
غير مصنف
حرب فكرية… ولكن بلا مقاومة
عبد الوهاب الكابلي
ما أجمل ما قاله الشاعر الهندي (أكبر إله الآبادي ) في شعره الساخر عن تأثير نظام التعليم الغربي حين قال:
إن فرعون مصر كان أحمقاً في قتله أولاد بني إسرائيل خوفا من بروز قائد فيهم يقودهم إلى الحرية والعز من حياة الاستعباد التي يعيشونها تحت سيطرة فرعون، إنه لو فتح لأولاد بني إسرائيل جامعة فرعونية واعتنى بتربيتهم تربية جامعات اليوم لأولاد المسلمين،لما لحقه العار من قتلهم، ولاطمأنّ من خضوع شباب بني إسرائيل له كما اطمأن الغرب اليوم من خضوع أبناء المسلمين الدارسين للمناهج التي صاغها شياطين الغرب لوزارات التعليم في العالم الإسلامي. ولكن فرعون الأحمق المتخلف الرجعي آنذاك سلط على رقابهم السيف بدلاً من أن يفكر في عملية (غسيل المخ) التي يجيدها فراعنة هذا الزمن التقدميون العصريون.
إن فرعون ذلك الزمن لو وضع الخطط السلمية لغزو أبناء بني إسرائيل فكرياً لاكتسب بذلك فائدتين عظيمتين، الأولى منهما استحقاقه لقب (المحسن العظيم ) لتثقيفه شباب بني إسرائيل وإخراجهم من الجهل والأمية إلى العلم والثقافة والأفكار التقدمية.
والثانية: هي تخلصه من مشكلة (الأصولية) التي كان يدعو إليها موسى وهارون عليهما السلام، وذلك بتجنيد شباب بني إسرائيل ضدهما علي طريقة قطع الشجرة ببعض أغصانها في الفؤوس.
وكان لا يستبعد أن يرى أفواج الشباب في الجامعات والشوارع ينادون بحياة فرعون والديمقراطية الفرعونية في مصر، كما نراها اليوم تنادي بحياة فراعنة الغرب والديمقراطية الغربية. إلاّ أن فراعنة هذا الزمن استفادت من تجارب التاريخ، وعرفت طرق التأثير في الأمم والشعوب، وتطورت الفرعنة كما تطور كل شيء في الحياة، وسهّلت التقنية العصرية كثيراً من الأمور التي كان يستصعبها الناس، أو كانوا يعتبرونها من المستحيلات.
إن فراعنة اليوم لا يلجئون إلى قتل الرضع والشبيبة للحيلولة من ظهور من سيكون سببا لزوال ملكهم، بل أقاموا مصانع عملاقة خطيرة لإذابة الشعوب والأمم فيها باستخدام حامض مذيب اسمه (التعليم) وإخراجها في صياغة جديدة في قوالب أعدتها باسم (المناهج العصرية) (والبيئة التعليمية الغربية) بأيدي صاغة خطيرين يسمونهم (خبراء التعليم). وقد أوجدت هذه الطريقة في أبناء المسلمين من هم أشد فرعنة من فراعنة الغرب الأصليين، وأقسى قلوباً في إذلال الأمة من المستعمرين العسكريين.
وقد استطاع الغرب أن يجعل الأمة الإسلامية من شرق العالم الإسلامي إلى غربه رهينة في أيدي عدد قليل من الحرامية الذين يعرفون برؤساء الدول وقادة الجيوش وزبانية السجون.
والغريب في الأمر أن فراخ أفكار التعليم الغربي الذين انسلخوا في جميع جوانب حياتهم من الدين والتعاليم الدينية، يتظاهرون بمظهر المصلحين المدافعين عن الدين والوطن، ويتهمون العاملين المخلصين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله بالفساد والإرهاب والخروج عن طاعة أولياء الأمور، وغيرها مما تحلو لهم من الألقاب والتسميات. وهذا نفس ما كان يتظاهر به فرعون موسى عليه السلام حين خوّف الناس بزعمه من إفساد موسى لهم وظهور الفساد بيده.
إن الاحتلال التعليمي للعالم الإسلامي هو في الحقيقة احتلال للبلاد الإسلامية بكل من فيها وما فيها، وقد سيطر عن طريقه الغرب على معظم بلاد المسلمين من دون أن يواجه فيها
مقاومة تذكر.
