مأساة مضايا .. وصمة عار في جبين أدعياء حقوق البشر
أي عین يحسن بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع فلا تریقها أمام هذا المنظر الفظیع والمشهد المروع الذي یقطع نیاط قلب کل من کان له أدنی شعور بالإنسانیة فضلاً عن أن یکون مسلماً؟.
منظر أولئک المسلمین الذین وقعوا في حصار شدید في مدینة مضايا، من قبل ألدّ أعداء الله عبر التاریخ، الذین لا یعرفون في مسلم إلاً ولا ذمة، منعوا عنهم الماء والغذاء، حتی يجربون الموت واحداً تلو الآخر.
فأي قلب یستطیع أن یستقر بین جنبي صاحبه هنیئاً فلا یطیر غضباً حینما یری المسلمین من بني جلدته وهم یلوکون جراحهم ویتململون کالسلیم من القصف البربري النصیري وحلفائهم العلمانیین من الروس، الذین أذاقوا الأمة ولازالوا یذیقونها کؤوس الدمار والخراب والمجازر الجماعیة.
فالأحداث في الشام مازالت في طور الغلیان، ولا سیما الحصار الذي وقع منذ شهور وإلی الآن، الذي لا یعلم إلا الله إلی أیة نتیجة سینتهي، ولکن أملنا أن یرحم الله تبارک وتعالی هذه الأمة لینتهي الأمر إلی خیر.
وأما مدینة مضايا فهي (بلدة وناحية سوريّة إداريّة تتبع منطقة الزبداني في محافظة ريف دمشق. تقع البلدة شمال غرب دمشق في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتُعد مصيفاً رئيسياً هاماً في سوريا جنباً إلى جنب مع مدينة الزبداني. بلغ عدد سكان الناحية 16,780 نسمة حسب تعداد عام 2015 بالإضافة إلى حوالي 7 آلاف من النازحين من مناطقهم بسبب تداعيات الحرب في البلاد مع بداية الثورة السورية 2011 ضد السفاح بشار الأسد).
فکم یحز في القلب أن یظل المسلمون المضطهدون في مضایا، الذین هم تحت وطأة نیران النّصیریین یرددون الاستغاثة تلو الاستغاثة دون أن یلقون استجابة، وکم یزید في حزننا أن نری الجائعين من الأطفال والنساء والرجال والعجزة، يجرّبون الموت البطيء دون أن یحرک أحد ساکناً!
جثث من هياكل عظمية وأطفال يهيمون على وجوههم بحثاً عما يسد رمقهم. تلك هي الصورة المعبرة عن مضايا السورية التي يفرض عليها النظام السوري ومليشيا حزب الله اللبناني حصاراً منذ سبعة شهور، في حين يقابل المجتمع الدولي كل ذلك بالصمت.
فلا أمل بعد الیوم في المجتمع الدولي الذي ترأسه أمريکا، والمجموعة الأوروبیة، فلقد طالت وعودهم الواهیة، وأکاذیبهم الزائفة، وترهاتهم الباطلة، وأدرک المسلمون هنالک تماماً بأن السیاسة الأمریکیة والغربیة ماهي إلا من قاموس التندید والتسویف والتهدید والدعایة الإعلامیة، ولا تتجاوز ذلک.
وطیلة العامین الماضیین أصبح من الواضح وضوح الشمس في رابعة النّهار لدی المبصرین من المسلمین، والمعنیین بأمور الدین بأنّ أمیرکا وأذنابها الغربیين الموالین لها -علاوة على مسلکها الدبلوماسي المحنک- تعمل علی طریقة لا تنغص على العلمانیین والسفاحین. ولو لم یکن الأمر كذلک لکنا رأيناهم أحرزوا قصب السبق في مواجهة کلاب الأسد علی ثری الشام کما فعلوا في لیبیا.
ستبقى مأساة مضايا وصمة عار في جبين الإنسانية، فهي التي كشفت مدى التخاذل الدولي، وكيف غلّب مصالحه السياسية على حساب الدم السوري. نعم لقد مات الضمير الإنساني لدى الأنظمة الحكومية وصناع القرار، كما يبدو أن شريحة كبرى من الشعوب قد أدمنت رؤية الدم السوري يراق ولم تعد صور الهياكل العظمية نتيجة الجوع تحرك فيهم ساكناً.
فیا أیها المسلمون! إن لم تستیقظ الأمة في هذه اللحظة العصیبة، التي یلفظ فیها الشامیون ولاسیما أهل مضایا أنفاسهم الأخیرة، وبات الباطل یجثم علی صدرها لیکتم أنفاسها، ویطفئ نور الرسالة، فمتی تفیق؟ ومتی ينفض المسلمون غبار الذل، والهوان من فوق رؤوسهم؟
إن مأساة مضایا ما هي إلا واحدة من آلاف المآسي التي تعرض لها المسلمون في شتی بقاع الأرض، فالسؤال المطروح الآن؛ إلی متی سیظل المسلمون جسداً مبعثراً تنهشه کل ذئاب وکلاب الأرض؟
نعم؛ إنه لا یمکن للأمة أن تصل إلی قنطرة من سعادة إلا بالجهاد والدماء والأشلاء، کما یقول الشهید عبدالله عزام – رحمه الله – : «أیها المسلمون إن حیاتکم الجهاد وعزکم الجهاد ووجودکم مرتبط ارتباطاً مصیریاً بالجهاد. إنّ الذین یظنون أن دین الله یمکن أن ینتصر بدون جهاد وقتال ودماء وأشلاء، هؤلاء واهمون لایدرکون طبیعة هذا الدین».