مقالات الأعداد السابقة

تحرير أفغانستان أعظم علامات انتصار المسلمين في القرن الحادي والعشرين (الجزء1)

بقلم: مصطفى حامد (أبوالوليد المصري)

 

■ أهم ما قامت به الإمارة الإسلامية كان عدم إيقاف العمليات القتالية أثناء التفاوض.

■ من أخطر إنجازات الإمارة كان فصل القوات الأجنبية عن القوات الأفغانية.

■ جاء الشتاء أقل برودة من المعتاد، مما جعل تحرك رجال الإمارة في العمليات الشتوية أكثر قوة وكثافة من أي وقت مضى.

■ في الفترة المرافقة للمفاوضات، اهتمت الإمارة بتوسيع المعارك في شمال أفغانستان. فأصبحت ساحات المعارك واسعة وعنيفة، فأرهقت الجيش العميل ودمرت معنوياته.

■ “الحرب التكتيكية” هي نوع من الحروب الذكية ابتكرته رجال الإمارة، ويعتمد على سرعة الحركة والقدرة على نصب الكمائن وشن الهجمات الصاعقة.

■ تخلى ضباط الجيش عن مسؤلياتهم، وتوقفوا عن مصاحبة الجنود في القواعد والعمليات العسكرية. واكتفى القادة بالبقاء في مكاتبهم في كابل.

جيش الدعوة والإرشاد يربح معركة العقول والقلوب

■ (خبراء البورصة): جهاز خاص تعامل مع (البياعين)، أي بائعي المعلومات والأسلحة، سواء كانوا محليين وأجانب.

 

في مفاوضات الدوحة حاول الأمريكيون إيقاف الحرب مع بدء التفاوض. ولكن رجال الإمارة رفضوا، واستمرّوا في العمليات بنفس القوة السابقة. وعلم الأمريكيون أنه لا مفرّ من التفاوض والوصول إلى اتفاق ترضى به الإمارة حتى يمكنهم الانسحاب من أفغانستان.

وأثناء التفاوض نفذ رجال الإمارة العديد من العمليات النوعية التي هزت الأمريكان بقوة. مثل عملية القرية الخضراء في كابل وعمليات على (قاعدة شوراب) في هلمند. فالتزم الأمريكيون بالتفاوض الجدي حتى يتخلصوا من مأزقهم في حرب أفغانستان.

 

الحرب في الميدان، وعلى مائدة التفاوض:

 

أوّلا: من أهم ما قامت به الإمارة هو عدم إيقاف العمليات القتالية أثناء التفاوض، ولا حتى قبله أو بعده. النقطة البارزة هي أنّ الإمارة توقّفت تقريبا عن استهداف القوات الأمريكية طالما هي تنسحب بالفعل.

وفي نفس الوقت ركّزوا على مواجهة القوات الأفغانية نظراً لأن القوات الأمريكية سوف تنسحب وتغادر أمّا قوات الجيش المحلي فكان المفروض حلَّها. في ذلك الوقت اقتصر رد طالبان على الأمريكيين في حال قصفت طائراتهم أي مواقع للإمارة أو مواقع للشعب الأفغاني. وكمثال على ذلك هاجمت الإمارة الأمريكيين في مطار قندهار بالصواريخ، عندما قصفت الطائرات الأمريكية أهدافاً في ولاية هلمند. تواصلت تلك السياسة في العمليات بين الإمارة والقوات الأمريكية وهى أن رد الإمارة يأتى متناسباً مع الضربات الجوية الأمريكية. أما ضربات الإمارة ضد الجيش الأفغاني فهي مستمرة.

 

ثانياً: الملاحظ هنا أيضا أن الإمارة الإسلامية استهدفت القواعد العسكرية المشتركة بين الجيش الأفغاني والقوات الأمريكية أو الأروبية. وكانت الإمارة تقول إنها تستهدف القوات الأفغانية في أي مكان حتى داخل القواعد المشتركة. أدى ذلك إلى تطور هام آخر: وهو انفصال القوات الأجنبية عن القوات الأفغانية حتى تتجنب ضربات الإمارة. وكان لذلك تأثير خطير على الروح المعنوية للجيش المحلي بل على النظام الحاكم كله. فقد بات واضحاً أنّ نظام كابل يخوض معركته وحيداً ضد الإمارة المسنودة شعبياً. فتسارعت بذلك مسيرة الإمارة نحو النصر، ومسيرة النظام نحو الانهيار على جميع المستويات.

 

ثالثا: شددت الإمارة عملياتها العسكرية ضد قوات الجيش في مواقعها الثابتة أو خلال تحركاتها من موقع إلى آخر أو خلال العمليات العسكرية.

كان ضغط الإمارة على الجيش العميل مستمراً وعنيفاً وبمختلف أنواع الأسلحة وباستخدام تكتيكات متنوعة والعديد من الأسلحة التي كانت تستخدم لأول مرة، بعد أن حصلت عليها الإمارة من قوات النظام الحاكم والقوات الأجنبية والمرتزقة. كان الكل يعلم أنّ الحرب في طريقها إلى النهاية قريباً، لذا كانوا متلهفين للحصول على المال وبيع ما يمكن بيعه من أسلحة وعتاد ومعدات بعضها كان سرّيًا للغاية أو حتى محظور الكشف عن وجوده.

ولكن كل شيء أصبح مطروحاً للبيع لمن يعرف الطريق المناسب للحصول عليه.

تلك التطوّرات ضاعفت من خسائر القوات الأفغانية بما فيها القوات الخاصة التي شكلتها القوات الأمريكية وكان الضغط عليهم “بلا رحمة” طبقاً لسياسة الإمارة. ذلك الضغط العنيف وصل إلى داخل العاصمة كابل، وشمل القوات العسكرية والأمنية هناك.

 

رابعاً: تطور آخر كان في صالح الإمارة، وضد قوات الجيش العميل والقوات الأجنبية. ذلك التطور هو تغير الطقس. إذ جاء الشتاء أقل برودة من المعتاد، مما جعل تحرك الإمارة في العمليات الشتوية أكثر قوة وكثافة من أي وقت مضى. وكان ذلك تطورًا سيئًا للغاية بالنسبة للأعداء المحليين والأجانب.

ليس هذا فقط بل إنه فى ذلك الشتاء أثناء المفاوضات انتشرت العمليات في معظم أرجاء البلاد كما لم يحدث سابقاً، بحيث شملت جميع المجن والمواقع الهامة والطرقات الرئيسية والفرعية. كان الشتاء دافئاً وكانت الحرب مشتعلة إلى أقصى حد على عكس ما كان يتوقع العدو أو الصديق.

– يقول أحد الكوادر العسكرية للإمارة: عندما وصلنا إلى هذه النقطة من الحرب كنا قد تخلصنا من أكبر نقطتين ضعف كانتا تلازمنا في القتال ضد الأمريكين، وهما:

ــ عدم قدرتنا على القتال ليلاً ( لعدم امتلاكنا لمناظير رؤية ليلية، بينما العدو يمتلكها بكثرة). والآن أصبحنا نمتلك ما يكفينا من تلك المناظير.

ــ نقطة الضعف الثانية التي تخلصنا منها، كانت القتال في الثلج. حيث جاء ارتفاع درجة حرارة الجو أثناء الشتاء، فقلل كثيرًا من تلك المشكلة. يضاف إلى ذلك حصولنا من العدوّ (بالغنيمة والشراء)،على معدّات شتوية وملابس جعلت قدرتنا على العمل في الشتاء و الثلوج أيسر كثيراً من أي وقت مضى.

 

خامسا: التطور الهام الآخر في تلك الفترة من الحرب، المرافقة للمفاوضات، كان اهتمام الإمارة بتوسيع المعارك في شمال أفغانستان. فأصبحت خريطة ساحات المعارك واسعة جداً وعنيفة ومستمرة بحيث أرهقت الجيش العميل ودمرت معنوياته وأضعفت تماسكه وزادت كثيرًا من مشاكله الداخلية والخلافات بين القادة والشكوك المتعاظمة فيما بينهم. ثم إن رغبتهم في بيع أي شيء وصلت إلى درجة الاتجار بالمعلومات العسكرية.

– وبدأ في ذلك الشتاء ولأول مرة اقتحام مواقع تقليدية كانت محسوبة لأقطاب النظام منذ العهد السوفيتي. مثل مناطق كانت محسوبة (لأحمد شاه مسعود) وجماعته. ومناطق أخرى محسوبة لقائد المليشيات الشهير (دوستم). فكانت عمليات القضم مستمرة ومتتابعة والمعارك لا تتوقف بحيث لم يعد العدوّ مستريحاً ليلاً أو نهاراً حتى في الشتاء.

فاستولت الإمارة على الكثير من المواقع الاستراتيجية شديدة التحصين. واشتدّت معارك الإمارة حتى في ولاية بدخشان النائية.

 

سادساً: ثم توجهت الإمارة إلى تشديد الحرب في ولايات الغرب المجاورة لحدود إيران وهي ولايات نيمروز وفراه، وهيرات، وبادغيس في أقصى نقاط الشمال الغربي والتي بدأ منها قوس من العمليات يغطي الشمال بجوار الحدود مع أوزبكستان وطاجيكستان، وصولاً إلى بدخشان التي تجاور عدة دول منها الصين والهند. فهي ولاية وعرة للغاية جغرافياً وسياسياً.

 

الحرب التكتيكية:

سابعاً: ابتكرت الإمارة وتوسعت كثيرا في نوع من الحروب أسمته “الحرب التكتيكية”. وهي نوع من الحروب الذكية القائمة على سرعة الحركة والقدرة على نصب الكمائن وشن الهجمات الصاعقة. واستخدم رجال الإمارة خلالها تطورات نوعية في التسليح ظهرت لأول مرة. وحققت مفاجئة زلزلت صفوف العدو. وأدت ضمن العناصر الأخرى إلى هزائم ثقيلة للعدو، وحالة من الرعب انتشرت في الجيش، الذي صار يخشى من كل شيء، ومن أي شخص، أو مجموعة من المزارعين يعملون في أحد الحقول.

– العديد من ضربات الإمارة طالت القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في قواعدهم العسكرية حتى لو لم يكن معهم قوات أفغانية. والهدف من ذلك كان إرسال رسائل إلى المفاوض الأمريكي في الدوحة يفهم منها أنّ جبشه ليس في مأمن ولن ينعم بأي راحة إذا تهاون في الانسحاب. كانت تلك العمليات كثيرة، ولكن الإمارة لم تعترف بها، حيث أن أكثرها تم خارج الخطة الرسمية المعتمدة، بل نتيجة مبادرات فردية أو حتى على سبيل تجربة بعض المعدات وأساليب القتال. وتلك انفلاتات تنظيمية يستحيل منعها في حرب كبيرة وعنيفة إلى هذا الحد. لذا كان من الممكن عدم تبني تلك العمليات بشكل رسمي، لأنها كانت خارج الإطار التنظيمي المعتمد للقوات الجهادية.

 

قطع الطرق: حصار وتقطيع أوصال:

ثامناً: بعد ذلك بدأ إحكام الحصار على الطرق الرئيسية بين المدن ثم الطرق الأقل أهمية وصولاً إلى الطرق الواصلة إلى المراكز والقرى. وكان تحرك الجيش،على أي طريق، مكلف للغاية في خسائر المعدات والأرواح. وتضاعفت اتصالات الطلبة مع الجنود، وطلبوا منهم الرحيل إلى قراهم مع ضمان أرواحهم، لأن الحرب بالنسبة لهم قد انتهت. والمحتل الأجنبي يهرب ولا فائدة للجنود من الاستمرار في القتال لأنهم سيُقْتَلون بلا فائدة. أعطى هذا الحوار مردوداً إيجابياً. وسَلَّم الكثير من الجنود أسلحتهم وعادوا إلى قراهم، أمنين تحت حماية جنود الإمارة.

وتفشّت ظاهرة تخلي ضباط الجيش عن مسؤولياتهم، وعدم مصاحبتهم للجنود في القواعد والعمليات العسكرية. واكتفى القادة من المراتب المتوسطة والعليا بالبقاء في مكاتبهم في كابل، ورفضوا الذهاب إلى مواقع القتال أو القواعد العسكرية سوى في زيارات سريعة، يغادرون بعدها بالمروحيات إلى كابل.

 

 جبش الدعوة والإرشاد: يربح معركة العقول والقلوب

تاسعاً: كانت للدعوة والإرشاد لجنة (هي أكبر من جيش حقيقي من حيث الفعالية). فكانت من أهم أسلحة الإمارة في مراحل الحرب كلها. واكتسبت أهمية خاصة في المرحلة النهائية التي بدأت بمفاوضات الدوحة، المترافقة مع تطورات ميدانية كبيرة، وانهيار معنويات الجيش والنظام.

– كانت لجنة الدعوة والإرشاد تمارس نشاطاً غير عادي بالاتصال مع جميع الأطراف العسكرية والسياسية والأهالي في المناطق المحررة، وحتى مع قوات الإمارة نفسها.

نشاطها الدعوي أثر في النفوس وحفَّز على الجهاد، وتأثر به الكثير من الجنود والمليشيات و ضباط الجيش.

في الإمارة يعتبرن أن لجنة الإرشاد كانت من أهم أسباب ربح المعركة ضد الاحتلال الأمريكي وأعوانه بعد عشرين عامًا من التضحيات.

كانت اللجنة تضمن للضباط انسحاباً آمناً من المعركة مع تأمين أرواحهم وعائلاتهم. وشجعوهم على تسليم ما لديهم من أسلحة ومعدات ومعلومات للإمارة الإسلامية. فكانت النتائج مبهرة، حتى أن خطوط دفاع مدينة هامة مثل قندهار استسلمت للإمارة بفضل إيمان وإخلاص جماعة الدعوة والإرشاد ومفاوضيها، الذين ضمنوا تأمين العسكريين على أرواحهم، أوحتى مكافآت تشجيعية لهم.

 

(خبراء البورصة) دعاة من نوع آخر:

– هناك لجان أخرى للتعامل مع الضباط والمسؤولين الذين لا يهتمّون سوى بأرباحهم ومصالحهم. فكان هناك جهاز خاص للتعامل معهم لشراء كل ما يمكنهم بيعه من أسلحة ومعدات تتعلق بالجيش المحلي أو بالقوات الأجنبية والمرتزقة. كما حصلوا منهم على معلومات في غاية الأهمية، مازال بعضها سريَّاً حتى الآن.

– يمكن أن نطلق تسمية (خبراء البورصة) على الجهاز الخاص الذي تعامل مع (البياعين)، أي بائعي المعلومات والأسلحة وكل شيء. سواء كانوا عسكريين أو مدنيين. محليين أو أجانب.

– يمكن القول أن (خبراء البورصة) كانوا في سباق مع لجنة الإرشاد لإقناع العدو بوضع السلاح والاستسلام، ولكن كل فريق له أسلوبه ورجاله المختلفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى