
ثلاثية الصمود
عن كتاب (البلاء الشديد والميلاد الجديد) للأستاذ فايز الكندري
في غَلَس ليل بهيم طوقتني الهواجس واكتنفتني المخاوف وشعرت أن زنزانتي قد ضاقت علي حتى اختلفت أضلاعي، نظرت باتجاه النافذة من خلال فتحات القضبان الحديدية المتداخلة، هبّ النسيم معطراً بأنفاس الفجر القادم، اقتربت من النافذة لأنظر عن قرب إلى أي شيء يذكرني بالحياة لأروِّح عن نفسي، كانت الكشافات الخارجية منتشرة في كل مكان، موجهة أضواءها الساطعة على العنابر التي حُبِس فيها المعتقلون، لم أستطع الرؤية بوضوح، تراجعت قليلاً إلى الوراء حتى لا أُصاب بالصداع بسبب قوة الإضاءة، رجعت إلى نفسي متأملاً: لماذا أبحث عما أُروِّحَ به عن نفسي من خارجها؟ إنما السعادة نبع يتدفق من أعماق الروح المودعة في ذلك الجسد وليست نهراً يصب فيها من الخارج، وأي ضوء ذلك الذي يستطيع أن يتغلغل إلى داخل الجسد المنهك البائس ليضيء ذلك القلب الغارق في ظلام حزنه ما لم يكن المصباح في داخله هو؟ مفتاح ذلك المصباح في عمق الروح وليس في منأى عنه، إن السعادة لا يُنتظر قدومها من الخارج بل تُطلَب من الداخل، تُسْتَدعى من أغوار النفس، مصدر الحزن والسعادة يكمن في داخل النفس البشرية وليس فيما تناله من لذة أو تُعانيه من ألم، فقد يرى الإنسان غابة خضراء تعبق فيها الأزهار تتوسطها بحيرة متلألئة بأشعة الشمس فلا يرى فيها إلا الحشرات الضارة والحيات السامة والسباع المتربصة، وقد يرى في حصوله على وظيفة فرصة رائعة لبناء مستقبل أفضل، أو يراها جهداً متعباً وعملاً مضنياً يجب أن يتحمله حتى يبعد عن نفسه شبح البطالة، وقد يسقط جسده أرضاً وروحه ترفرف في العَلاء، وقد يَرْفُلُ جسده مُنَعَماً في قصر مشيد بينما تتمرغ روحه في وحل الحزن.
لقد انهمرت القذائف فوق رأسي، وتفجرت الأرض حمماً من تحتي، وتطايرت الجثث حولي، والتوى علي الجوع وأحدق بي الخوف، وبقيتُ لعشر سنوات تقريباً في زنزانة انفرادية لا يتعدى طولها مترين وعرضها متر وثمانين سنتمتر يسومني الحاقدون سوء العذاب، لكنني لا زلت حياً، لا زلت أشهد موقناً من قلبي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لازال قلبي يهفو لإشراقة الشمس، وعيني ترنو لاهتزازة الغصن الرطيب، وأذني تصغي لشدو البلابل وروحي تشتاق لمجد أمة لا زالت في التيه، لم يكن شيء من ذلك بقوتي على الإطلاق، لست رجلاً حديدياً لا يبالي بالعذاب، ولا خارقاً لا يكترث بالأهوال، لقد افتلتت من مِحْبَس صدري أناتُ وَجَع تحت السياط، وآهات ألم في القيود، لقد حزنت وبكيت، وفترت ووهنت، لكنهم لم يكسروني، ليس لأني لا أنكسر، بل لأن ما آمنت به غير قابل للكسر، باستطاعة الطاغية أن يقتلك، أن يتلذذ بأنينك، أن يملك جسدك، لكنه لن يملك قلبك، باستطاعته أن يسلبك روحك أو يُفقدك عقلك لكنه لن يسلبك إيمانك، قد تسقط بين يديه مقتولاً، أو تهذي مجنوناً، وماذا يصنع الطاغية بآلة محطمة غير صالحة للاستخدام؟ يكفيك نصراً أنك لم تكن طَوْع يديه.
أستطيع القول بكل ثقة من خلال التجربة الطويلة في أشد الظروف قسوة عند أقوى استخبارات وقوة عسكرية في العالم:
إن أعظم استراتيجية يواجه بها الإنسان ابتلاءات الدنيا تكمن في (ثلاثية الصمود):
تصحيح التصور، الاتصال بالله، الجهد البدني.
إن تصحيح التصور للأحداث هو الذي يحدد طبيعة رؤيتنا لها وتعاملنا معها، السراج الذي وضعه القرآن في أيدينا لتبديد ظلمة الابتلاء والتغلب على مصاعب الحياة بنجاح يكمن في فهم حقيقة الابتلاء واعتبار زمنه، إن تغيير التصور لحقيقة البلاء هو أهم عنصر لتجاوزه بنجاح، الابتلاء يعني الاختبار وليس الاحتقار، إنه تطهير لا تدمير، إنه اليقين بأنه يصطفيك حين يبتليك، حين تصاب مع أسرتك بحادث سيارة تُصاب فيه بالشلل وتفارق فيه زوجتك وابنتك الحياة فإنك ستنهار، لأنك رأيت الشلل لا الجائزة المترتبة عليه، لأنك رأيت في الموت الفراق ولم ترَ فيه الانتقال إلى دار التلاقِ، ماذا لو أخبرك الملك أنك إن صبرت على ابتلائك العابر الزائل فسيهبك قصراً مشيداً في جزيرة خلابة تنتظرك فيها زوجتك وأولادك بفارغ الصبر، تتنعّمون فيها خالدين بأنواع الملذات والأفراح؟ إنه التصور، يشتعل قلبك غضباً وجسدك ألماً حين يضربك عدوك، ولو ضربك مدربك الرياضي لتقوية جسدك لتقبّلت الأمر بصدر رحب، هو ذات الضرب لكن التصور اختلف فاختلفت معه مشاعرك وسلوكك، يستفزك حاقد فتثور غضباً لكنك حين تعلم أنك وقعت ضحية لبرنامج الكاميرا الخفية فإن غضبك سيتحول ضحكاً، إن تغيير التصور للمشكلة يحيلها من مأساة مؤلمة إلى تجربة مثيرة، وحين أتأمل مصائب الدنيا فإني أجدها محبوسة في قالب زمني يتحول بعد لحظة من واقع إلى ماضٍ لا حقيقة له، لكننا نرتكب جريمة في حق أنفسنا حين نصطحب معنا ذكريات الآلام إلى اللحظة الآنية لتتحول الذكريات إلى حقيقة من جديد.
وأما الاتصال بالله عن طريق الصلاة والدعاء والقرآن والتفكر فهو المدد الذي يفيض على قلبه ليذكّره بشرف الجزاء وقرب الوصول. إن تصحيح التصور وحده لا يكفي لتجاوز قنطرة البلاء لأن ميدانه الفكر، والإنسان لا يصل بالفكر وحده، بل لا بد من زاد إيماني يصله بالسماء، وهو أشد غناءً للروح من الطعام والشراب للجسد، إن تأثير هذا الاتصال الروحي الوجداني في إيقاظ القوى الكامنة في النفس أعظم من تأثير الغريزة البشرية والطبيعة البيولوجية في إفراز حمض الأدرينالين ليمنح الجسد قوة رهيبة في حال الخوف والغضب.
وأما الجهد البدني فالإنسان يتكون من جسد وروح، حين يكون الجسد ساكناً خاملاً فإن حمل البلاء ينصبُّ على الروح وحدها، فإن نشط الجسد ونَصِبَ تفرّق البلاء عليهما فخفّت وطأته على الروح، وهذا جربته بنفسي، لم أدع التمارين الرياضية طوال الأربعة عشر عاماً التي قضيتها في غوانتانامو مهما اشتدّت الظروف وعظُم البلاء، فالتمارين الرياضية لا تخفف الجسد من أوزانه الزائدة فحسب بل تخفف الروح من أثقالها المرهقة، لقد كنت أتصبب عرقاً في الزنزانة الضيقة التي لا تتعدى متراً ونصف في مترين طولاً وعرضاً، كنتُ أقول لمن حولي مازحاً: إجهاد الجسد بتمارين الضغط تخفف الضغط عن الروح، سألني أحدهم متعجباً: كيف تتحمل التمارين في مثل هذه الظروف الرهيبة؟
أجبته: بل أنا أعجب كيف تتحمل كل هذا البلاء دون تمارين رياضية؟
كنتُ أرى بعض المعتقلين الذين أقامت آثار السجن على وجوههم مشاريع جسور وأنفاق، بينما كنت أرى المواقف تجسّد أرواحهم في صورة شاب مفتول العضلات، ولم يكن ذلك إلا لأنهم أدركوا السر الذي انطوت عليه: (ثلاثية الصمود).
يظهر الترابط الوثيق بين القلب والجسد في دعائه ﷺ: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل)، فالهَمّ هو انشغال القلب بمكروهٍ متوقع في المستقبل، والحزن هو تألّم القلب بمكروهٍ وقع، وكلاهما يتعلق بالقلب، والعجز هو عدم القدرة على فعل الشيء، والكسل هو التثاقل عن الفعل مع القدرة عليه، وكلاهما يتعلق بالجسد. كما تتجلى ثلاثية الصمود في قوله تعالى: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ [آل عمران: ١٤٦]، فالوهن هو خَوَر القلب، والضعف هو خَوَر الجسد، والاستكانة هي الخضوع للعدو وهي ناشئة عن التصور الخاطئ وظن السوء بأن الله لن ينصر دينه وأولياءه.
هذا التصور لحقيقة الابتلاء وقصر زمانه يُعَدُّ كنزاً من كنوز الدنيا، ولن يفتح خزائنه إلا للمؤمن بالله واليوم الآخر، وكلما زاد الإيمان زاد هذا التصور رسوخاً، وكلما زاد رسوخاً استُقبِل البلاء بنفس راضية وقلب مطمئن، وكلما غفلتُ عن هذا المعنى تضعضعت نفسي للابتلاء، وترنّحت تحت وطأته، فإن ذكرتُه وعِشْتُه نَهَضَتْ روحي بعد سقوطها من جديد.
ولا شيء يزيد الإيمان كالتفكر في الأدلة العقلية الدالة عليه، الإسلام لا يعرض منهجه بمعزل عن دلائله، لأنه يدرك أن أحكامه وأخباره لا قيمة لها دون براهينه، وحين يوجّه المؤمن نحو الامتثال لأوامره الموصلة للسعادة فإنه يُجيِّشُ لذلك كل حقائقه الكبرى، حقيقة وجود الله المبرهنة بالضبط الدقيق لقوانين الكون، ودلائل صدق حكمه وخبره الذي استطاع إنقاذ العربي البدوي من درك التخلف إلى ذروة الحضارة في أمد زمني قصير مذهل تعجز عن مثله كل الأفكار الأرضية التي رفضت وحي السماء، تتوالى الأدلة على صدق الوحي حتى تصبح حقيقة يراها بعين قلبه، ليس بينه وبينها إلا حجاب رقيق يشفّ ما وراءه، من صح إيمانه سيراها، سيرى على تلال المسك القصور، ويرى الصالحين تعبق منهم العطور، وتزينهم ضفائر الريحان والزهور، وكل من بذل وضحى تلقّته الحسان بصدر طهور، سيوقن بوعد الله بالنصر، سينتظر طارق البشرى كل لحظة ينادي بصوت يملأ الكون: (لقد كُسِر القيد)، وما مجيء الموت قبل ذلك ليُخلِف الوعد، بل هو أجمل وعد وأسعد بشرى، إنه النصر الحقيقي حين افتلتت روح المؤمن من أيدي أعدائه منطلقةً إلى ربها الرحيم الذي سيقتصّ لها من ظالم متكبر، فليست الدنيا سوى منازلة قصيرة بين الحق والباطل، إني أرى ميدان الصراع الرحب ممتداً إلى ما وراء تلك الربوة الصغيرة التي يسميها الناس موتاً، وإعلان النتيجة يكون في نهاية الشوط لا منتصفه.
لقد دعانا الوحي لسبر أسرار النفس المفعمة بالتعقيد الدال على الصانع، لكن (علم النفس) تمرّد على الخطة الرئيسية وصار منطلقه دنيوياً صرفاً مقطوع الصلة بما وراء المحسوس، كم هو مثير للشفقة حين يحاول (علم النفس) أن يعالج مشكلات النفس البشرية مستقلّاً عن وحي السماء، أنى لتجارب هذا المخلوق العارض الذي لم يطرأ على هذا الكون العتيق إلا بالأمس القريب أن يمنح الطمأنينة لنفس تدرك أنها تعيش في كوكب دوّار مبحر في كون سحيق مظلم لا يدرك مصيره ولا سبب وجوده؟
رأيتُ أحد المعتقلين الظرفاء يوهم الطبيب النفسي في غوانتانامو أنه بحاجة لمساعدته في التخلص من الاكتئاب، قال له الطبيب: أقنع نفسك أنك سعيد.
سأله: كيف؟
: توقف عن التفكير السلبي عن التفكير في الألم والشقاء الذي أنت فيه.
: في هذه الزنزانة؟ وسط هذا العذاب والإذلال؟
: أدرك صعوبة ذلك، لكن حاول، قل لنفسك (أنا سعيد)، كررها مراراً: (أنا سعيد.. أنا سعيد.. أنا سعيد)!
: لكني لست سعيداً، هل أخدع نفسي؟
: نعم.. لأن خداعك لنفسك فيه مصلحة لك!
إن الاستقواء بالكلمات على جيوش الاكتئاب دون الاقتناع بمعناها ضرب من ضروب الجنون، واليقين لن يحصل دون اقتناع العقل به، هنا تكمن أهمية التحرر من المعوقات النفسية التي تمنع الناس من البحث بجديّة عن حقيقة نشأة الكون والمصير، عجباً لرجل وجد نفسه في طائرة فلم يكلّف نفسه البحث بجدية وإخلاص لمعرفة سبب الرحلة ووجهتها!
إن البناء النفسي المتفرّد الذي يؤسسه الإسلام لا مثيل له، إنه يستثمر الموت استثماراً إيجابياً تعجز عنه جميع المدارس النفسية الأخرى، لقد استغل الإسلام حقيقة الموت لاستثماره في تحقيق السعادة، لقد حوّله من رعشة فزع إلى هدأة أُنس، ومن لحد مظلم وجمجمة محطمة وغربة موحشة إلى ابتسامةِ بهجةٍ ونشوةِ وصولٍ ولقاء الحبيب بالحبيب، فالموت في الإسلام ليس سوى بوابة تنقلنا من دارٍ إلى دار، أما في الأفكار الأرضية المعزولة عن السماء فهو يعني النهاية المرعبة الموغلة في الفناء، لذلك قال ﷺ: (أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره عبد قطّ وهو في ضيق إلا وسّعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيّقه عليه)، يوسع الضيق لأنه يذكر بنهاية البلاء وآخر الألم وزوال المعاناة، يفسح أمل المكروب لأنه ينعش الروح بالثواب الجزيل والنعيم الأبدي، الموت للمؤمن يعني توزيع الجوائز واستقبال الأحبة الذين سبقوا واحتفال كرنفالي بالفوز، (ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيّقه عليه)، إنها سعة المادة المُطغية والترف المُلهي الذي يجب أن يضيق، لأنها عدو الإنجاز الذي يجب أن يُقتل، وعائق الفوز الذي يجب أن يُزال، والصنم المتعجرف الذي لا يحطمه سوى فأس الموت، الموت الذي يذكّرنا بفناء الخصب كي نحرث للجدب، إنه يحثّنا للاقتطاع من ثروتنا الحالية كي نودعها في رصيدنا المستقبلي لنستهلكه في وقت المجاعة، إن إلجام النفس عن طغيان النشوة يُرَوِّضُها لتُلجَم عن طغيان الكآبة، إن علاجاً استطاع التغلب على التأثير السوداوي للمكان المحصور في زنزانة انفرادية ضيّقة وللزمان المتوقف عند صمت كئيب يقطعه رنين السلاسل؛ لقادر -بإذن الله- على التغلب على ما عدا ذلك، أي مفتاح سحري ذلك الذي استطاع أن يفتح قفل أحزان الماضي ويحطّمها، وهواجس المستقبل ويدمرها؟
لقد فرّق الإسلام بين الطموح الذي تستطيع تحقيقه والقَدَر الذي لا تستطيع دفعه، أما الطموح فعينُ المؤمن فيه إلى الأعلى، وأما القَدَر فإلى الأسفل، وفيه قال ﷺ: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)، يزداد حزن الإنسان حين يظن نفسه الأسوأ، ويَهُونُ عليه بترَ قدمه حين يرى مبتور القدمين.
إن تغيير زاوية النظر في أقدار الله يبدّل الحزن فرحاً والمحنة منحة، فلا يوجد مبتلى في الدنيا إلا وهناك من هو أشد منه بلاء، ولو افترضنا من بلغ الغاية في البؤس والشقاء فإن جهنم أبأس وأشقى، فيحمد الله أنه لا زال في فسحة من أمره وأن ساعة الخلاص من الألم لابد آتية بالموت الذي حوّله الإسلام العظيم من عويل مرعب إلى نغم مطرب.
تأملتُ ما مرّ بنا من صروف الدهر وتفكّرت في قول الله: ﴿لَقَدْ خَلَقنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ في مكابدة المشاق والمتاعب، فوجدتُ أن لَأْواء المشقة يزول بفرحة انتهائها، وبؤس الشقاء يتلاشى ببهجة انصرامها، وحين يقلّبك البلاء من كف إلى كف فإن الآخر يُنسي الأول، ليتحوّل الألم كل لحظة من واقع تعيشه إلى حلم تتذكره، فأنت في الحقيقة لا تتألم إلا نَزْراً ولا تتلذذ إلا بالفتات وإن توهمته عظيماً كثيراً. وفيه قال أحد الحكماء: لو أن الدنيا ذَهَبٌ يفنى والآخرة خَزَفٌ يبقى؛ لآثر العاقل ما يبقى على ما يفنى، فكيف والآخرة ذهب يبقى والدنيا خزف يفنى؟
كل ما أنت فيه من آلام إنما هي لحظة ثم تنقضي، أنت لا تحمل فوق ظهرك آلام الأيام الخوالي والسنين الثقال، ستترك كل هذا العناء وراءك، لن يبقى منه سوى خيال عابر يذكّرك برحمة الله الذي أفناها ولم يُبقِ إلا ذكراها، أنت وليد لحظتك، كل مِحنة في هذه الحياة وهمٌ لأنها لحظة فانية، وكل لذة فيها متاع الغرور لأنها كبالون في يد طفل، سرعان ما تفلت من يده لتحلق بعيداً، كل دمعة وابتسامة في هذه الدار إنما هي من نسج الخيال، لا حقيقة في هذا الوجود إلا ما كُتِب له الخلود.