مقالات الأعداد السابقة

جروة بن يزيد الطائي البلخي رضي الله عنه

إعداد: أبو سعيد

 

ذكره أبو حاتم السجستاني في المعمّرين وقال: عاش نحوا من مائة سنة، ثم أدرك الإسلام، وغزا الترك مع الأحنف بن قيس في زمن عثمان، فأصابته ضربة فشلّت يده، فأعطاه الأحنف ديتها، ثم نزل بلخ، وكان يكثر الغزو في الترك، وهو شيخ كبير إلى أن قُتِلَ مع سَورة بن أبجر(بسمرقند)، وله في ذلك أشعار كثيرة([1]).

قال أبوحاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 248هـ) في كتابه المعمرون: وعاش جروة بن يزيد الطائي، وكان ينزل بلخ خراسان، نزلها أيام عبد الله بن عامر، وهو ابن قريب من مائة سنة، وقتل مع سورة بن أَبجر، وهو أشل اليد اليسرى، ضربت يده يوم زحف التُّرك إلى الأحنف بن قيس، فشلّت يده، فأعطاه الأحنف دِيتَهَا، وأعطاه ابن عامرٍ ديتها أيضا، وأمر له بعشرة آلاف درهم.وكتب إلى الأحنف: كافئ على البلاء فإنَّ الله يحبَّ الشَّاكرين.

وكان يكثر الغزو، وهو شيخ كبير، وكان سخيا، شجاعا وهو الذي يقول:

 

تلوم حليلتي بالغزو جهلا *** وغرُ الغرور أَولى بالملام

ولولا الغزو كنت كمن يغادى *** بأنواع الشَّبارق والمُدام

قليل الهمِّ يزهدُ في المعالي *** ويرضى بالقليل من الطَّعام

فهمِّي غير همِّكِ فاتركيني *** وغزوي، إنَّه همُّ الكرام

سأَغزو التُّرك إِنَّ لهم عُراما *** وبأسا حين تزحف للزِّحام

هو الموت الزُّؤام([2]) إَذا تنادوا *** لحرب يستطار لها عُقام

تراهم في الحديد كأُسدِ غاب *** على جرد عوابي كالجلام

طووها للغوار فأَضمروها *** فاضت لا تضجُّ من الكلام

ولا تنحاش من ذعر ولامن *** مباشرة الأَسنَّة والسِّهام

وعندي حين أَغزوهم عتاد *** عتيد، كلُّ مصقول حسام

وكلُّ طمرَّة مرطى سبوح *** أَمام الخيل ظاهرة القسام

وكل مثقفَّ لدن عسول *** عليه مثل نبراس النِّهام

إِذا أَنحيته في القرن أَصمى *** ولا ينئد([3]) للحلق التُّؤَام

وفتيان إِذا ندبوا لحرب *** تمشُّوا مشية الإبل الهيام

يرون عليهم لله حقَّا *** مقارعة الطَّماطمة الطَّغام

يريدون المثوبة من إله *** بصير تحت قسطال([4]) القتام

وكلُّهم يرادي التُّرك قدما *** ويحوى منفسا في كلِّ عام

ويرجو الله لا يرجو سواه *** وراجي الله يرجع بالسَّلام

وقالت قد كبرت فقلت كلاّ *** وربِّ البيت والشَّهر الحرام

لقد أَبطلت، ما كبري بمُدبي *** إلىَّ حليلتي، قدر الحمام

سأَغزو أَو أَموت كذا خفاتا *** ولا آتى بداهية وذام

فإنَّ الدَّهر يلعب أَبرديه *** بكلّ مذمَّم جلد العظام

ويترك كلَّ مضعوف جريء *** على الأَبطال يعرف بالزَّحام

وهو الذي يقول لامرأته:

وقالت قد كبرتَ، وقلت حقَّا *** كبرتُ، فكفكفي ودَعِي عتابي

عتابك كلَّ يوم لي عذاب *** ومثلي لا يقرُّ على العذاب

فإن لم تصبري وكرهت قربي *** فدونك ما أَردت من اجتنابي

سأَغزو التَّرك في نفرٍ كرام *** سراع حين ندعى للضِّراب

يرون الموت أَفضل من حياة *** تُصيِّرها الدُّهور إِلى تباب

وفي الأَيَّام لي عظة وناه *** وما أَرضى معاتبة الكَعابِ

لأَنِّي أَطلب الأَمر الَّذي لا *** ينال بغير ضرب للرِّقاب

فيا ليت السيوف تعاورتني *** بأَيدي معشر كأُسود غاب

فأَلقى الموت مشتهرا فعالي *** ولم تدنس بمخزية ثيابي

وكُفِّى طلَّتي وتجنَّبيني *** وكلُّ العيش ويحك للذَّهاب

وقد أغدو أقود إلى المنايا *** فتوَّا زجرهم بهل وهاب

إذا ما عاينوا موتا زؤاما *** تمشَّوا مشية الإبل الطَّراب

رجاء أن تصيبهم المنايا *** فينجوا من أليمات العقاب

 وقال أيضا:

لعمري وقد جاوزت تسعين حجَّة *** وتسعين أرجو أن أعمرها غدا

فما زادني صبري على ما ينوبني *** من الدَّهر ضعفا لا، ولا كدَّ لي زندا

وأرجو وأخشى أن أموت ولم أقم *** تخذِّعني بيض ضربنا بها السُّغدا

أذلَّت لنا أركانهم بعد عزَّة *** وكانوا أباة حين تعلقهم صمدا

فلا تهزئي منَّا ولا تتعجَّبي *** فلست أرى ممَّا فضي الله لي بدَّا([5])

 

قال ابن عساكر في ترجمة جنيد بن عبد الرحمن (المتوفي 116هـ بمرو): هو من أهل دمشق، استعمله هشام بن عبد الملك على السند وخراسان سنة اثنتي عشرة ومائة.

وقصة ذلك: أن أشرس بن عبد الله السُّلمي غزا فرغانةَ، فلقيه الزَّحفُ، فأحاطت به الترك، فبلغ ذلك هشام بن عبد الملك فعزله، فولى الجنيد بن عبد الرحمن سنة ثلاث عشرة ومائة.

خرج الجنيد بن عبد الرحمن غازيا يريد طخارستان فجاشت الترك بسمرقند، فسار الجنيد حتى كان على أربع فراسخ من سمرقند، فلقيه خاقان، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى أمسوا، فتحاجزوا، وكتب الجنيد إلى سَورة بن أبجر واليه على سمرقند، فأمره بالقدوم عليه، فأحاط به الترك قبل أن يصل إلى الجنيد، فقُتَلَ سورة بن أبجر وعامة جيشه. ثم لقيهم الجنيد فهزمهم الله([6]).

([1])الإصابة ( 1/ 634)

([2])قال أبوحاتم أخبرنا أبو عبيد قال: الزؤام الموت(أي العاجل).

([3])لا ينئد لا ينثني، والتؤام يعني حلقتين، وهذه دروع حلقُها مضاعف.

([4])قسطال: غبار.

([5])الـمُعَمَّرون(ص 22 ، 23 )

([6])تاريخ دمشق( 11/ 323)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى