مقالات الأعداد السابقة

ثالثة الأثافي

عرفان بلخي

 

في الأونة الأخيرة رفع مجلس الأمن الدولي العقوبات المفروضة على حكمتيار، مما يمهد الطريق لعودته إلى البلاد، وكتبت إحدى الصحف بهذه المناسبة أن “مجلس الأمن يبيّض صفحة جزار كابول”.

وُضِع اسم حكمتيارعلى قائمة العقوبات الدولية بقرار من مجلس الأمن عام 2015م، وصنفته الولايات المتحدة إرهابياً عام 2003م، ووضعت الأمم المتحدة اسمه على القائمة السوداء.

لكن طلبت الحكومة الأفغانية رفع العقوبات المفروضة عليه ضمن اتفاق سلام مع جماعته في سبتمبر/أيلول العام الماضي، وكان ينص الاتفاق على إخراج اسم حكمتيار وأعضاء جماعته من اللائحة السوداء الدولية، إلى جانب إنشاء ثكنة خاصة بهم في كابول، ليتمكنوا من الإقامة فيها بعيش وأمان، مع إمكانية استفادتهم من الدعم الحكومي، وإطلاق سراح أعضاء الحزب من السجون كما يقضي الاتفاق بعدم خضوع حكمتيار لأي محاكمات سياسية أو عسكرية تتعلق بما قام به في الماضي.

ومن المعلوم أن حكمتيار لعب دوراً مهما في الكفاح ضد القوات السوفيتية التي احتلت البلاد عام 1979م، فضلًا عن دوره البارز في الحروب الداخلية، ولجأ إلى إيران، عقب سيطرة الإمارة الإسلامية على البلاد عام 1996م، ثم عاد إلى البلاد ثم المهجر بعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م.

وبعد توقيع الاتفاق، عاد معظم أنصاره إلى البلاد -بما فيهم نجله (حبيب الرحمن حكمتيار)- بعد أن كانوا يقيمون بمخيمات اللاجئين، وأفلت من العِقاب قائده الشهير (زرداد خان) حيث أُطلِق سراحه من سجن بريطانيا وهو أحد أكثر أمراء الحرب إثارة للرعب والذعر والذي يتمتع بسمعة سيئة لكونه يقوم بالنهب والسلب والاغتصاب والتعذيب والقتل للمسافرين المتنقلين بين العاصمة كابول ومدينة جلال اباد وكان يحتفظ بمساعد متوحش في كهف يقوم بقضم لحوم وعظام ضحاياه، ويناديه زرداد بالكلب ويتم قتل الأسرى الآخرين أو حبسهم من جانبه حتى يموتوا من المعاناة أو يتم دفع رشى لإطلاق سراحهم.

في عام 1998م عندما كانت الامارة الاسلامية تحكم أفغانستان، هرب زرداد إلى بريطانيا بجواز سفر مزور، وأدار مطعماً للبيتزا في جنوب لندن، وفي عام 2005م تم إيداع هذا السفاح السجن بسبب جرائمه البشعة، وحُكِم عليه بالسجن لـ20 عاماً في بريطانيا.

ويعتبر زرداد نفسه سيّئ الحظ، لأن أمراء الحرب الآخرين الذين كانوا ذات يوم رفاقه في الدرب، أصبحوا اليوم جزءاً من النخبة السياسية في كابول، وأعضاء بارزين في الحكومة وأصحاب ملايين يملكون بيوتاً فاخرة كالقصورفي العاصمة.

ففي الوقت الذي كان فيه زرداد يقتل ويعذب ضحاياه في منطقة سروبي على الطريق بين كابول وننجرهار والتي كانت مثار رعب المسافرين في الفترة ما بين 1992م و1996م، كان في الوقت نفسه قائداً عسكرياً مهماً في قوات حكمتيار وقد عاد زرداد أخيراً إلى مسقط رأسه بفضل اتفاق حكمتيار والحكومة، وقوبل الاتفاق المشار إليه بانتقادات حادة من بعض الأفغان وجماعات حقوق الإنسان بسبب العفو الذي يمنحه لحكمتيار وكثير من مقاتليه مثل زرداد فريادي المذكور آنفاً لأن حكمتيارهو الذي أمر بالقصف العشوائي للعاصمة كابول في بداية التسعينيات، ما تسبب بسقوط عدد كبير جداً من الضحايا وتسبب بأضرار فادحة. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان أن حكمتيار متهم بارتكاب عدد كبير من الفظائع، ومنها قصف مدمر في آب/اغسطس 1992م، أوقع أكثر من ألف قتيل و8 آلاف جريح بحسب الصليب الأحمر، إضافة الى اختفاء عدد كبير من معارضيه في ديار المهجر واستخدام التعذيب في سجونه السرية.

من ناحية أخرى، تاريخ هذا الرجل مملوء بكثرة التحالفات والصفقات، فقد شارك في الاتحاد الإسلامي في 1983م، ثم شارك في تحالف المنظمات السبعة، وعقب الانسحاب السوفياتي اُختير وزيراً للخارجية لكنه جمّد عضويته وانسل من الحكومة وآن أوان القتال والتناحر فيما بين المجاهدين، وكانت له اليد الطولى فيه وأضرم نار الحرب بين حزبه وحزب الجمعية الإسلامية الذي كان يرأسه رباني وكانت الحرب قاسية وعنيفة بلاهوادة، وقد تحالف الرجل حينذاك مع القائد الشيوعي عبد الرشيد دوستم ولقّبه بالحاج دوستم الذي كان هو الآخر يقاتل ضد رباني، وكان الجنرال الطاجيكي رشيد دوستم جزءاً من النظام الشيوعي وقاد جيشاً قوياً. وكان الصحافي والكاتب أحمد رشيد، قد حاول يوماً إجراء مقابلة معه في مزار شريف وأثناء توجهه إليه شاهد لطخات دم وقطع لحم في الباحة الطينية أمام مقره، فسأل الجنود عما إذا كانوا قد ذبحوا شاة؟ فاجأبوه بأن الجنرال دوستم قد عاقب جندياً.

وقال رشيد: «كان الرجل مربوطاً في مسار شقته ودبابة روسية عادت إليه لتعبر فوق جسمه لتسحقه، بينما كان الجنود ودوستم يراقبون ذلك».

وكان حكمتيار يقول حينذاك أن رباني هو عقبة في طريق الدولة الإسلامية التي يريدها هو، وإنه هو وحده الذي يملك الخطة الكاملة لإقامة الدولة الإسلامية في البلاد. وفي 25 أبريل 1992م سارعت قوات رباني التي كان يرأسها مسعود بإجبار حكمتيار على الانسحاب من العاصمة. وفي 1996م تكررت المعارك الشرسة بين قوات حكمتيار ورباني، وانتهت بعقد اتفاقية سلام بعد أن ظهرت (حركة طالبان الإسلامية)، واقتضى التنسيق بين المنافسين فاتفق الطرفان على الصلح وتشكيل حكومة انتقالية، كما اتفقا على أن تكون رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع والمالية للحزب الإسلامي.

إن صاحبنا كما وصفه الأستاذ المجاهد الشيخ محمد يونس خالص -رحمه الله- بأن قال: “إن حكمتيار مثل سربال النار، إن كنت لابسه أحرقك وإن خلعته أبدى سوأتك”. وهاهو اليوم يصاحب ويصالح أشرف غني وعبدالله وهو ثالثة الأثافي، ولا أحد يتوقع عودة حكمتيار لإنهاء الحرب المستمرة منذ 15 عاماً، لكن عودته قد تشعل صراعاً ثلاثياً على السلطة بينه وبين غني وعبدالله، فيزيد الطين بلة، ويمكن أن يقود حكمتيار إلى مزيد من الإنقسام، ويكون هو ثالثة الأثافي، وثَالِثَةُ الأثَافِيّ: القِطعَةُ مِنَ الجَبَلِ يُجْعَل إلَى جَانِبهَا أُثْفِيتين وتَكُونُ هِيَ الثَّالِثَةُ، وهو مَثَلٌ عربـي يُضْرَب للذي يُعِينُ عليك عدوّك. ومعنى قولـهم: رماهُ الله بثالثةِ الأثافـي: أيْ رماه بالشّرِّ كُلِّه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى