مقالات الأعداد السابقة

تساؤلات مشروعة !

m8a9ypn2

تحيي أمريكا في يوم الحادي عشر من سبتمبر من كل عام ذكرى الهجمات على مركزي التجارة العالمية ومقر البنتاجون التي شُنت في يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001م. وعادةً ما تذرف أمريكا في هذا اليوم دموع التماسيح، وتنتحب نحيب المتظلّم، وتجتهد في إثبات أنها الحمل الوديع المظلوم المُتعدى عليه! بينما الحقيقة التي لا تجهلها حتى الأجنة في بطون أمهاتها والتي تصرّ أمريكا على تجاهلها هي أنها (أي أمريكا) أكبر مجرم عرفه التاريخ الإنساني، وأكبر طاغية شهده العالم البشري، فهي التي شَوَت البشر أحياءً في المجزرتين النوييتين الشهيرتين (هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين)، وهي التي قتلت أكثر من 160 ألف فيتنامي وشوّهت أضعافهم، وهي التي أبادت الهنود الحمر وتفنّنت في التمثيل بجثثهم. هذا بعض إجرامها في حق غير المسلمين، أما إجرامها في حق المسلمين والعالم الإسلامي فحدث ولا حرج! ولك أن تسأل ضحايا عنجهيتها في أفغانستان والعراق واليمن وباكستان والصومال، لك أن تسألهم عن طائرات الدرونز التي تصبحهم وتمسيهم بالقصف والخراب، سواءٌ في ذلك حفلات الأعراس وتجمعات العزاء! ولك أن تسأل معتقلات الموت في باغرام وغوانتنامو وأبو غريب والمعتقلات السرية التي تتسرب الأخبار عنها بين الفينة والأخرى كم من الأحياء قُتلوا وقُبروا فيها عذاباً وتعذيباً! واسأل أطفال كندهار والفلوجة عن أطنان القنابل “المحرمة دولياً”-“المحللة أمريكياً” التي صُبت على رؤوس البشر كما لو كانت تُصب على جمادات أو حشرات!!

أمريكا تعطي لنفسها حق التدخل في أخص خصوصيات المجتمعات، وفرض “الديموقراطية” عليهم شاؤوا أم أبوا، وقتل وتصفية وإبادة كل من يأبى سياستها الرعناء، فهي -لفرط ديموقراطيتها- تطارد حتى أولئك الذين يُقاتلون على أرضهم دفاعاً عن حرية بلادهم وحرمة أهلهم وأعراضهم ودمائهم ضد احتلالها الغاشم! لا بل تسلبهم حق الدفاع عن النفس وتسميهم “إرهابيين” وترصد ملايين الدولارات لقتلهم أو اعتقالهم!

هذه السياسة العدوانية المقززة المتعطشة للقتل والتدمير لكل ماهو إسلامي (بشكل خاص) هي الإرهاب الحقيقي. فالأمريكان عندما رأوا أن جيشهم السفاح قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة على أرض أفغاستان، لجأوا إلى إدارة الحرب من السماء بطائرات الدرونز المُسيّرة عن بُعد، وهكذا يَقتُلون ولا يُقتَلون! مُحققين نزعتهم الإجرامية في حب القتل بكل حذافيرها!

فالإحصاءات تقول أنه في شهر أغسطس المنصرم لوحده شنّ الاحتلال الأمريكي 32 غارة بطائرات بدون طيار، وارتقى فيها حوالي 141 أفغانياً، أما عدد الغارات التي شنها الاحتلال منذ بداية العالم الحالي 2015م وحتى الشهر المنصرم فبلغ عددها 66 غارة ارتقى فيها ما يقارب 647 أفغانياً بينهم 18 طفلاً. وهي إحصائيات مرتكزة على ما يعلن عنه الإعلام، أما ما لا يُعلن عنه فلا تشمله هذه الإحصائية.

وأنا هنا أطرح تساؤلات باعتبار أني لازلت -حتى الآن- أُصنف من البشر في نظر أمريكا، وأن التساؤل أحد أشكال التعبير الذي تراه حقاً مكفولاً لهم!

أقول: هل يحق للطفل الأفغاني اليتيم الذي فقد ذويه في هذه الغارات الآثمة أن يفعل بالأمريكان مثلما فعلوا به؟ فيجلس في قمرة القيادة الأرضية، واضعاً رجله على الأخرى، ثم يخرج بطائرة الدرونز خارج أفغانستان إلى أن تصل إلى أمريكا فيحلق بها فوق أحد منازل الأمريكان، أو حقولهم، أو تجمعات أعراسهم، أو سرادق عزائهم أو حافلاتهم وسياراتهم السائرة في الطريق، أو إلى آحادهم المترجّلين ويضغط زر إطلاق الصاروخ بالضبط كما يفعل الأمريكان في أفغانستان؟

وإذا ظهرت على شاشة العرض في قمرة القيادة الأرضية التي يديرها اليتيم الأفغاني صورة فلاحين أمريكيين أحدهما يحمل فأساً على كتفه والآخر يحمل عصاً في يده، وسأل الطفل صديقه اليتيم الأفغاني الآخر الذي يجلس بجانبه في قمرة القيادة عن ماهية ما يحمله الأمريكيان هل هو سلاحاً أم عصا؟ فإن لم يعرف صديقه، هل يحق له أن يضغط زر إطلاق الصاروخ (إحتياطاً) فهو لن يخسر شيئاً سواء كان الذي يحملانه عصا أم سلاحاً! هل يحق له أن يفعل هذا تماماً كما يفعله الأمريكان في أفغانستان؟

وإذا اجتمع كل أطفال أفغانستان الذين يتّمهم الأمريكان واحتلوا أمريكا براّ وبحراً وجواّ وبدأوا بحفلات القتل والقصف والاعتقال وإحراق جثث القتلى والتبول عليها، وأسر العامة من الشعب الأمريكي وتعذيبهم والتكيل بهم وحرق منازلهم، فهل يحق للأمريكان الدفاع عن أنفسهم وطرد من احتل بلادهم؟ أم سيصنّفون أنفسهم حينها على أنهم”إرهابيين”، كما يصنّفون المجاهدين الأفغان الآن على أنهم “إرهابيين”؟

وماذا لو أن هؤلاء الأيتام الذين احتلوا أرض أمريكا أعلنوا قوائم سوداء لكل من له صلة من قريب أو من بعيد بالمقاومة، ورصدوا المكافآت المالية لمن يدلي بمعلومات عن المقاومين الأمريكيين الذين يدافعون عن أرضهم، هل يحق للمحتلين الأفغان الإقدام على فعل كهذا؟ كما يفعله الاحتلال الأمريكي الآن في أفغانستان؟

بل ماذا لو قرر هؤلاء الأيتام تغيير شكل احتلالهم لأمريكا من احتلال “برّي” إلى احتلال “درونزي” مع بعض القواعد العسكرية الأفغانية المترامية في ولايات أمريكا، ثم أعلنوا أن الحرب انتهت، وأنهم أبقوا فقط 10 آلاف جندي من المحتلين الأيتام الأفغان لحفظ أمن أمريكا وتدريب الأمريكان الموالين لهم على شن العمليات ضد أبناء جلدتهم!؟

واقع مضحك ومخزٍ ومقزز في آن واحد، أليس كذلك؟ وهذا الذي تفعله أمريكا حرفياً في أفغانستان، صفاقة وبجاحة وميزان أعور لم يشهد له التاريخ مثيلاً قط!

فيا أيها العالم إن الإرهاب والتخريب هو عين ما يفعله الإحتلال الأمريكي في بلاد الأفغان، وإن السلام والبناء هو عين ما يفعله المجاهدون الأفغان على أرضهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى