مقالات الأعداد السابقة

جلال الدين حقاني..العالم الفقيه..والمجاهد المجدّد (3)

# الغنائم.. نعمة ومشكلة. وكانت في حاجة إلى اجتهادٍ جديد.

# حكمة حقاني وبعد نظره، كانت سببًا في تفادي القتال الداخلي، والوصول إلى فتح كامل لمدينة خوست واقتحام جرديز.

# عمليات ” الغلول” والكبيرة المنظمة، كانت ذات بعد سياسي لتعطيل الفتح واستبداله بالفتن القَبَلِيَّة.

# حقاني كان “بنك اقتراض” معتمد لدى المجاهدين وتجار القبائل، فتمكّن من عبور أزمات التسليح والإمداد.

# الطلقة الثالثة ثابتة.. في المدفع البلجيكي المضاد للطائرات !

# جاهد حقاني لإسقاط أسطورة الطيران الذي لا يقهر. والحفريات التي قام بها أفشلت أسلحة العدوّ المتقدمة.

# قصة السلاح الأول المضاد للدّروع (ضد الدبابة) وكيف غنمه المجاهدون واستخدموه في نفس المعركة.

# البراعة السياسية لحقاني لا تقل عن موهبته العسكرية، وكانت سببًا لعبوره من عنق الزجاجة الذي فرضه الأعداء على جهاد أفغانستان.

 

عندما تركنا موقع ” مطيع الله ” في الأورجون، كان الرجال يجمعون الغنائم في خيمة واحدة، مليئة بالأسلحة وأجهزة اللاسلكي وصناديق الذخيرة. وعندما وصلنا إلى مركز”سرانا” عند مولوي جلال الدين حقاني، كانت عملية مشابهة تجري في مكان قريب من المركز، بعد المعركة الكبرى في منطقة إبراهيم خيل.

 

حديث في سرانا عن بخارى وسمرقند:

شارك حقاني ورجاله في المعركة إلى جانب رجال “ابراهيم خيل” الذين هم أحد بطون قبيلة زدران. كانت الغنائم كبيرة جدا وذاع نبأ النصر والغنائم بسرعة كبيرة في الولايات القريبة ومنها ولاية غزني. قابلت “مولوي” شاب قادم من هناك، وصل إلى قمة الجبل حيث يقيم حقاني. كان يجيد العربية، وكالعادة أدهشه وجود عربي في ذلك المكان. وبدأ الحديث معي وهو مازال متقطع الأنفاس.

دار بيننا حوار شيق، ورغم قصره إلا أنه لمس عدداً من النقاط الحساسة، منها سؤال عن “مذهبي” لم أدرك مغزى وخطورة السؤال إلا بعد ذلك بسنوات. وهو الآن أصبح ذو أبعاد أخطر بعد ظهور الحركات الوهابية المسلّحة. وانتقال داعش إلى أفغانستان لتكون خير عون للاحتلال الأمريكي.

عندما سألت المولوي الشاب عن برنامجهم للجهاد. قال: إنه بعد تحرير أفغانستان سوف يتوجّه المجاهدون لتحرير بخارى وسمرقند من احتلال الروس. أصابتنى إجابته بصدمة، أوّلًا لأنّ هناك من المسلمين من يتذكر إلى الآن تلك الأسماء التاريخية (المندثرة)، وثانيًا بينما الجهاد مازال يحبو بصعوبة في خطواته الأولى، فإن ذلك الشاب يتحدث عن تحرير بخارى وسمرقند، وليس جرديز القريبة أو خوست الأبعد قليلًا.

سألته عن سبب قدومه إلى سرانا، فقال: إنه يريد سلاح ” ضد الدبابة”. كنت أعتقد أن الطائرة هي أخطر سلاح في العالم. وقد تأكّد لي ذلك في بداية طريقنا إلى أفغانستان، عندما شاهدنا الطائرات وهي تدمّر عددًا من القرى، ولم نشاهد أي دبابات.

قال شارحًا السبب: إنّ الطائرات تقصف وتمضي في حال سبيلها، أما الدبابات فتجلس في القرى ومعها الجنود الذين يقتحمون البيوت ويعتدون على الأموال والأعراض.

ثم قال: سمعتُ أنّ مولوي حقاني حصل في غنائم المعركة الأخيرة على سلاح “ضد الدبابة” ـ هكذا كان اسم ذلك السلاح بين المجاهدين في ذلك الوقت ـ وجئتُ للحصول على واحد منها.

تعجبتُ لسرعة انتقال الأخبار بين الولايات رغم عدم وجود وسائل اتّصال حديثة، وهكذا من قرية مجهولة بين جبال باكتيا إلى قرية في صحراء غزني يطير الخبر خلال ساعات.

 

نعمة الغنائم، ومشاكلها:

بعد تجميع الغنائم كان يجري تخميسها، بحيث يحصل المجاهدون على أربعة أخماس الغنائم، ويذهب الخمس الباقي إلى “بيت المال” أو قيادة الجبهة. ولهذا النظام مرتكز شرعي صحيح إلا أن تطبيقه كان يحتاج إلى اجتهادٍ جديد، لأنه في ظروف الحرب الحديثة ومعدّاتها كان التقسيم يؤدي إلى ضياع جزء كبير من إمكانيات قتالية هامة، وإلى عجز مالي كبير لدى قيادة الجبهات إذا حاولت شراء المعدات الثقيلة الهامة من مدافع ودبابات وذخائر. لذا كان معظم تلك المعدات الهامة يذهب ليُباع في أسواق السلاح الحدودية. وعند محاولة شرائها مرة أخرى كانت أسعارها تتضاعف، هذا إن وجدت أصلا، لأن جهات معنية بإفشال الجهاد وعرقلة مسيرته، كانوا يجمعونها بأي سعر ثم يخفونها عن الأنظار. لم تكن تلك مشكلة عادية إذ أوشكت بالفعل على كبح انتصارات المجاهدين ووقف الجهاد قبل التحرير الكامل. أي إجبارهم على الدخول في مساومات تقسيم السلطة بين السوفييت والأمريكيين.

وكانت الغنائم وتوزيعها وظهور الاحتياج إلى الأسلحة الثقيلة وذخائرها من المشكلات الكبيرة التي واجهت القيادات الجادة المخلصة من أمثال حقاني. وظهرت في وقت لاحق مشكلة “الغلول” أي سرقة الغنائم أو اختطافها بالقوة. أحد الأحزاب اتّخذ من تلك الجريمة منهجًا ثابتًا لرجاله في الجبهات ليضعهم أمام خيارين إمّا الدخول معهم في صدام مسلح وفتنة بين المجاهدين أو الرضوخ للأمر الواقع حفاظًا على وحدة المجاهدين. كان حقاني يفضل الخيار الثاني. تكوّنت مجموعات خلف الحدود الباكستانية بأعداد كبيرة لاختطاف الغنائم من أيدي المجاهدين. وعملية الغلول كانت تحدث عادة في الدقائق القليلة الحاسمة قبل نهاية المعركة، بحيث تضع المجاهدين الحقيقيين أمام خيارين: إمّا ترك المعركة وإفشالها حتى يمنعوا غربان الغلول، أو إنهاء المعركة والرضا بالقليل من الغنائم التي تبقت.

معركة فتح خوست التي بلغ فيها المجاهدون بقيادة حقاني قمة تطوّرهم العسكري، شهدت أيضًا قمة التطوّر في فن جريمة الغلول. ولولا حكمة حقاني وبعد نظره لوقعت مجازر كانت ستؤدي حتمًا إلى فشل الفتح سواء في خوست أو في جرديز. وفيها تبدت بوضوح الأبعاد السياسية لعمليات الغلول، وأنها تهدف إلى حرف المجاهدين عن الفتوحات وتحويلهم إلى الفتن القبلية بديلًا عنها (ولنقارن ذلك مع فتنة داعش الآن، والتي تفرض الفتن الطائفية والعرقية كبديل عن جهاد العدو المحتل). وليس سرًّا أن نقول أن بصمات الحكومة الباكستانية كانت واضحة، وكذلك أحزاب بيشاور، خاصة حزب حكمتيار الذي هو تشكيل باكستاني أكثر منه أفغاني، أي خاضع لإدارة كاملة من المخابرات الباكستانية (ISI). ذلك الحزب كانت له اليد الطولى في عمليات الغلول داخل أفغانستان، ومع ذلك فقد كان الأسرع دومًا إلى إصدار بيانات من بيشاور تنسب أي انتصار داخل أفغانستان إلى الحزب الذي كان يحظى بدعم كامل من الإعلام الباكستاني. بالطبع كانت هناك مجموعات إجرامية مستقلة كانت تعمل في خطف الغنائم، بل وعمليات سرقة وقتل بهدف السرقة، ولكن ضررها كان محدودًا جدًّا مقارنة بالعمل المنظم ذو العمق السياسي لعمليات الغلول. حتى العمليات الإجرامية محدودة الحجم كانت ذات دلالات سياسية أحيانًا، مثل البحث عن العرب تحديدًا، لقتلهم في الجبهات أو على الحدود أو في العمق الباكستاني. ولكن اهتمام المتطوّعين العرب بمثل هذه الأشياء كان وقتيًا ومحدودًا، فلديهم برامج أخرى، وكانوا يفتقدون إلى قيادة مركزية جامعة. فالعربي الذي يغتال أو يستشهد كان موضع اهتمام أصدقائه المقرّبين فقط، أو على الأكثر الجماعة أو التنظيم الذي يتبع له. وكثرة شهداء أي تنظيم كانت تحمل دعاية مباشرة له، لذا كانت خير وبركة من وجهة نظر تنظيمية.

حركة طالبان فيما بعد طبّقت اجتهادًا جديدًا إذ احتجزت كل الغنائم “لبيت المال”، في مقابل ما يحصل عليه المجاهدون من إمدادات قتالية وأحيانًا مكافآت مالية. وفي هذا التطبيق بعض الصعوبات أيضًا، مع أنه حلّ جانبًا هامًّا من المشكلة.

 

حقاني.. بنك معتمد:

سألتُ حقاني عن سلاح ” ضد الدبابة ” وكم قطعة غنموها. فأجاب أن نصيب “بيت المال” كان قطعتان فقط، واحد منها سليم تمامًا والآخر محترق بحيث لم يتبق منه سوى الهيكل الحديدي، وقد ذابت كل القطع البلاستيكية. وقد رأيته وكان مشوّهًا بالفعل.

فسألته كيف سيتصرف مع المولوي القادم من غزني، قال: إنه سيشتري قطعة سليمة من أحد المجاهدين، ويعطيها له. كنت أعلم أنّ حقاني لا يمتلك نقودًا في الوقت الراهن، ولكنني استحيتُ أن أسأله كيف سيشتري ذلك السلاح؟

بعد قليل رأيتُ مجاهدًا جبليًا خشنًا يخرج من غرفة حقاني وهو يمسك ورقة صغيرة في حجم نصف الكف، وهو يحملق فيها مذهولًا وعلى وجهه ابتسامة سعادة ودهشة.

سألتُ عن سر هذه الورقة المدهشة. فعلمتُ أنّ ما في يده هو إيصال بالمبلغ الذي تعهد حقاني بسداده ثمنًا لسلاح (ضد الدبابة) الذي باعه إليه ذلك الرجل.

أدركتُ وقتها مدى الثقة التي يتمتع بها حقاني بين رجاله، لدرجة أن هذا المجاهد الفقير اعتبر أن تلك الورقة هي مال حقيقي حصل عليه. وأثبتت الأيام أن ثقة الرجال بذلك القائد هي أكبر من ذلك بكثير. جانب من هذه الثقة يعود إلى كونه عالم دين وهي منزلة محترمة جدًا اجتماعيًا. جانب آخر من الثقة يعود إلى مميّزاته الأخلاقية العالية وقدراته القيادية الفريدة. فهو صادق ودودٌ مع رجاله وحازم في قيادته. وكان الأشجع على الدوام، وهي صفة ذات منزلة كبيرة بين رجال القبائل، وهي تلي مباشرة منزلة عالم الدين. تلك المميّزات لحقاني مكنته من تعويض النقص في الذخائر والأسلحة والمهمّات من طعام ووقود، معتمدًا على مصداقيته في الأسواق القبلية، حيث منحه التجّار قروضًا وصلت إلى ملايين عديدة في بعض الأوقات، أو باعوه بالأجل جميع متطلبات جبهته، معتمدين أنه رجل صادق أوّلًا، ثم أنه منتصر دومًا ويربح الغنائم الكثيرة وقادر على السداد.

 

حقاني في أكاديمية الجهاد:

بالتدريج كانت قوة المجاهدين تزداد، والمعارك تكبر من ناحية الحجم والشدة. قدرات حقاني القيادية كانت تنمو معها باستمرار. فهو الرجل ذو التعليم الديني، والذي لم يخدم يومًا في الجيش، كان يتعلم الحرب بالممارسة، وبالملاحظة العميقة والذكية، وبالاستفادة من أي معرفة تأتيه من أي جانب كان، حتى من أسراه العسكريين.

كان يجلس مطولا مع الأسرى، خاصة الضباط منهم. ويسألهم كثيرًا عن كل شيء يتعلق بحياتهم العسكرية وأحوال الجيش المعنوية والقتالية وعن الأسلحة الموجودة لديهم وتكتيكاتهم في القتال ويطلب منهم تقديم خدمات لتدريب المجاهدين على بعض الأسلحة الجديدة، وعن إصلاح تلك الأسلحة إن أمكن.

قرب نهاية رحلتنا الأولى، جاء إلى “سيرانا” حوالي عشرة من الضباط متوسطي الرتب، فرّوا من جرديز، حاملين معهم ثروة من المعلومات الداخلية، تقود إلى نتيجة واضحة وهي أنّ النظام يتهاوى، وأنّ الجيش بدأ في رفض الحرب القائمة. وأنّ تمردًا حدث في أحد الألوية في كابول. وتمردًا آخر لضباط في جرديز مع جنودهم، كانت منهم تلك المجموعة.

بعضهم كانوا ضباطا في سلاح الدبابات، فطلب منهم حقاني الذهاب إلى موقع المعركة الأخيرة، لبحث إمكانية إصلاح شيء من الدبابات والمدرعات والمعطوبة هناك. أمضوا هناك قرابة اليوم وعادوا بنتيجة سلبية، بأن لا شيء هناك قابل للإصلاح. فالمجاهدون انتزعوا من الدبابات كل شيء يمكن لهم خلعه، ثم أحرقوا باقي الدبابة. شعر حقاني بالأسف وأنا أيضًا شعرتُ بالأسف، لأن المجاهدين على شجاعتهم الكبيرة، في حاجة إلى الكثير من التعليم والتدريب، وأيضًا الإمكانات الحديثة. باختصار كانوا في حاجة إلى عناصر بشرية إسلامية إضافية، وتخيلت وقتها أن المتطوعين العرب هم ذلك العنصر المفقود. ولكن بعد سنوات تمنيتُ لو أن العرب لم يأتوا إلى أفغانستان، إذ خلقوا مشكلات أكثر وقدّموا إيجابيات أقل ممّا توقعت.

 

“إبراهيم خيل” خطوة مبكرة لفتح خوست:

** لم يقص عليَّ حقاني تفاصيل معركة (إبراهيم خيل)، معتبرًا إيّاها مجرّد واحدة أخرى من المعارك. وهي لم تكن كذلك بالضبط، لأنها منعت الجيش الحكومي، وحتى السوفييتي فيما بعد، من مجرد التفكير في المرور بالقوة من ذلك الطريق. أي أن معركة “إبراهيم خيل” كانت البداية المبكرة والخطوة الأولى لفتح مدينة خوست بعد مشوار طويل (أكثر من عشر سنوات) من المعارك الحافلة بالبطولة والانتصار، كما لم تخلوا من الهزائم والخيانة.

والعبرة هي: أنّ أي انتصار جزئي هو خطوة ضرورية على طريق الانتصار الكامل. أقول ذلك لأنه في فترة لاحقة شاع فيها اليأس والانهزامية بين المتطوّعين العرب بعد أن طالت المدة وكثرت عوامل الإحباط، فكانوا يستصغرون شأن أي انتصار جزئي قائلين (إن ذلك النصر الصغير لن يحرر أفغانستان). إنّ النّصر في حروب العصابات هو عملية تراكمية طويلة. فالاستثمار الإيجابي لعملية كسب الوقت (بالتجهيز والتنظيم والتدريب) هو محور أساسي لتلك الحروب.

# كان لابد من اتفاق “سياسي” وبالأحرى ضخّ الكثير من الأسلحة والأموال بين أيدي القبائل لشراء ولائها، لضمان عبور دائم وآمن لقوات الجيش على ذلك الطريق الحيوي، ولكن كان حقاني هو العقبة الكبرى. وظل ذلك الوضع قائما حتى شتاء(1987 ـ 1988) حين تمكن الروس من كسر ذلك الحاجز بقوة الخيانة التي كان نجمها الساطع (عبد الرسول سياف) زعيم حزب الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان، متحالفا مع الجنرال نظر محمد وهو من قبائل زدران، وشغل يومًا منصب وزير الدفاع في الحكومة الشيوعية. وفي تلك المعركة أصيب حقاني في المعركة بجرح كبير في ركبته، وتمكّن مرافقوه من حمله بصعوبة من خلال الثلوج حتى يتم علاجه بعيدًا عن نيران العدوّ.

العدوّ بحماقته ساهم في تخليد ذكرى هزيمته المدوية في “إبراهيم خيل”، بأن جعل الدبابة الوحيدة التي نجت من المحرقة، رمزًا على بوابة أحد القيادات العسكرية في بداية طريق خوست. واضعا تحتها لافتة حجرية كتب عليها (الدبابة البطلة!)، حسب طريقة التمجيد السوفيتية. وكتبوا على اللافتة تاريخ المعركة التي نجت منها الدبابة منفردة وكسيرة الجناح.

إغلاق هذا الطريق كان ركيزة أساسية لمعارك فتح خوست بأن وضع المدينة تحت حصار بري استمرّ حتى شهر مارس من عام 1991 حين اقتحم المجاهدون المدينة بعد معركة ضارية استمرّت ثلاث أسابيع.

خلال تلك المدة كان إمداد المدينة يعتمد في الأساس على الإمداد الجوي عبر مطار المدينة. ومن هنا كانت أهمية إغلاق المطار وإخراجه من الخدمة، قبل ستة أشهر تقريبًا من اقتحام المدينة، في معارك ليلية بالراجمات استمرّت ما يقرب من شهر. (عن معركة إغلاق المطار قال عرب محبطون أن تلك العملية لن تحرر أفغانستان ـ رغم أن الذين قاموا بها كانوا عربًا نسقوا جيدًا مع مجموعات المدفعية والمراقبة اللاسلكية الأفغانية).

فتح المدينة تم بنجاح تام بقيادة حقاني في مارس عام 1991م. فقيادتة كانت سببًا مباشرًا لذلك الفتح، بعد معارك جزئية ضارية استمرّت لسنوات، دفع فيها مئات الأبطال أرواحهم في الجبال المحيطة بالوادي وفي السهول والقرى المحيطة بالمدينة.

وأبرزت معركة فتح خوست قمة التطور في قدرات حقاني كقائد هو الأبرز في كل الحرب ضد السوفييت بإنجازاته العسكرية التي توجها بفتح خوست ثم اقتحام مدينة جرديز، التي بعدها بأيام تهاوت كابول نتيجة تصدعاتها الداخلية وتحلل جيشها وانقلاب المكونات المتحالفة داخل النظام الشيوعي.

** لابد أن نشير هنا.. وسنعود لاحقًا ومرارًا.. إلى التأكيد على أن موهبة حقاني العسكرية والقيادية، كان تماثلها مهاراته السياسية في التعامل مع القبائل. وتلك نقطة خطيرة سنعود إليها مرارًا. لأنها سرٌ كبير في بقاء واستمرارية حقاني. عكس كثير من الأبطال الكبار الذين طوتهم المؤامرات الداخلية والخارجية. حتى أصبح حقاني قوة لا يمكن تجاوزها في باكتيا، وبالتالي كل أفغانستان. ومن ذلك استمدّ قوة سياسية في المجال السياسي الخارجي أيضًا، فاستطاع أن يخرج من عنق الزجاجة الذي فرضه الأعداء على جهاد أفغانستان.

 ** ونضيف أيضًا أنّ نجاح حركة طالبان والإمارة الإسلامية، وقدرتها على الاستمرار والانتصار، يرجع أساسًا إلى براعتها التي لا تضاهي في التعامل مع المجتمع القبلي في أفغانستان. وتلك النقطة تحديدًا جعلت من حقاني وحركة طالبان نسيجًا واحدًا إسلاميًا وأفغانيًا أصيلًا، لا يمكن عزله أو اقتلاعه من التربة الأفغانية أو تعمد نسيانه أو تجاهله، من الآن وإلى قيام الساعة.

 

في مواجهة الطائرات: الطلقة الثالثة.. ثابتة:

الطيران معضلة دائمة تواجه حرب العصابات في كافة مراحلها. خاصة في مرحلتها الأولى حيث تنعدم الخبرة اللازمة، إلى جانب نقص الأسلحة الثقيلة الملائمة “لتخويف” الطائرات، أو إسقاطها بفضل الدعاء إلى الله.

أول تجربة مباشرة عاصرتها مع الطيران، في مرحلة الحرب الأولى كانت عند حقاني في مركز سرانا. حيث حطّم نظرتي لسلاح الطيران بشكل غير متصور. كنت أعرف أن الحرب التقليدية تحسم في السماء أوّلًا فمن يسيطر عليها يكسب المعركة. ونتيجة لتجربة بلادنا في حرب 1967 روّج النظام المصري بشدة لقدرة الطيران الخارقة في كسب الحروب، وكتبوا عن قدرات الطيران الحديث أشياء كثيرة، بعضها صحيح وبعضها مبالغ فيه لتبرير هزيمتهم المخزية. بهذه الخلفية عن الطيران بما فيها من صواب وخطأ وتشويش ـ وجدت نفسي أصطدم مع “العقيدة العسكرية ” لحقاني.

أخذني حقاني إلى أعلى قمة في الجبل كي يطلعني على قمة تطورهم التسليحى، وقدراتهم “لمكافحة ” طيران العدوّ. كان سلاح ” الدفاع الجوي” ـ إن جازت التسمية، وهي قطع لا تجوز عبارة عن مدفع صنع في بلجيكا لحساب ” الجيش الملكي الأفغاني” عام 1941م حسب ما هو منقوش على لوحة على سطح السلاح ـ الرامي على المدفع شخص واحد هو “بادشاه” أي الملك، وهو ابن عم حقاني، وشخصية لم يصادفنى لها نظير في كل ما تلي ذلك من سنوات.

متوسط الطول، ذو جسدٍ صلبٍ قُدّ من صخور “ساتى كاندو”. عيونه زرقاء مثل شاهبين ثاقبين. كان مشهورًا بالشجاعة، وفي ذلك مبالغة كبيرة، لأنه في الحقيقة لم يسمع يومًا عن شيء اسمه خوف، كان هكذا بالفطرة. كان واحدًا من أبناء عمومة حقاني الذين وقفوا إلى جانبه بكل ما يملكون. ونتيجة لصفاته سالفة الذكر كان هو الأنسب في كل أفغانستان الذي يمكن أن يقف ذلك الموقف الذي شاهدته. هو ومدفعه العتيق متمركزان تمامًا على خط الأفق على قمة الجبل. فأصبحا معلما بارزا تراه جميع طائرات العالم. تلك كانت مواصفات الرجل.

أما مميزات المدفع الذي يعمل عليه (بادشاه) فهي أنه يتعطل في الطلقة الثالثة، فينحشر المظروف في ماسورة السلاح، بكل دقة وبلا تأخير أو تقديم في عدد الطلقات. لم يعجبنى شيء ممّا رأيت أو سمعت. فقد رأيت أن “بادشاه” سوف يستشهد عاجلًا وليس آجلًا. وذلك المدفع المستهلك سيكون سببًا لهلاكه، وجاذبًا للطائرات صوب مقر القيادة الذي يقيم فيه حقاني. وبذلك يتعرض هو أيضًا للخطر. أما القرية على القمة القريبة المقابلة، فهي هدف سهل سنراه محترقًا ومدمرًا كما شاهدنا القرى والطيران يحرقها ونحن في الطريق.

أنزلوا المدفع قليلًا إلى السفح في منطقة تم تمهيدها كطريق للمشاة. وبدأ حقاني ورجاله في التمرين على الإطلاق تحت إشراف (بادشاه) الذي كان سعيدًا ونشيطًا وهو يشرح ويعطي الإرشادات. ثم يأخذ قضيبًا طويلًا من الحديد كى يخرج الطلقة (الثالثة) المحشورة في ماسورة المدفع.

الجميع كانو ا سعداء، ولم أكن كذلك. تكلمتُ مع صديقي أحمد حول مخاوفي من قصة المدفع. ذهبنا للحديث مع “بادشاه” بجانب مدفعه على خط الأفق. واقترحنا عليه أن نقيم له محيطًا من الأحجار للوقاية من شظايا القنابل. وبدأنا على العمل الهندسي وصنعنا دائرة من الصخور حول المدفع متسعة تكفي للحركة الدائرية الكاملة ثم وضعنا بين الصخور أفرع من نباتات وأشجار للتمويه.

بعد ذلك المجهود المرهق. سألنا “بادشاه” عن رأيه فقال: إنّه عمل جيد وجميل. فنزلنا نحو جدول الماء بالأسفل من أجل الوضوء وغسل وجوهنا من العرق والأتربة. وما أن بدأنا الصعود حتى كان “بادشاه” قد حمل مدفعه إلى خارج الاستحكامات، قائلا إنها تعيق حريته.

بدأ أوّل اشتباك مع الطائرات عندما كنت قريبًا من القمّة. طائرة “ميج” سوفيتية أسقطت قنبلتان على الجانب الآخر من الجبل، أحدها لم تكن بعيدة عن المدفع. أخذت الطائرة تدور حول الموقع في دائرة واسعة، و”بادشاه” غير مبالي بها منشغلًا بإخراج الطلقة الثالثة المحشورة في المدفع.

كان السفح يخلو من أي خندق أو حتى مجموعة صخور مناسبة للاختباء، كان يجب أن أنزل حتى مجلس الاجتماعات حيث مجموعة جيدة من الصخور فجريت نحوها. عندها شاهدني حقاني متلبسا بتلك الجريمة. وما أن ابتعدت الطائرة عن الموقع لتدور في حلقة واسعة حول المكان حتى صرخ غاضبًا يؤنبني قائلًا: أنت عربي.. لماذا لا تطلق النار على الطائرة؟ لماذا تجري؟ .

كنتُ مذهولًا من كلامه، حيث كنت أعتقد بأنني أتصرف بطريقة صحيحة، وأن العثور على مكان مناسب يأتي أوّلًا، ثم بعدها إطلاق النار.. إن كان ضروريًا، فما بالك وأنا لا أرى له أي ضرورة، لأنه ما أن رفعتُ رأسى إلى السماء حتى كانت الطائرة الميج قد أصبحت فوق القرية بدون أن تقصفها ثم مضت بعيدًا.. لم يستغرق الأمر وقتًا، فما جدوى إطلاق النار في أعقاب طائرة نفاثة؟ ليس هناك فرصة لإصابتها، وما لدينا من طلقات هو قليل بالفعل، فلماذا نصرفه بدون احتمال، ولو بنسبة ما، من إمكانية التأثير؟

كان حقاني غاضبًا، وأنا مندهشًا، والدخان يتصاعد من خلف الجبل و”بادشاه” منهمك مع الطلقة الثالثة.

تذكرتُ على الفور ما قاله المولوي الشاب من “غزني” إذ قص علي قصته عندما كان جالسًا مع أمه على سطح البيت. وإذ بالطائرات النفاثة تنقض على القرية وتمطرها بالقنابل فانتفض الشاب واقفًا، ساحبًا أمه للاحتماء بشيء أسفل الدار. فانتهرته بشدة قائلة له: ألا تخجل من نفسك ! أنت مولوى حافظ لكتاب الله وتخاف من كافر.. اجلس ! فجلس معها إلى أن انتهت الغارة. ثم نزلا ليعالجا النتائج.

ذلك التحدي بلا حدود هو أحد مكوّنات الشخصية الأفغانية والمجاهدين بشكل خاص. في البداية ظننتُ أنّه أمرٌ لا معنى له حتى ظهر تأثيره المدمّر على نفسيات العدوّ. البعض أفرط في التحدي فكانت الخسائر كبيرة. من حسن الحظ أنّ حقاني لم يكن كذلك بل كان مهتمًّا جدًا بإجراءات الحماية، قدر اهتمامه بإجراءات الهجوم.

فعندما كنا أسفل الوادي تحت الأشجار في مكان اللقاء الأول الذي ألقينا فيه الخطب، كان حقاني يأمر رجاله بالوقوف تحت الأشجار وفي الظل حتى لا تراهم الطائرات. وكان من وقت إلى آخر يرفع رأسه إلى السماء ويجول بعينيه في محيط المكان.

إذن فما هي المشكلة.. ولماذا غضب مني هكذا؟ اكتشفت لاحقًا أنه كان يخشى من تفشي حالة الخوف وانتقالها بين الرجال بالعدوى. لأن إمكانية التصدي للطائرات هي عمليًا معدومة. فلو اكتشف الرجال ذلك فربّما ضربهم اليأس وانصرفوا عن الجهاد، لأنه مستحيل عمليا بسبب الطائرات.

(مثل هذه الحالة ضربت سكان القرى في أفغانستان في بداية الغزو الأمريكى حيث فشلت خبرة طالبان القديمة في معالجة التفوق التكنولوجي للطيران الأمريكي، فتكبدوا خسائر كبيرة، وتعرضت القرى المحيطة بهم لضربات انتقامية من الطيران الأمريكي).

بالتجربة والخطأ وبطول الممارسة وبذل الدماء تعلّم المجاهدون الأفغان كيف يواجهون الطيران. أفضل السبل حسب ما رأيتُ كان استخدام الأرض لمواجهة الهجوم القادم من السماء ـ الوسيلة الأفضل هي الخنادق والمغارات، بعد ذلك تأتى استخدام التضاريس الطبيعية مثل الصخور ومجاري السيل، والأجمل كانت التضاريس متفاوتة الارتفاع في الجبال. فكثيرًا جدًا جاءت القنابل قريبة للغاية من المجاهدين ولكن على مستوى من الأرض أعلى أو أقل ارتفاعًا، فيضيع تأثيرها في الحالتين. ونادرًا ما كانت القنابل تأتي بشكل مباشر على رأس الأفراد. وعمومًا كانت الطائرات هي أقل أدوات الحرب التي أوقعت قتلى بين المجاهدين، بالمقارنة مع الوسائل الأخرى. ولكنها كانت الأكثر تأثيرًا معنويًا على المجاهدين أكثر من أي سلاح آخر لدى العدوّ. بينما خسائرها للمدنيين في القرى كانت هائلة في الأرواح والماديات.

 

حقاني وتحييد سلاح الطيران الطيران:

لابد أن نذكر هنا، كيف أسقط حقاني هيبة الطيران بأساليب مختلفة في فترات زمنية مختلفة، وربما في نفس الفترة الزمنية لكن في مناسبات مختلفة.

أذكر مجهوده في ذلك خلال معركة “ليجاه” في جنوب خوست عام 1982م كان هدف العملية هو إزالة موقع حصين للجيش الحكومي يمنع المجاهدين من دخول وادي خوست الفسيح حيث المدينة ومطارها وحزامها الأمني الأوّل. كانت بداية العملية ناجحة، وأوشك العدوّ على الانهيار لولا حقول الألغام التي أوقفت زحف المجاهدين.

أخذ الطيران يقصف بشدة، وبدأت النفاثات الروسية في حرق الشعاب. وكانت تؤدي عروضا استعراضية في بعض الأحيان، مظهرين المهارة وفرحة الانتصار، وكان ذلك يبعث على الغيظ والقهر. كان لدى المجاهدين رشاش وحيد من طراز”دوشيكا ” ولم يُجْد نفعًا، حتى التزم الصمت عندما ركزت عليه الطائرات. المروحيات بدورها كانت تهاجم في مجموعة من أربعة أو خمسة طائرات دفعة واحدة. توقف المجاهدون حتى عن الرماية عليها بالبنادق عندما شعروا بعدم جدوى ذلك. النتيجة : نحن صامتون ونزحف من صخرة إلى أخرى أو بين الشجيرات، بينما المروحيات فوق رؤوسنا تمامًا.

وما أن نجتمع للصلاة أو لتناول لقيمات من الخبز، حتى يداهمنا الطيران ويحَوِّل راحتنا إلى دروس في الزحف بين الأعشاب والتسلل يين الصخور.

ضاعت منا المبادرة تمامًا. وحقول الألغام أوقفت الزحف إلى الأمام. لم يكن حقاني معنا وقتها، ولم يدر أحد ماذا علينا أن نفعل.

جاء حقاني إلى ليجاه برفقة أربعة من رجاله، وصعد على الفور إلى القمة المواجهة لتجمعنا الرئيسي. وكان تسليحه الشخصي وقتها هو (RPG). وكان يستخدمه كمدفع مضاد لطائرات الهيلكوبتر تحديدًا. كانت النفاثات تدور مرتفعة حول الموقع، وجلس حقاني مع رجاله فوق القمّةـ ولم تحضر المروحيات في ذلك اليوم. لكن بجرأته وتحديه انبعثت حياة جديدة في المجاهدين. وكان قد أحضر معه كاشف عن الألغام اشتراه من سوق الأسلحة في مدينة ميرانشاة الحدودية. فتجمّع حوله المجاهدون ليشاهدوا هذا المخلوق العجيب، وهو يشرح لهم طريقة عمله وهم فرحون كالأطفال في أول أيام العيد. جربوا الجهاز فوق قطع معدنية مدفونة فأعطى إشارة، فهللوا فرحين. ومع ذلك لم يفد ذلك الجهاز بشيء حيث إنه يعطي إشارات على الدوام لأن الأرض مليئة بالشظايا، فعادوا مرة أخرى إلى الكشف اليدوي عن الألغام. ولكن هذه المرة تحت حماية جوية يقف على رأسها حقاني معه مدفعه المضاد للدبابات الذى يستخدمه لمكافحة المروحيات. عادت الحياة إلى رامي مدفع الدوشكا وبدأ يمارس نشاطه من جديد. والمجاهدون يطلقون نيران بنادقهم على الطائرات إذا كانوا في وضع ملائم. وهكذا انبعث من جديد مشروع فتح حصن ليجاه. بعد أن أسقط حقاني بشجاعته فقط “هيبة ” الطيران بواسطة تسليحه الشخصي الجديد، قاذف “RPG ” الذي لم يسقط أي طائرة. ولكن إسقاط هيبة السلاح وخوف الناس منه أهم بكثير من تدمير السلاح نفسه. أسقط المجاهدون الأفغان هيبة الدبابة ثم هيبة الطائرة حتى قبل أن يتمكنوا من امتلاك وسائل تدميرها فعليا. إيمان وشجاعة القيادة والمجاهدين كانا أدوات النصر وإسقاط هيبة العدوّ، وجميع أسلحته.

تواصلت مجهودات حقاني لتحييد سلاح طيران الخصم. وكان أعظم خطواته وأبعدها أثرًا هو برنامج للحفريات تواصل لسنوات حتى سقوط مدينة خوست. لذلك تحوّل إلى مشروع إستراتيجى وكان له أهمية كبرى في فتح المدينة المنيعة. وقد اعترف العدوّ بتلك الحقيقة، حتى أن رئيس الدولة (نجيب الله) كان يخرج على الهواء في الإذاعة مخاطبًا حافري مغارات خوست، وكانوا فى أغلبهم من ولاية (ميدان وردك)، ويطالبهم بالقدوم إلى كابول وسوف يقدم لهم ما يطلبونه من أموال، قائلا أن مغاراتهم أبطلت مفعول طائراته وصواريخه. ولكن الوقت كان قد فات وتبقى القليل جدًا من الوقت حتى يقتحم المجاهدون خوست، وتَبَقَّى من عمر النظام كله حوالي عام واحد.

 

إبطال سحر الدبابة :

إبطال التأثير النفسي للدبابة كان خطوة كبرى في العام الأول للجهاد. وكانت هي الخوف الأكبر للأهالي والمدنيين على السواء. ولذلك قصة شهيرة في ولاية باكتيا سمعناها ممّن خاضوا التجربة. سمعنا القصة في ليلة مقمرة فوق أحد سطح بيت قروي أثناء تحركنا نحو جرديز مع مولوي حقاني، وكان ذلك في عام1986م، وكان حقاني معنا في تلك الجلسة المقمرة التي لم تتكرر بعد ذلك(حضر تلك الجلسة كل من أبو حفص المصري، وأبو عبيدة البنشيري، وعبد الرحمن المصر ي، وقد تجمّعنا من أجل المشاركة في عمليات قرب جرديز. ولم يكن تنظيم القاعدة قد تشكل بعد). وفي تلك الجلسة أخبرني حقاني عن بعض أسرار معركة جاور الأخيرة، وسوف نذكرها في موضعها. كما حكى مجاهدو القرية عن تجربتهم في الحصول على سلاح “ضد الدبابة” لأول مرة، وكانت كالتالى :

كانت القرية مصدر قلق للحكومة الشيوعية لتمركز القائد “شاكرين” ومجموعته يهددون منها الطريق الرئيسي والمراكز الحكومية المنتشرة على طوله، لذا قصفها الطيران عدة

مرات وهجرها معظم السكان لكن “شاكرين” لم يتوقف، فقررالعدو شن حملة لاقتحام القرية وكانت الخطة أن تتقدم القوات على محورين الأول من الطريق الرئيسي نفسه ثم تنحرف الدبابات والمشاة نحو القرية حيث يوجد مدق ترابي يصلح لمرور الآليات. والمحور الثاني تتقدم عليه قوة أخرى عبر وادي شمل حيث ينزل المشاة ويتسلقون الجبال ثم يتوجهون صوب القرية، وهناك تلتقي القوتان وتهاجمان القرية في وقت واحد.

كانت الخطة جيدة، (ولكن على الورق وليس على الأرض). فعند التنفيذ وصلت القوة القادمة من اتجاه شمل أولاً. وأبلغ بدو الجبال شاكرين بتقدم القوات نحوه فخرج مسرعًا مع رجاله ونصب كمينًا للقوة فدمرها وأسر وقتل جميع من شارك فيها.

ولم يكد يفرغ من عمله حتى كانت القوة الأخرى قد وصلت بدباباتها إلى الطريق العام وبدأت تتقدم نحو القرية عبر المدق الجبلي، شعر الرجال بالذعر لتقدم الدبابات المفاجيء نحو قريتهم. ولكنهم كانو قد غنموا سلاحًا عجيبًا منذ قليل أخبرهم الجندي الذي يحمله أنه سلاح (ضد الدبابة) فطلبوا من الجندي أن يتقدم معهم لاستخدامه ضد الدبابات المتقدمة لكن الخوف أصاب الجندي ورفض أن يتحرك خطوة واحدة حتى ولو قتلوه. فطلبوا منه أن يشرح لهم كيفية استخدام ذلك السلاح فشرح لهم وأوصاهم بالتصويب على خط التقاء البرج مع جسم الدبابة.

أحد المجاهدين التقط السلاح وتقدم به نحو الخطر القادم ومن الطلقة الأولى طار برج الدبابة في الهواء واشتعلت فيها النيران. ولم تقف المفاجأة عند ذلك الحد، فالطابور المتقدم من الدبابات والمدرعات التي تحمل الجنود، وجميعها محشورة في مدق ضيق لا يصلح للمناورة. ذلك الطابور صدمته المفاجأة، إذ كان الضباط على يقين بأن ليس لدى المجاهدين أي سلاح مضاد للدبابات، واعتمدوا على حقيقة أن مجرد صوت الدبابة كفيل بأن يدفع أشجع الرجال لأن يفر من ساحة المعركة.

لذا قفز جميع الضباط والجنود من داخل الآليات رافعين أيديهم إلى أعلى معلنين الاستسلام لشاكرين ورجاله. (وكانت قصة مازال يتداولها المجاهدون إلى الآن).

كان توفيقاً من الله ألا تصل القوات المهاجمة في وقت واحد حسب الخطة المقررة. وأن يتمكن شاكرين من القضاء على الطابور الأول وتسليح رجاله بقاذف (RPG) ليكون سلاحه الرئيسي ليس لتدمير دبابة واحدة للشيوعيين بل لتدمير وأسر القوة المتقدمة كلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى