
جدال مستمر إلی الآن
خان محمد
مضى أکثر من عامین من عمر حكومة الوحدة الوطنیة، الحكومة التي وُلِدت بعد نزاع شدید دام سنة کاملة بین عبدالله عبدالله وأشرف غني. بالطبع کان لهذا النزاع أثره السيء علی المجتمع الأفغاني اقتصادیاً وسیاسیاً. ولکن بعد مدة طویلة، تشکلت الحكومة بتوقیع قرار بین الرئیسین. تشکلت الحكومة ضمن ذاڬ النزاع والخلاف الذين مازالا موجودین تحت الرکام. فکان هذا النزاع والاختلاف یشتعلان بين الفینة والأخرى. وکل من رئیس الجمهورية والرئیس التنفیذي یستخدم قدراته ومواهبه لهزیمة الطرف الآخر. ولکن لعوامل عدیدة، لم یستطع أحدهما الانتصار علی الآخر تماماً. ويتجلى هذا الخلاف والنزاع بین الرئیسین في القضیة التي حدثت أواسط العام الماضي، إذ تشاجرالرجلان واستخدما في حق بعضهما أسوأ التعبیرات، حتى کادت عری حكومة الوحدة الوطنیة أن تنحل. عند ذلڬ لجأ الرجلان إلی “جون کري”، وزیر خارجية أمريكا، وتمسکا بذیله لیخرجهما من ورطة انحلال حكومة الوحدة الوطنیة.
ومنذ ذاڬ الحين، وحتى قبل ذلڬ، کان کثیر من المحللین والخبراء یتکهنون بسقوط حكومة الوحدة الوطنیة إن دامت الاختلافات والنزاعات القائمة بین الرئیسین. حتى أن ممثل “بوتین” في قضایا أفغانستان تکهن بسقوط النظام الحالي بعد عدة أعوام.
ومنذ سنة والخلافات متوارية ولم تظهر على السطح، حتی لم نعد نسمع من وسائل الإعلام عن حدوث نزاع بین الرئیسین؛ فظننا بهما خیراً، وأنهما تخليا عن کثیر من مطالبهما السیاسیة لصالح الحكومة أو الشعب. حتی جاء تقریر الکتلة العالمیة للأزمة وأخبرنا أن أزمة الخلاف بین الرئیسین أعمق وأضخم، وأن رحی النزاع لاتزال دائرة بینهما. فالوحدة الموجودة حصلت من توقیع قرار تشکیل حكومة الوحدة الوطنیة. كما أن هذا التقریر يدلنا على أن مرد جمیع الخلافات إلی ذاڬ القرار وخاصة مواده التي تتعلق بإصلاح النظام الانتخابي. والواقع أن عبدالله قبِل بهذا القرار؛ لأجل المواد التي تتعلق بإصلاح الانتخابات، وقد اتفق هو وأشرف غني علی تنفیذها وإصلاح النظام الانتخابي للحیلولة دون الغش في الانتخابات. أما تقریر الکتلة الدولیة للأزمة جاء في أوانه وزمانه، وإلیکم بعض المقتطفات من هذا التقریر الهام.
فوفقاً لهذا التقریر الهام: “بعد مرور سنتین ونصف السنة من عمر حكومة الوحدة الوطنیة، فإن مستقبل هذه الحكومة -وبتعبير أشمل- مستقبل الثبات السیاسي الأفغاني متزلزل جداً. فالحكومة مصابة بالخلاف الداخلي، وعدم التنسیق بین الرئیسین، وتقوية المخالفین”. زاد التقریر: “إن رئیس الجمهورية والرئیس التنفیذي، تنفیذاً لمواد القرار الذي وقعاه بعد الانتخابات المنصرمة، تقاسموا المناصب العسکریة وغیر العسکریة الکبری إلی مناصريهم وإلی أقوامهم”. وجاء في التقریر: “إن أشرف غني یختار أفراده من (البشتون) وعبدالله عبدالله من (الطاجیڬ)”. وبحسب التقریر: “إن الخلاف الموجود بین الرئیسین ناشئ عن الإبهام الموجود في القرار الموقع. ” كما جاء في التقریر: “إن لم يتم القضاء على النزاع والخلاف الموجود بین قادة الحكومة الوحدة الوطنیة، فمن المتوقع نشوب حزب داخلي في أفغانستان، وبالطبع انتشار الفوضى في المجتمع”.
والعجب أن الرئیسان – مع وجود الخلافات بینهما – قاما برد هذا التقریر، وخاصة تلڬ النقطة التي تقول بأن توكيل المناصب في حكومة الوحدة الوطنیة يكون بناءً علی معاییر قومیة.
وأضاف التقریر أن “الفئویة تغلغلت في أحشاء جمیع المجالات الأمنیة في أفغانستان”. أما فيما يتعلق بالفساد، فقد جاء تقریر الکتلة الدولیة للأزمة بمعلومات تفيد بأن مرد الفساد إلی النزاعات الموجودة بین الرئیسین، فیقول التقریر: “إن المحاولات لقمع الفساد قوبلت بمخالفة شدیدة من جانب بعض الکتل داخل الحكومة. ولما أن المناصب والمسئولیات قسمت علی المعاییر القومیة، هنالڬ قومیات أخری تشعر بالتهميش والظلم”.
هذا ما اقتطفناه من تقریر الکتلة الدولیة للأزمة. وهو يبین لنا مدی النزاعات الموجودة بین الرئیسین. فکل یری نفسه رئیساً للبلد. ولا شڬ أن المملکة الواحدة لا تتحمل رئیسان. ولکن المحتلین جاءوا بحكومة یحکمها رئیسان. والمتضرر الأكبر من هذه القضیة هو الشعب المسکین. فالخلافات الموجودة سببت کثیراً من الأزمات التي یعاني منها شعبنا. فهنالڬ آلاف من أبناء شعبنا غادروا البلد فراراً من الواقع الألیم الموجود.
وفي ظل هذا الخلاف الشدید بین أشرف غني وعبدالله، إلی أین سیکون مسار بلدنا وشعبنا؟ لا یمکننا إبداء رأي في هذا المجال وخاصة ضمن الظروف الحالية الموجودة. إلا أنه من المعلوم أن أحد أسباب سقوط الامبراطوریات هو الخلاف والنزاع. فهذا الخلاف سوف یؤدي إلی سقوط حكومة کابل، ولکن بعد معاناة شعبنا من کثیر من الأزمات. وفي هذا الصدد تذکرت قول الله إذ یقول: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ). (الحشر/۱۴).