مقالات الأعداد السابقة

ثبات أهل الحق

د. نائل بن غازي – غزة

 

لم يكن الناس يوماً في مواجهة الباطل على درجةٍ واحدةٍ من الإيمان والثبات، فخوض غمار المعارك بوابةُ اقتحام الخوف والضعف أفئدةَ الناس، وهو نائلٌ منهم بقدر ضعف التحصينات المانعة، والتدشين المرتبك.

فطبيعي أنْ ترى همةً خارت، وعزيمةً في الوهن غارت، وقلوباً تخطَّفها الجزعُ، وأقداماً أرعبها الفزعُ، فاختلت لديها موازين النظر، فأكثرت الالتفات للحسابات الأرضية فقط، والموازين المادية فحسب!

فأتت بذلك على بقيةٍ من ثبات ورباط، ورأت السلامة في ترك الصدام المفروض، والمواجهة الحتمية، والقعود دون المحاولة!!

حينها يجتبي الله للفرض الواجب أولياءَ يحبهم ويحبونه، أذلةً على المؤمنين، أعزةً على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

وهم الذين يتنزل عليه نصر الله الأكيد بعد أن استيأس الناس منه، وظنوه مستحيلاً.

ألا ترى هذه الفئة القليلة التي جاهدت مع طالوت، وقد أرعبها حشد الكفر، فانصرف عن اليقين بعضُهم بعد أن دبَّ الخوف في نفوسهم فقالوا: ﴿لا طاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ﴾.

فقطع تخرصاتِ الوهن والخوف بقيةُ الله من أوليائه فنطقوا بما يحب الله أن يسمع، وقاموا المقام الذي يحب الله أن يراه فذكر الله من حالهم ﴿قالَ الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهُم مُلاقُوا اللَّهِ كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصّابِرينَ﴾.

قطعوا التعلق بحسابات الأرض، واستمسكوا بيقين النصر المحتوم للثابتين المرابطين، وتوسلوا له صبراً طويلاً، ودعاءً جميلاً ﴿وَلَمّا بَرَزوا لِجالوتَ وَجُنودِهِ قالوا رَبَّنا أَفرِغ عَلَينا صَبرًا وَثَبِّت أَقدامَنا وَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ﴾ [البقرة: 250].

فاللهم ثبّت أقدامنا واجعلها راسخةً لا تفر من هول المدافعة والمقارعة، وتوفنا إليك منقادين لأمرك، ناصرين لنبيّك، مؤدين أمانة الذود عن اللواء في حصن الأمة المتقدّم.

 

أخي يا ابن الدعوة الغراء: من عاش لغاية نبيلة، لم يأبه أن كان في الفئة القليلة، فهي أبرز علامات قرب الفرج، وانتصار الحق.

ومَنْ تهاوى على جنبات الطريق جزعاً تَعِباً، فارفق به، ولازم حشد قوته بقرع القلوب بحديث اليقين، فهو عضدك على طول المسيرة، وإنْ تعسّر الاستشفاء السريع، فامضِ وادعُ له، ولا تتعجل بعجلته فترتاب، فإنه لا يعجل بعجلة أحدٍ ربُّ الأرباب.

واللهِ وباللهِ وتاللهِ ليتمنّ الله أمره، وليعزّنّ جنده، ولتبلغنّ دعوتنا الآفاق، وإنْ تكالب عليها كل كفور ومنافق ومرجف عاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى