تميم بن أُسيد رضي الله عنه
إعداد: أبوسعيد راشد
في جنوب كابل، يُرى حائط فوق الجبال، وفي وسط الحائط، قلعة كابل القديمة، ولازالت قائمةً، تُسمى “بالا حصار”، فيها ثكنة عسكرية إلى الآن. القلعة تقع على سفح الجبل المشرف على كابل، وتنتهي في قمة الجبل. وفي السفح الثاني نحو الجنوب يبدأ شبه ميدان في السفوح، في آخر هذا الميدان، وفي بداية سلسلة جبال أخرى يوجد قبر الصحابي الجليل أبو رفاعة تميم بن أسيد العدوي رضي الله عنه، يسميه الأفغان: “تميم أنصار” ومعه آخر يُسمى: “جبير”.
تفيد الروايات التاريخية، أنه قُتِل عام 44هـ، حيث جاء مع جيش عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه لغزو كابل، ودُفِن هنا، وشارك في دفنه عبدالرحمن بن سمرة أمير الجيوش.
يهمنا من تأريخه شيئان: الأول- حب الجهاد الذي أجاءَ بسيدنا من البصرة إلى جبال الأفغان. والثاني- تبيين أصالة أرض الأفغان في الإسلام، حيث زرع الله فيها دماء الصحابة وأجسامهم، فبورك في تلك الأرض، وأخرج الله منها هذا النبات الذي لا يخضع مهما تواضع الخاضعون، قائمون للدفاع عن الدين الذي تركه فيهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وبارك في أرض الأفغان.
عَلَّمَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحكام الدين وعَلَّمَهُ سورةَ البقرة، وجلس له على كرسي قوائمه من حديد. كان من العُبَّاد المجاهدين، نزل البصرة، وشارك في الجهاد مع الجيوش الشرقية، وكان قد سأل اللهَ الشهادةَ مع العافية، فأتته كذلك. وإليكم النصوص:
■ الصفدي: تميم بن أسيد، هو أبو رفاعة – كان من فضلاء الصحابة. نزل البصرة، روى عنه حميد بن هلال وصلة بن أشيم، قتل بكابل سنة أربع وأربعين للهجرة. (الوافي بالوفيات:3/466).
■ الذهبي: أبو رفاعة العدوي تميم بن أسيد بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة الْمُضَرِي.
له أحاديث. روى عنه: محمد بن سيرين، وصلة بن أشيم، وحميد ابن هلال وآخرون.
■ قال خليفة: هو من فضلاء الصحابة، وقال: هو عبد الله بن الحارث من بني عدي الرباب.
■ روى غيلان بن جرير، عن حميد بن هلال، عن رجل – كأنه أبو رفاعة – قال: كان لي رَئِيٌّ (تابع) من الجن، فأسلمتُ، ففقدتُه، فوقفتُ بعرفة، فسمعتُ حِسه، فقال: أشعرتَ أني أسلمتُ؟ قال: فلما سمع أصوات الناس يرفعونها، قال: عليك الخُلُقُ الأسد، فإن الخير ليس بالصوت الأشد.
■ سليمان بن المغيرة: عن حميد بن هلال قال: كان أبو رفاعة العدوي يقول: ما عَزَبَتْ (فاتت) عني سورةُ البقرة منذُ عَلَّمَنِيْهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أخذتُ معها ما أخذتُ من القرآن، وما وَجِعَ (تَأَلَّم) ظهري من قيام الليل قط.
وكان أبو رفاعة ذا تَعَبُّدٍ وتَهَجُّدٍ.
■ قال حُميدُ بن هلال: خرج أبو رفاعة في جيش عليهم عبدالرحمن بن سمرة، فبات تحت حصنٍ يصلي ليلَه، ثم توسد تُرسه، فنام، وركب أصحابه وتركوه نائمًا، فَبَصُرَ به العَدُوُّ، فنزل ثلاثة أعلاج (كفار من العجم)، فذبحوه رضي الله عنه.
■ قال حميد: قال صلة بن أشيم (تابعي عابد مجاهد، شهيد): رأيت كأني أرى أبا رفاعة على ناقة سريعة، وأنا على جمل قَطُوْفٍ (بطيءٍ)، فأنا على أثره، فأَوَّلْتُ أني على طريقه وأنا أَكُدُّ العملَ بعده كَدًّا. (سير أعلام النبلاء:5/10).
■ ابن عبدالبر: أبو رفاعة اسمه عبد الله بن الحارث بن أسد بن عدي بن جندل بن عامر بن مالك بن تميم بن الدؤل بن جبل بن عدي بن عبد مناة ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
■ قال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة اختلف في اسمه فقيل: تميم ابن أسيد، وقيل ابن أسد، وقيل عبد الله بن الحارث. يُعَدُّ في أهل البصرة، قتل بكابل سنة أربع وأربعين. روى عنه صلة بن أشيم وحميد بن هلال. قال الدارقطني: تميم بن أسيد بالفتح وقال غيره بالضم والله أعلم. (الاستيعاب:2 / 29).
■ الزهري: حميد بن هلال قال: كان أبو رفاعة إذا صلى، ففرغ من صلاته ودعائه، كان آخر ما يدعو به يقول: “اللهم أَحْيِنِيْ ما كانت الحياةُ خيراً لي، فإذا كانت الوفاةُ فَوَفِّنِيْ وفاةً طاهرةً طيبةً، يَغْبِطُنِيْ بها من سمع بها من إخواني المسلمين من عِفَّتِهَا وطهارَتِهَا وطِيْبِهَا، وَاجْعَلْ وَفَاتِيْ قَتْلًا في سبيلِكَ، وَاخْدَعْنِيْ عن نَفْسِيْ”.
قال: فخرج في جيش عليهم عبد الرحمن بن سمرة. قال: فخَرجَتْ من ذلك الجيش سريةٌ عامتُهم من بني حنيفة.
قال: فقال (تميمٌ): إني لَمُنْطَلِقٌ مع هذه السرية.
قال: فقال أبو قتادة العدوي: ليس هاهنا أحد من بني أخيك، وليس في رَحْلك أحدٌ.
قال: فقال: إن هذا لَشيءٌ، لي عليه عزمٌ، إني لمنطلقٌ.
فانطلق معهم، فأطافت السرية بقلعة، أو بقصرٍ فيه العدو ليلاً، وبات يصلي، حتى إذا كان آخر الليل توسد تُرسَه، فنام، وأصبح أصحابه ينظرون من أين مقابَلتُها، من أين يأتونها؟ ونسوه نائماً حيث كان.
قال: فَبَصُرَ به العدو، فأنزلوا إليه ثلاثة أعلاج منهم، فأتوه وإنه لنائم، فأخذوا سيفه، فذبحوه، فقال أصحابه: أبو رفاعة نسيناه حيث كنا. فرجعوا إليه، فوجدوا الأعلاج يريدون أن يَسْلُبُوْهُ (أي: يُحاولون أن يُجَرِّدُوا عنه ثيابَه، ويأخُذُوْا سِلاحَه)، فأَرْحَلُوْهم عنه، فاجتروه (أي: جذَبوه وسحبوه)، فقال عبد الرحمن بن سمرة: ما شعر أخو بني عدي بالشهادة، حتى أَتَتْهُ. (الطبقات:7/68).
■ ابن الأثير: روى عنه حُمَيْدُ بن هلال قال: “أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -وهو يَخْطُبُ- فقلتُ: رجلٌ غريبٌ جَاءَ يسألُه عن دينه، لا يَدْرِيْ ما دِيْنُه؟ قال: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ، وأتى بكرسي خُلْبٍ (الخُلْبُ: الحبل من الليف والقطن وغيرهما)، قوائمُه حديدٌ، فقعدَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم جَعَلَ يُعَلِّمُنِيْ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ عز وجل”.
■ قال أبو عمر: قطع الدارقطني في اسم أبي رفاعة أنه “تميم بن أَسِدٍ” بفتح الهمزة وكسر السين. قال: ورواه أيضاً في موضع آخر عن يحيى بن معين، وابن الصواف، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: تميم بن نذير، هكذا روى أبو عمر، وقال ابن منده ما تقدم؛ وأما أبو نعيم: فلم ينسب إلى أحد قولاً؛ بل قال بعد الترجمة: تميم بن أسيد، وقيل: ابن إياس، والله أعلم.
■ وقال الأمير أبو نصر في باب نذير: بضم النون وفتح الذال المعجمة أبو قتادة العدوي تميم بن نذير، روى عنه محمد بن سيرين، وحميد بن هلال فخالف في الكنية. وقال في أسيد بضم الهمزة: أبو رفاعة تميم بن أسيد. وقيل: ابن أسيد والضم أكثر. ويقال: ابن أسد، وهو عدوي سكن البصرة. قال: وروى شباب عن حوثرة بن أشرس أن اسمه عبد الله بن الحارث، وتوفي بسجستان مع عبد الرحمن بن سمرة.
أخرجه الثلاثة؛ وقد اختلفت الرواية في “خلت قوائمه من حديد” فرواه بعضهم خلت التاء فوقها نقطتان ونصب قوائمه وحديداً، ومنهم من رواه خلب بضم الخاء وآخره باء موحدة، ورفع قوائمه وحديداً والخُلب: الليف، والله أعلم. (أسد الغابة:1/ 134).