانب الشعب والمجتمع الدولیة قامت حكومة الوحدة الوطنیة بإعداد استراتیجیتها الجدیدة ضد الفساد. وقالت أن هذه الاستراتیجیة نتاج جلسات متعددة بین رئاسة الجمهوریة والرئیس التنفیذي، بحضور مسؤولي المؤسسات القضائیة وممثلي المجتمع المدني والممثلون عن البلاد الخارجیة. وحتی الآن لم نحصل علی جزئیات وبنود هذه الاستراتیجیة، سوى التصريح بمكافحة الفساد والمفسدین، خاصة الفساد العمیق في رجال الأمن والشرطة ورجال وزارة الداخلیة.

استراتیجیة جدیدیة، لکن هل الهدف منها هو الوصول لحل جذري للفساد الإداري أم الفرار خطوة إلی الأمام لجلب مساعدات أکثر إلی حكومة مشرفة علی الهلاڬ؟!

وإذا کان الهدف منها هو حل هذه الأزمة، فهل هي کافیة لقمع الفساد وتطبیق العدالة والقانون في الإدارات؟

وإذا افترضنا بأنهم یریدون من ذلڬ حلا لمشكلة الفساد وتطبیق القانون في الإدارات، فإننا لا نرى في هذه الاستراتيجية حلا جذریا لها؛ لأن مرد الفساد إلی عاملین رئیسیین: الأول: الفقر، والثاني: ضعف الإیمان.

إن قضیة الفقر ومدی تغلغلها في الشعب الأفغاني معلومة ومعروفة، لا تحتاج إلی البحث الكثير. ورواتب الموظفین قلیلة وغیر كافية لسد حوائج الموظفین. وهذا ما جعل أکثر الموظفین والمدراء والرؤساء يتلوثون بالفساد والارتشاء. وقد قال الرسول الکریم: کاد الفقر أن یکون کفرًا.

وأما بالنسبة إلی ضعف الإیمان، فالذي یأخذ الرشی هل یبقی له إیمان قوي یمنعه من الفساد!؟

إذا کان الإیمان قویاً فسوف یمنع صاحبه من ارتکاب الفساد. أما إذا کان ضعیفا فسوف ينساق الإنسان إلی الرشی والفساد الإداري والفساد الخلقي.

والمانع الآخر من نجاح هذه الاستراتیجیة وأخواتها، هو أن هذا النظام أسس علی الفساد والخیانة، ولبناته وضعت علی الفساد، وقادته وراء الکوالیس یحبّون أن تشیع الفاحشة والفساد بین الشعب.

فکیف ننتظر توفیقها ونجاحها في مكافحة الفساد الإداري؟!

ولذلڬ نری أن هذه الاستراتیجیة ستواجه الفشل وعدم التوفیق.

إن الحل الوحید في مكافحة الفساد هو في تطبیق الشریعة والقوانین الإسلامیة. إن الشریعة الإسلامیة وقوانینها العادلة تمهد الأرضیة للقضاء على الفساد والرشی والارتشاء. وما الفساد إلا حصیلة النظم العلمانیة الحدیثة؛ ولذلڬ نرى جمیع الدول تعاني من هذه المشكلة. أما الشریعة الإسلامیة فمن طبیعتها أن تحارب الفساد أینما حلت وطُبِقت.

نسأل الله عز وجل تطبیق الشریعة الإسلامیة في أفغانستان الحبیبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى