تحرير أفغانستان أعظم علامات انتصار المسلمين في القرن الحادي والعشرين (الجزء2)
بقلم: مصطفى حامد (أبوالوليد المصري)
■ القيادة العسكرية العليا، استخدمت بمهارة بالغة أفرع جديدة من القوات الخاصة، وأقسام التطوير والتصنيع، وابتكرت تكتيكات جديدة في الحرب، وأبدعت في رسم الاستراتيجية العليا للحرب، بالتعاون مع أمير المؤمنين وجهاز الإمارة الإسلامية.
■ في قاعدة (بجرام) الجوية استلم الأمريكيون عدداً هاماً وخطيراً من الرسائل العسكرية، التي لم يتسلموا مثلها من قبل.
■ بجرام كان لها ملفات خاصة للعمليات النوعية، التي لم يكشف الستار عنها حتى الآن، حفاظاً على أسرار مازالت طي الكتمان نتيجة خطورتها.
■ المرتزقة يحررون المواقع الهامة بصور “السِلْفي” ويستلمون الأموال ويهربون، فيسقط الجيش في كمين الإمارة.
■ كبار الضباط في كابل أوضحوا لوحداتهم المنتشرة في العاصمة (فن الاستسلام للإمارة)، وأنّ عليهم البقاء في المدينة مع عدم إظهار السلاح.
■ أول من كسر الجمود عن تحرير المدن كان المجاهدون البلوش في غرب أفغانستان.
■ ضابط الجيش في هيرات يصف المجاهدين المهاجمين: إنهم يتقدمون، القوات التي تتقدم، والتي سوف تستولي على أرض القاعدة التي أقف عليها الآن، مجرد شخصين ونصف فقط!
■ اصطحب كبار أركان النظام ملايين الدولارات معهم. و السيارات الخاصة التي صادرتها الإمارة من بيوت المسؤولين وحتى من داخل مواقف للسيارات، وجدوا بها مئات الآلاف من الدولارات. وبعض البيوت كان بها ملايين الدولارات، موضوعة بكل بساطة داخل صناديق في غرف نوم أو مطابخ.
شتاء ليس كأي شتاء:
شتاء (عام 2020/2021) كان مليئا بالرسائل المفصلية في تحديد مصير الحرب، من تلك الرسائل:
1 – أن الشتاء أصبح موسم مزدحم بالعمليات وليس موسم للراحة. فكان ذلك أول موسم للشتاء تُمْنَع فيه إجازات المجاهدين، فلم يغادر أحد موقعه طول ذلك الفصل.
2 – كانت عمليات الشتاء تغطي ساعات الليل كله ــ مثل فصل الصيف ــ. فلا مجال يتاح للعدو كي ينام أو يستريح.
3 – أن الحزام الشمالي كله أصبح نشط عسكريا مثل مناطق الجنوب الدافئة. والمعاقل التاريخية للمعارضة في الشمال تتقلص مساحتها وعدد محاربيها. وهي تحت ضغط دائم. وكذلك الحدود الغربية مع إيران أصبحت مشتعلة وتحت ضغط عسكري واضح.
(قوات العدو في عموم أفغانستان كانت تحت ضغط عسكري كبير، بطول البلاد وعرضها. وذلك لم يحدث ولو لمرة واحدة خلال الحرب ضد السوفييت، التي تعرض فيها الجهاد لتدخل خارجي كبير. وكانت قيادات الأحزاب الجهادية مصابة بالفساد والعجز. ومع ذلك عرقلوا أي وحدة عملياتية بين المجاهدين. وحافظوا بضغط من باكستان على مستوى متواضع من العمليات، نادراً ما تخطى حدود القبيلة أو المنطقة على الأكثر).
4 – برزت أسماء لأبطال ميدانيين في مناطق الشمال والغرب، كان لهم تأثير كبير ودور بارز في تحقيق الانتصار النهائي على العدو.
5 – التوجيهات الاستراتيجية الصادرة عن أمير المؤمنين مولوي هبة الله كانت عظيمة الفائدة في مسيرة العمليات.
وعلى مستوى القيادة العسكرية العليا ظهرت أسماء ومواهب عديدة كان لها دورها الحاسم في تحقيق الانتصار. واكتسبت قيمة تاريخية في مجال الحروب الجهادية والفن العسكري على المستويين المحلي والعالمي.
6 – القيادة العسكرية العليا، استخدمت بمهارة بالغة أفرع جديدة من القوات الخاصة، وأقسام التطوير والتصنيع، وابتكرت تكتيكات جديدة في الحرب، وأبدعت في رسم الاستراتيجية العليا للحرب بالتعاون مع أمير المؤمنين وجهاز الإمارة، والأجهزة العبقرية الأخرى في مجال الدعوة والسياسة. ونخص بالذكر (جهاز الدعوة والإرشاد)، وجماعة (خبراء البورصة) العاملين في المجال السري السياسي والاستخباري والتسليحي.
الرسالة الأخطر إلى الأمريكيين:
– في العام الأخير للقتال استخدمت الإمارة العديد من أوراقها السرية، وأسلحة تستخدم لأول مرة في مجالات منها الصواريخ والطائرات المسيرة وكمائن المفجرات المذهلة.
– جميع المفاجأت الاستراتيجية والتكتيكية كانت تصب في اتجاه تأكيد قاطع للعدو الأمريكي بأنه: لا مجال لكم بعد اليوم في أفغانستان، وأن أي تراجع عن قرار الانسحاب سوف يكلفكم هزيمة عسكرية لن تستطيعوا إخفائها أو الالتفاف عليها أو تفادي تأثيرها المدمر على مكانتكم في العالم.
العنوان: قاعدة بجرام
– في قاعدة (بجرام) الجوية شمال كابل استلم الأمريكيون عدداً هاماً وخطيراً من الرسائل العسكرية، التي لم يتسلموا مثلها من قبل. وقد فهموا مغزاها. ونظراً لحساسية بجرام فإن الاستيعاب الأمريكي كان أسرع، مع أنه تكرر في العديد من المواقع في غرب وشمال وجنوب وشرق أفغانستان. فحوى الرسائل كما فهمها الأمريكان: أن رجال الإمارة قد تمكنوا من الحصول على تسليح أمريكي متطور من داخل أفغانستان نفسها. وأنهم استوعبوا ذلك السلاح وبدأوا في استخدامه بمهارة تكتيكية عالية، ستقود حتما إلى كارثة تحيط بالجيش الأمريكي لو لم يتعجل بالانسحاب من أفغانستان.
تلخيصاً، كانت دروس ورسائل بجرام هي: إن لدى مقاتلي الإمارة الآن أسلحة أمريكية متطورة أخَلَّت بالتوازن العسكري بينهم وبين الجيش الأمريكي نتيجة المهارة الاستثنائية والشجاعة غير العادية التي يتميز بها المجاهد الأفغاني.
التقويض من الداخل
المقصود بالداخل هو القطاعات العسكرية والاستخبارية والإدارية للنظام الحاكم.
والمقصود أيضا التجمعات السكانية في المدن الكبرى حيث امتلكت الإمارة تواجدأً عسكرياً وأمنياً، في كابل وفي مدن هامة مثل غزني وهيرات وقندز.. وغيرها.
– كان الجهاز القضائي للإمارة معتمدا لدى السكان في المدن، ناهيك عن القرى، فقد كان نزيهاً وشريفاً وشرعياً إسلامياً. وفي المدن كثيراً ما تدخلت الإمارة في مشاكل اجتماعية وأمنية، وحلتها بأيسر وأسهل الطرق. بينما كان يستدعي الأمر السير في طريق طويل من الفساد والتعقيد إذا اختاروا أجهزة النظام لحل قضاياهم.
وفي النهاية مثلت الإمارة في العاصمة والمدن الأخرى حكومة موازية، وبديلاً جماهرياً مقبولاً عن النظام الذي أقامه الاحتلال في كابل.
وامتلكت الإمارة تواجداً شبه علني واتصالات مع الجمهور. وصل الأمر أن كان لهم أرقام هواتف متنقلة يمكن للجمهور التواصل معهم عبرها، للإبلاغ عن أي مشكلة يحتاج مساعدتهم فيها.
– وكان تواجد رجال الإمارة وأنصارهم غير منحصر في أحياء معينة. حتى تلك الأحياء التي كانت خاصة للمعارضين لم تعد كذلك. فأصبح جنود الإمارة وأنصارهم في كل مكان متخطين المحظورات العرقية والمناطقية والمذهبية التي ظل معمولاً بها عقوداً من الزمن.
حصار العاصمة:
في نفس الوقت تمكنت قوات الإمارة من عزل العاصمة عن المحافظات المجاورة. وزاد ذلك من قوة الإمارة داخل كابل وقدرتهم على التحرك العسكري والأمني بل وسيطرتهم على العاصمة، رغم أنّ النظام الحاكم مازال قائمًا، وقوات الإحتلال لم تنسحب بالكامل.
– العمليات العسكرية والأمنية لم تتوقف داخل العاصمة. فعمليات الاغتيال كانت شائعة ضد شخصيات بعينها، خاصة الطيارين الحربيين ورجال الاستخبارت والجنرالات المتحمسين للاحتلال.
وشهدت العاصمة كابل عمليات نوعية مذهلة منها عملية (القرية الخضراء) التي كانت مقر “ترفيه مختلط” لكبار ضباط الجيش والاحتلال وكانت خسائرهم في تلك العملية فادحة للغاية.
كما دمّر المجاهدون العديد من مراكز الاستخبارات السرية المقامة تحت ستار مشروعات تعليمية أو تجارية.. أو غيرها.
– أما بجرام فكان لها ملفات خاصة بالعمليات النوعية، التي لم يكشف الستار عنها، حفاظاً على أسرار لها خطورتها.
وكذلك محافظات بروان وكابيسا في شمال كابل وهما من المعاقل القوية للاحتلال ومليشياته، فشهدت هي أيضا حرباً ضروساً على المستويين العسكري والاستخباري والإداري. حتى أن قاعدة بجرام، الموجودة هناك، لم تكن بواباتها آمنة لقوات الاحتلال. ولم تكن طرقاتها الداخلية الطويلة، وساحتها الشاسعة، آمنة لجنوده إذ كانت على الدوام مسرحاً لعمليات مفاجئة وموت غير متوقع.
– تحولت كابل إلى ساحة لعمليات القتل المكثف والانتقائي في حرب تجمع بين عناصر صراع الاستخبارات مع الانتقام.
استهدافات الحرب السرية في كابل:
1 – اغتيال الضباط والطيارين وأوكار المجموعات السرية للاستخبارات.
2 – ضرب شبكات الاستخبارات من الأفراد السريين والمرشدين، والجواسيس المحليين العاملين لمصلحة المحتل والنظام العميل. وضرب مفاصل أجهزة مخابرات الدولة والجيش والاحتلال ولجان الاستخبارات المشتركة.
– ملاحظة: نتيجة للطبيعة السرية العالية لتلك الحرب، فإن أي طرف لم يكشف عن العمليات التي وقعت، ولا عن أساليب العمل التي استخدمها.
السنة الأخيرة من العمليات شهدت طفرة /كمية ونوعية/ في عمليات الاغتيال على مستوى أفغانستان كلها، وخاصة في العاصمة كابل. وأدت دوراً كبيراً في تصدع النظام، وتسريع عمليات البيع والشراء. أو بمعنى آخر تنشيط عمل [رجال البورصة]، فقد تمت أهم الصفقات خلال تلك الفترة.
– إنتشرت أيضًا عمليات الثأر الشخصي للمستفيدين من مناخ الفوضى السائد. وزادت صعوبة وخطورة حركة الطيارين على الأرض في المدن، وكذلك حركة رجال الاستخبارات. وفي المشهد الأخير للحرب لم يجد الطيارون مفراً للنجاة غير الفرار إلى الدول المجاورة خاصة أوزبكستان وطاجيكستان التي حطت فيها العشرات من الطائرات الأفغانية. من المحتمل أن الطيارين ذهبوا إلى هناك في مقابل جوائز مالية دفعها الاحتلال أو من ينوب عنه في دفع الشيكات.
لهذا صرح رئيس القيادة المركزية الأمريكية -ومركزها قطر- بأن مئات الطائرات الأفغانية لن تعود مرة أخرى إلى أفغانستان، لأنها لم تعد ملكاً للحكومة الأفغانية (يقصد طبعاً الإمارة الإسلامية).
– نتيجة للتطورات الواسعة وحصار المدن كانت العاصمة في شبه حصار تام قبل سقوطها بعدة أشهر. وكان استسلام العاصمة بدون قتال متوقعاً. وقد تم فعلاً بأيسر الطرق، لأن الجميع كانوا جاهزين لذلك بما فيهم القوات المدافعة.
– وقبل كابل كانت معظم المدن الهامة قد حوصرت بشكل كامل وتواجد المجاهدون بداخلها ــ بنفس الأسلوب الذي طبقوه في كابل ــ ولكن الطلبة لم يستلموا السلطة، ولم يقتحموا المدن عنوة. ولكن الاحتلال والنظام العميل أدركوا ان الحرب قد انتهت ونتيجتها باتت محسومة.
وبناءاً عليه بدأ الجيش في تفريغ مناطقه بلا قتال وسلمها للإمارة. فكانت بداية السقوط الفعلي. كما حدث في قندهار وهلمند، وهما من المعاقل الهامة جداً للإمارة في أفغانستان.
بعض قادة الإمارة أطلقوا على ما حدث من انهيار عسكري للجيش العميل في الأشهر الأخيرة بأنه (زلزال بقوة سبعة ريختر).
مساهمة الفساد في هزيمة الاحتلال:
اعتمد الأمريكيون على مبدأ تحويل الحرب إلى مشروع تجاري عملاق، معيار الربح والخسارة فيه هو المال.
بالمال اشتروا السياسين واستأجروا جيوش الدول “الحليفة” وأجهزة الاستخبارات “الصديقة”.
ولأجل زيادة أرباحهم من الحرب تاجروا بالمخدرات والسلاح وكونوا شركات المرتزقة التي استخدموها في القتال وفي إدارة الجيش وقطاعات من البيت الأبيض نفسه. واستغلوا حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين لتكوين شركات الرقيق الأبيض التي ترافق شركات المرتزقة الأخرى وتقدم لهم وللجبش النظامي خدمات نسوية تاريخية.
في النتيجة صار مشهد الحرب كله يمثل جبلاً هائلا من الفساد الذي لا يتصوره أو يتخيله عاقل.
ومن خلال جبل الفساد -الذي يمثل أهم ضعف تكويني لدى العدو وماكينته العسكرية والسياسية والاستخبارية- تسربت مجموعات (خبراء البورصة)، فاشتروا النظام من داخله لأن كل شيء فيه قائم على المال وقابل للبيع.
مع اقتراب العدو من لحظة الهزيمة الفعلية تجلّى فساد النظام بأبشع صورة. بل تجلت منظومة الحرب وهشاشتها وأنها أشد تفاهة مما يتخيله أكثر الناس. لأنه رغم قوة السلاح وقدرته التدميرية، فإن منظومة الحرب كلها ضعيفة. والجندي نفسه هو أضعف نقاط الحرب مهما كانت رتبتة رفيعة أو وضيعة. فالجميع بلا مبدأ وليس هناك اعتراف بدين أو أخلاق. الشيء الوحيد المعترف به هو الدولار فقط لا غير. ومع اقتراب الحرب من نهايتها بدأ الجمبع يتقاتلون من أجل الغنائم واختطاف الأموال من بعضهم البعض. فارتكبوا الجرائم وباعوا أنفسهم لكل من يقبل أن يدفع لهم ويشتري ما لديهم من أشياء مهما بدت خطيرة أو حتى مخيفة.
في المرحلة الأخيرة من الحرب أصبح بعضهم يمتلك عصابات شخصية لتصفية الخصوم أو للسطو على ما لديهم من أموال أو أسرار أو سلاح ذو قيمة خاصة.
– ومعظم الأموال سُحِبَت من البنوك وأُرسلت إلى الخارج، أو وُضِعَت في المنازل، أو دُفِنَت في حدائق البيوت.
والمواد ذات الأهمية، والمعلومات الاستخبارية، وجدت نفس الطريق للتخبئة وللبيع في الأسواق.
– اصطحب كبار أركان النظام ملايين الدولارات معهم. ويقال أن الرئيس أشرف غني اصطحب معه في الطائرة 160 مليون دولار. والكثير من السيارات الخاصة التي استولت عليها الإمارة في كابل وصادرتها من بيوت المسؤولين، ومن داخل مواقف عامة للسيارات، وجدوا بها مئات الآلاف من الدولارات. وبعض البيوت كان بها ملايين الدولارات، موضوعة بكل بساطة داخل صناديق في غرف نوم أو مطابخ.
للمرتزقة فساد خاص:
حتى المرتزقة الذين يشكلون علامة هامة من علامات الفساد في الحروب الأمريكية الحديثة، كان لهم قصص فساد لا تنتهي. ليس فقط في تجارة المخدرات والأسلحة، بل أيضا في النصب والاحتيال على مُشَغِّليهم الأمريكان أو جنرالات كابل من الأفغان. ومن مأثوراتهم تلك الحيلة التي يلجئون إليها عند تكليفهم بمهمة للسيطرة على موقع هام. فيذهبون إليه بالمروحيات ويلتقطون لأنفسهم صور(سِيلفي)، ويقتلون بعض الأفراد سواء لهم علاقة بالأمر أم لا. ثم يرسلون تلك الصور إلى مقر قياداتهم ليتم تحويل الأموال على الهواء مباشرة.
ثم يركبون المروحيات ويعودون على الفور. وعندما تصل قوات الجيش لاستلام الموقع منهم، تجد ان المرتزقة قد غادروا المكان وأن جنود الإمارة قد وصلوا للتفتيش وتقصي الأمر. فتقع القوات الحكومية في قبضة الإمارة ويتم أسرهم أو قتلهم. وقد يتمكن الجنود السعداء من الفرار بالمروحيات.
وتلك أحد القصص التقليدية المكررة للاحتيال الذي تمارسه قوات المرتزقة للاستيلاء على أموال مشغليها بدون أن تخوض معارك حقيقية أو تتعرض لأي أخطار. تكرر ذلك في أماكن كثيرة من أفغانستان، وتكبد الجيش الأفغاني ضرائب فادحة من الدماء والأرواح نتيجة اعتماده على المرتزقة.
– وصل الضعف بالجيش إلى درجة أن تحول معظم الضباط إلى العمل من مكاتبهم في العاصمة أثناء المعارك. ولم يتحركوا حتى لإرسال الإمدادات لقواتهم المحاصرة. لأن ما كانت تطلبه تلك القوات من دعم لم يكن متوفرا لدى الجيش الحكومي، أو بمعنى أوضح لم يعد هناك من يرغب في تعريض نفسه للمخاطر.
– كبار الضباط في كابل أوضحوا لوحداتهم المنتشرة في العاصمة (فن الاستسلام للإمارة). وأن عليهم البقاء في المدينة مع عدم إظهار السلاح. فإذا دخلت قوات الإمارة خلعوا ملابسهم العسكرية وذهبوا إلى قراهم تاركين سلاحهم في مكانه. أما إذا لم يدخل طالبان إلى المدينة فإن هؤلاء الجنود سيكافئون كأبطال ثبتوا في مواقعهم دفاعاً عن العاصمة.
النتيجة سجلتها بعض الكاميرات عندما التقطت صوراً لأكداس الملابس العسكرية التي تخلى عنها أصحابها، الذين غادروا العاصمة بملابسهم المدنية.
اشتعال عسكري يهدده الجمود السياسي:
– تمكنت الإمارة من قطع جميع الطرق الرئيسية والفرعية. وأصبح تواجدهم داخل المدن ملموساً. فوصل الأمر إلى شيء من الجمود الذي لا يخلو من مخاطر. فلابد من الاستيلاء على المدن وحسم الموقف بشكل واضح وإنهاء النظام تمامًا. فصارت قوات الإمارة تتصل ببعضها لاسلكيا، ويتكهنون بمن سيستولي أولا على مدينته. وما هي أول مدينة سوف تتحرر. كانت معنويات الإمارة مرتفعة جدا، مع شعور خفي من أن هذا الهدوء وهذا الانتصار غير المكتمل قد يكون خادعا. وتواصل المزاح عبر اللاسلكي.
البلوش أولا:
أول من كسر الجمود عن تحرير المدن كان المجاهدون البلوش في غرب أفغانستان. عندما استولوا على عاصمة محافظة نيمروز. فكانت أول مدينة تحررت بعد عشرين عامًا من الحرب. ولم يكتف البلوش بذلك بل تقدموا صوب مدينة هيرات الاستراتيجية للاستيلاء عليها. والتقط المجاهدون اتصالأ لاسلكيا بين حامية هيرات والقيادة العسكرية في كابل. كان الضابط في هيرات غاضبا للغاية وهو يسب قيادته في كابل بأبشع الصفات التي أبسطها الخيانة.
وقال لهم عن المجاهدين المهاجمين: “إنهم يتقدمون نحو موقعنا. القوات التي تتقدم أمامي، والتي سوف تستولي على أرض القاعدة التي أقف عليها الآن، مجرد شخصين ونصف فقط”.
اتضح أنه يقصد بالنصف ذلك المجاهد الثالث، وكان قصير القامة، وقد شارك في تحقيق المعجزة. ليس فقط معجزة الهجوم على قاعدة عسكرية بثلاثة مجاهدين فقط، بل وأيضا الاستيلاء عليها بهذا العدد القليل من الأبطال الذين قاموا بعمل كان يتطلب إنجازه مئات الأبطال من المجاهدين.
(وفي ذلك مصداق لقول أحد الصحابة الكرام: لم نكن نقاتل بعَدَدْ أو سلاح، ولكن بالنُصْرَة).
استولت القوات البلوشية على غرب أفغانستان محققين سبق النصر في تلك الحرب.
وبدأ تسابق سريع للغاية للاستيلاء على جميع المدن وتحريرها.
بالطبع كان تحرير العاصمة كابل هو الأكثر جذباً للانتباه، كونه إشارة النصر النهائي لطالبان في الحرب.
– كان فتح كابل مزدحماً بالأحداث المثيرة ذات الدلالات العميقة. ويتذكر العالم بشكل خاص منظر الطائرات الأمريكية وهي تفر مُحَمَّلة بالجنود والعملاء المتعلقين بعجلات الطائرات التي ترتفع في الجو فيتساقط المتسللون من بين جنباتها مرتطمين بسطوح المباني وشوارع العاصمة.