والتي لم تخضع له عن طريق التعليم سلّط الغرب عليها حرباً عشواء بحجة نشر الحرية والديمقراطية فيها ومواجهة الإرهاب الذي يهدد أمن العالم الغربي كما يدعون.
ومن الشعوب التي لم تصبغ حياتها بصبغة الغرب المادية الشعب الأفغاني المؤمن الذي قدم الملايين من أبناءه قرباناً لله تعالى، ودفاعاً عن دينه القويم، وسعياً لإقامة حكمه على أرض التضحيات والشهداء، ولازال يعيش أبناءه حياة الدماء والأشلاء والتشريد، ولكنه لازال مصراً على الاحتفاظ بهويته الدينية مهما كان الثمن.
إن التمسك بالدين الإسلامي وتطبيقه في جميع مجالات الحياة هو مما يكرهه الغرب كرهاً شديداً، لأنه يعتبره من العوائق الصعبة في سبيل فرض العلمانية، والتغريب، والسيطرة على العقول والنفوس في البلاد الإسلامية.
ولذلك سلّطت أمريكا وحلفاؤها الصليبيون حرباً فكرية خطيرة إلى جانب غزوها العسكري ضد الشعب الأفغاني المؤمن، واستخدمت فيها جميع أنواع وسائل التأثير المعاصرة للنيل من دينه وعقيدته وأخلاقه الفطرية المستقيمة التي لم تتلوث بلوثة الغرب المادية.
وقد استهدفت هذه الحرب الماكرة الجوانب المعرفية والاجتماعية في حياة شعبنا المجاهد ويقود هذه الحرب وزارتا التعليم والإعلام إلى جانب ما يقرب من ألف مؤسسة أخرى جاءت من الغرب للعمل في مجال الفكر والثقافة لمحاربة الإسلام والمعتقدات الإسلامية التي تأصلت في نفوس سكان هذا البلد، حتى أصبحت من أهم ميزاته التي يعرف بها.
ففتحت وزارة الثقافة والإعلام باب العمل الإعلامي والثقافي بمصراعيه لكل من هبّ ودب فأنشئت في أفغانستان التي يفتقر 90% من سكانها إلى نعمة الكهرباء عشرون قناة تلفزيونية، وما يقرب من مائتي محطة إذاعية في الولايات والمديريات، وتشرف على معظمها الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية (USAID).
كما بدأ نشر ثلاثمائة وستين صحيفة وجريدة يومية يملك
الشيعة الموالون للغرب مئة وخمسين منها، بين صحيفة ومجلة يستغلونها لنشر الأفكار المنحرفة التي تسعى للعلمنة والتشييع معاً لفرض سلطها الفكرية والثقافية على الأغلبية السنية التي تجاهد ضد الصليبيين.
وهذا ما جعل الأقلية الشيعية تتمتع بقوة إعلامية هائلة كهذه لأول مرة في تاريخ أفغانستان، وتاريخ الأقليات في العالم.
فهنالك كمية هائلة من المعلومات الأجنبية يصل قدرها إلى ملايين الصفحات يومياً تهاجم إيمان الناس وأخلاقهم كالسيل الجارف، وقد ظهرت آثار خطيرة جداً لهذا الغزو الإعلامي (الشيعو الصليبي) في المجتمع الأفغاني الذي عرف بالجهاد والتمسك بالدين على مرّ الأزمان.
وإذا ينتبه المسلمون الغيورون على دينهم إلى هذه الحرب الخطيرة فإن مستقبل أهل السنة مهدد بالزوال أو الرضوخ للأفكار الأجنبية الغازية.
وأمّا ما قامت به وزارة التعليم من الإجرامات الخطيرة التي لها أثر بالغ على مستقبل أفغانستان الإسلامي هو تغييرها لنظام التعليم والمناهج الدراسية بحجة التطوير ومسايرة الأوضاع والمعايير العالمية في نظام التعليم، فقد وضعت الوزارة وهي يشرف عليها خبراء التعليم الأمريكان نظاماً للتعليم على أسس غربية مادية بحته، وحذفت من المنهج الدراسي جميع المواد والمفاهيم التي كان يحافظ من خلالها على هوية الشعب الإسلامية وكرهه للاستعمار والمستعمرين.
ووضعت بدلاً عنها ما يدعو الجيل الناشئ إلى العلمانية، وإتباع الغرب، والعولمة، وغيرها من ركائز فلسفة الغرب المعاصرة، وقد دربت وزارة التعليم عدداً كبيراً من المدرسين من خلال البرامج التي وضعتها جامعة (نبرا سكا) الأمريكية التي بها قسم خاص بشؤون التعليم الأفغاني الذي أنشئ منذ عشرات السنين.
وهناك مئات من المؤسسات التعليمة والثقافية الأخرى إلى جانب جامعة (نبراسكا) الأمريكية المشرفة على وزارة التعليم الأفغاني جاءت من الدول الأوروبية والأمريكية تسعى جميعها في مجال الغزو الفكري والثقافي ضمن تنسيق مبرمج وتقسيم للأدوار لخلق أوضاع تعليمية وفكرية جديدة لها آثار بعيدة المدى على مستقبل أفغانستان من خلال صياغة جيل المستقبل
صياغة غربية ينسلخ فيها من كل ما هو إسلامي أو أفغاني.
وقد استوعبت هذه المؤسسات جميع جوانب المعرفة الدينية،
والعلمية، والمهنية وغيرها بهدف احتواء جميع فئات الدارسين للتأثير فيهم، ومن المبكيات المضحكات في هذا المجال أن إدارة إعادة البناء للولايات الأفغانية في الجيش المحتل تقوم بتعمير المدارس الدينية من الميزانية التي خصصت لمحاربة الدين، وتوظف فيها المدرسين الذين يشرحون الإسلام للناس بالطريقة الاستشراقية المشككة، وبالقدر الذي تريده أمريكا وحلفائها الصليبيون.
إن هذا الغزو الثقافي لخطير، وإن آثاره لمدّمرة، والمحزن في الأمر أنه لا يوجد في الساحة من يقاوم هذا الغزو، ويقف سداً منيعاً في طريقه.
لأن مقاومته تحتاج إلى المال والرجال والإرادات القوية التي لها خبرة في مواجهة الأفكار الواردة.
ولا يوجد منها شيء في الساحة.
وقد أوجد هذا العجز الدفاعي فراغاً كبيراً في مجال العمل للفكر الإسلامي الذي يجب أن يكون وراء العمل الجهادي المسلح كما كان أيام الجهاد الأفغاني العظيم ضد الروس والشيوعية.
إننا في جهادنا ضد الشيوعية والإتحاد السوفيتي كنا نتمتع بوجود عشرات الجامعات الحربية والمدنية للمجاهدين، وكانت هناك إدارات تعليمية وثقافية قوية في إطار المنظمات الجهادية، والتي كانت تتمتع بالمساعدات المالية من العالم الإسلامي، وكانت هناك كفاءات في العمل، ووقفت آنذاك مئات من المؤسسات الإسلامية الخيرية إلى جانبنا داعمة لجميع مشاريعنا التعليمية والثقافية والأخرى، وكان قد جاءنا صفوة العلماء، والدعاة والإعلاميين من العالم الإسلامي، من أمثال الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله تعالى، وإخوانه الآخرين.
إن الوضع اليوم يختلف عن الأمس بكثير، ومعاناتنا اليوم أكبر من الأمس بمئات المرات.
إننا كنا بالأمس نواجه دولة واحدة وهي روسيا، وكان يقف بجوارنا العالم الإسلامي كله، ولكن اليوم نواجه أكبر حلف عسكري صليبي عالمي شهده التاريخ تجتمع فيه جميع دول العالم بشكل من الأشكال ضد حركة جهادية لا تملك من وسائل الدفاع والمقاومة إلاّ دماءها، وأشلاؤها، وعظامها، التي تضحّي بها رخيصة في سبيل نصرة دين الله تعالى في ظروف ولىّ لها الموسرون من أمة الإسلام ظهورهم، وعجز المخلصون عن الوصول إلى نصرتها بسبب القيود والحدود.
وبما أن حركة طالبان ركزت جهودها علي الجانب العسكري، وصرفت إليه جميع إمكانياتها المالية، لأهمية هذا الجانب، فقد استغلت الجهات الغربية هذا الفراغ، وبدأت تعمل فيه بكل جدية وسرعة، ووظّفت لملأه الآلاف من الناس ليحاربوا الإسلام عن طريق العلم والثقافة.
ولكي نكون قد أبرأنا ذمتنا وأنذرنا المخلصين من أبناء أمتنا العزيزة، فإننا نهيب بالمسلمين المخلصين في كل العالم أن يقفوا إلى جانبنا بكل ما يستطيعون في دفع هذا الخطر الداهم، وأن يضعوا أيديهم في أيدينا، فإننا جميعا أعضاء جسد الأمة الواحد، جسد الأمة الجريح، فليكن وقوفكم الجاد إلى جانبنا بلسم جرحنا النازف، وبوقوفكم معنا سوف تنقذون جيل المستقبل من الوقوع في براثن التنصير، والعلمنة، والتغريب.
فإن مثل الشعب الأفغاني البعيد عن آثار حضارة الغرب الملحد اليوم مثل جزيرة في وسط بحر مائج تضربها موجاته من كل جانب، وهي تواجه الموجات العاتية بصخورها القوية العظيمة، وتحافظ على كيانها من الغرق.
إن المجاهدين اليوم عزموا على العمل الفكري إلى جانب العمل العسكري، فهم اليوم بحاجة إلى المدارس وطباعة الكتب للتوعية الدينية.
وهم بحاجة كذلك إلى العمل الإعلامي من خلال الإذاعات المحلية المنتقلة، والجرائد، والمجلات، وتربية الكوادر الإعلامية للمستقبل.
وهي مسؤولية مشتركة بين جميع المدافعين عن الإسلام وكرامة الأمة الإسلامية، وإذا لم ننتبه إلى هذا الجانب فإن الحرب التي تقودها الدول الصليبية بلا هوادة سوف تمّيع الشعب الأفغاني أيضاً، وسوف يفعل به ما فعل بالشعوب الإسلامية الأخرى وهنالك سنندم ولا ينفع هنالك الندم.
إن فرعون مصر كان أحمقاً في قتله أولاد بني إسرائيل خوفا من بروز قائد فيهم يقودهم إلى الحرية والعز من حياة الاستعباد التي يعيشونها تحت سيطرة فرعون، إنه لو فتح لأولاد بني إسرائيل جامعة فرعونية واعتنى بتربيتهم تربية جامعات اليوم لأولاد المسلمين،لما لحقه العار من قتلهم، ولاطمأنّ من خضوع شباب بني إسرائيل له كما اطمأن الغرب اليوم من خضوع أبناء المسلمين الدارسين للمناهج التي صاغها شياطين الغرب لوزارات التعليم في العالم الإسلامي. ولكن فرعون الأحمق المتخلف الرجعي آنذاك سلط على رقابهم السيف بدلاً من أن يفكر في عملية (غسيل المخ) التي يجيدها فراعنة هذا الزمن التقدميون العصريون.
إن فرعون ذلك الزمن لو وضع الخطط السلمية لغزو أبناء بني إسرائيل فكرياً لاكتسب بذلك فائدتين عظيمتين، الأولى منهما استحقاقه لقب (المحسن العظيم ) لتثقيفه شباب بني إسرائيل وإخراجهم من الجهل والأمية إلى العلم والثقافة والأفكار التقدمية.
والثانية: هي تخلصه من مشكلة (الأصولية) التي كان يدعو إليها موسى وهارون عليهما السلام، وذلك بتجنيد شباب بني إسرائيل ضدهما علي طريقة قطع الشجرة ببعض أغصانها في الفؤوس.
وكان لا يستبعد أن يرى أفواج الشباب في الجامعات والشوارع ينادون بحياة فرعون والديمقراطية الفرعونية في مصر، كما نراها اليوم تنادي بحياة فراعنة الغرب والديمقراطية الغربية. إلاّ أن فراعنة هذا الزمن استفادت من تجارب التاريخ، وعرفت طرق التأثير في الأمم والشعوب، وتطورت الفرعنة كما تطور كل شيء في الحياة، وسهّلت التقنية العصرية كثيراً من الأمور التي كان يستصعبها الناس، أو كانوا يعتبرونها من المستحيلات.
إن فراعنة اليوم لا يلجئون إلى قتل الرضع والشبيبة للحيلولة من ظهور من سيكون سببا لزوال ملكهم، بل أقاموا مصانع عملاقة خطيرة لإذابة الشعوب والأمم فيها باستخدام حامض مذيب اسمه (التعليم) وإخراجها في صياغة جديدة في قوالب أعدتها باسم (المناهج العصرية) (والبيئة التعليمية الغربية) بأيدي صاغة خطيرين يسمونهم (خبراء التعليم). وقد أوجدت هذه الطريقة في أبناء المسلمين من هم أشد فرعنة من فراعنة الغرب الأصليين، وأقسى قلوباً في إذلال الأمة من المستعمرين العسكريين.
وقد استطاع الغرب أن يجعل الأمة الإسلامية من شرق العالم الإسلامي إلى غربه رهينة في أيدي عدد قليل من الحرامية الذين يعرفون برؤساء الدول وقادة الجيوش وزبانية السجون.
والغريب في الأمر أن فراخ أفكار التعليم الغربي الذين انسلخوا في جميع جوانب حياتهم من الدين والتعاليم الدينية، يتظاهرون بمظهر المصلحين المدافعين عن الدين والوطن، ويتهمون العاملين المخلصين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله بالفساد والإرهاب والخروج عن طاعة أولياء الأمور، وغيرها مما تحلو لهم من الألقاب والتسميات. وهذا نفس ما كان يتظاهر به فرعون موسى عليه السلام حين خوّف الناس بزعمه من إفساد موسى لهم وظهور الفساد بيده.
إن الاحتلال التعليمي للعالم الإسلامي هو في الحقيقة احتلال للبلاد الإسلامية بكل من فيها وما فيها، وقد سيطر عن طريقه الغرب على معظم بلاد المسلمين من دون أن يواجه فيها
مقاومة تذكر.
والتي لم تخضع له عن طريق التعليم سلّط الغرب عليها حرباً عشواء بحجة نشر الحرية والديمقراطية فيها ومواجهة الإرهاب الذي يهدد أمن العالم الغربي كما يدعون.
ومن الشعوب التي لم تصبغ حياتها بصبغة الغرب المادية الشعب الأفغاني المؤمن الذي قدم الملايين من أبناءه قرباناً لله تعالى، ودفاعاً عن دينه القويم، وسعياً لإقامة حكمه على أرض التضحيات والشهداء، ولازال يعيش أبناءه حياة الدماء والأشلاء والتشريد، ولكنه لازال مصراً على الاحتفاظ بهويته الدينية مهما كان الثمن.
إن التمسك بالدين الإسلامي وتطبيقه في جميع مجالات الحياة هو مما يكرهه الغرب كرهاً شديداً، لأنه يعتبره من العوائق الصعبة في سبيل فرض العلمانية، والتغريب، والسيطرة على العقول والنفوس في البلاد الإسلامية.
ولذلك سلّطت أمريكا وحلفاؤها الصليبيون حرباً فكرية خطيرة إلى جانب غزوها العسكري ضد الشعب الأفغاني المؤمن، واستخدمت فيها جميع أنواع وسائل التأثير المعاصرة للنيل من دينه وعقيدته وأخلاقه الفطرية المستقيمة التي لم تتلوث بلوثة الغرب المادية.
وقد استهدفت هذه الحرب الماكرة الجوانب المعرفية والاجتماعية في حياة شعبنا المجاهد ويقود هذه الحرب وزارتا التعليم والإعلام إلى جانب ما يقرب من ألف مؤسسة أخرى جاءت من الغرب للعمل في مجال الفكر والثقافة لمحاربة الإسلام والمعتقدات الإسلامية التي تأصلت في نفوس سكان هذا البلد، حتى أصبحت من أهم ميزاته التي يعرف بها.
ففتحت وزارة الثقافة والإعلام باب العمل الإعلامي والثقافي بمصراعيه لكل من هبّ ودب فأنشئت في أفغانستان التي يفتقر 90% من سكانها إلى نعمة الكهرباء عشرون قناة تلفزيونية، وما يقرب من مائتي محطة إذاعية في الولايات والمديريات، وتشرف على معظمها الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية (USAID).
كما بدأ نشر ثلاثمائة وستين صحيفة وجريدة يومية يملك
الشيعة الموالون للغرب مئة وخمسين منها، بين صحيفة ومجلة يستغلونها لنشر الأفكار المنحرفة التي تسعى للعلمنة والتشييع معاً لفرض سلطها الفكرية والثقافية على الأغلبية السنية التي تجاهد ضد الصليبيين.
وهذا ما جعل الأقلية الشيعية تتمتع بقوة إعلامية هائلة كهذه لأول مرة في تاريخ أفغانستان، وتاريخ الأقليات في العالم.
فهنالك كمية هائلة من المعلومات الأجنبية يصل قدرها إلى ملايين الصفحات يومياً تهاجم إيمان الناس وأخلاقهم كالسيل الجارف، وقد ظهرت آثار خطيرة جداً لهذا الغزو الإعلامي (الشيعو الصليبي) في المجتمع الأفغاني الذي عرف بالجهاد والتمسك بالدين على مرّ الأزمان.
وإذا ينتبه المسلمون الغيورون على دينهم إلى هذه الحرب الخطيرة فإن مستقبل أهل السنة مهدد بالزوال أو الرضوخ للأفكار الأجنبية الغازية.
وأمّا ما قامت به وزارة التعليم من الإجرامات الخطيرة التي لها أثر بالغ على مستقبل أفغانستان الإسلامي هو تغييرها لنظام التعليم والمناهج الدراسية بحجة التطوير ومسايرة الأوضاع والمعايير العالمية في نظام التعليم، فقد وضعت الوزارة وهي يشرف عليها خبراء التعليم الأمريكان نظاماً للتعليم على أسس غربية مادية بحته، وحذفت من المنهج الدراسي جميع المواد والمفاهيم التي كان يحافظ من خلالها على هوية الشعب الإسلامية وكرهه للاستعمار والمستعمرين.
ووضعت بدلاً عنها ما يدعو الجيل الناشئ إلى العلمانية، وإتباع الغرب، والعولمة، وغيرها من ركائز فلسفة الغرب المعاصرة، وقد دربت وزارة التعليم عدداً كبيراً من المدرسين من خلال البرامج التي وضعتها جامعة (نبرا سكا) الأمريكية التي بها قسم خاص بشؤون التعليم الأفغاني الذي أنشئ منذ عشرات السنين.
وهناك مئات من المؤسسات التعليمة والثقافية الأخرى إلى جانب جامعة (نبراسكا) الأمريكية المشرفة على وزارة التعليم الأفغاني جاءت من الدول الأوروبية والأمريكية تسعى جميعها في مجال الغزو الفكري والثقافي ضمن تنسيق مبرمج وتقسيم للأدوار لخلق أوضاع تعليمية وفكرية جديدة لها آثار بعيدة المدى على مستقبل أفغانستان من خلال صياغة جيل المستقبل
صياغة غربية ينسلخ فيها من كل ما هو إسلامي أو أفغاني.
وقد استوعبت هذه المؤسسات جميع جوانب المعرفة الدينية،
والعلمية، والمهنية وغيرها بهدف احتواء جميع فئات الدارسين للتأثير فيهم، ومن المبكيات المضحكات في هذا المجال أن إدارة إعادة البناء للولايات الأفغانية في الجيش المحتل تقوم بتعمير المدارس الدينية من الميزانية التي خصصت لمحاربة الدين، وتوظف فيها المدرسين الذين يشرحون الإسلام للناس بالطريقة الاستشراقية المشككة، وبالقدر الذي تريده أمريكا وحلفائها الصليبيون.
إن هذا الغزو الثقافي لخطير، وإن آثاره لمدّمرة، والمحزن في الأمر أنه لا يوجد في الساحة من يقاوم هذا الغزو، ويقف سداً منيعاً في طريقه.
لأن مقاومته تحتاج إلى المال والرجال والإرادات القوية التي لها خبرة في مواجهة الأفكار الواردة.
ولا يوجد منها شيء في الساحة.
وقد أوجد هذا العجز الدفاعي فراغاً كبيراً في مجال العمل للفكر الإسلامي الذي يجب أن يكون وراء العمل الجهادي المسلح كما كان أيام الجهاد الأفغاني العظيم ضد الروس والشيوعية.
إننا في جهادنا ضد الشيوعية والإتحاد السوفيتي كنا نتمتع بوجود عشرات الجامعات الحربية والمدنية للمجاهدين، وكانت هناك إدارات تعليمية وثقافية قوية في إطار المنظمات الجهادية، والتي كانت تتمتع بالمساعدات المالية من العالم الإسلامي، وكانت هناك كفاءات في العمل، ووقفت آنذاك مئات من المؤسسات الإسلامية الخيرية إلى جانبنا داعمة لجميع مشاريعنا التعليمية والثقافية والأخرى، وكان قد جاءنا صفوة العلماء، والدعاة والإعلاميين من العالم الإسلامي، من أمثال الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله تعالى، وإخوانه الآخرين.
إن الوضع اليوم يختلف عن الأمس بكثير، ومعاناتنا اليوم أكبر من الأمس بمئات المرات.
إننا كنا بالأمس نواجه دولة واحدة وهي روسيا، وكان يقف بجوارنا العالم الإسلامي كله، ولكن اليوم نواجه أكبر حلف عسكري صليبي عالمي شهده التاريخ تجتمع فيه جميع دول العالم بشكل من الأشكال ضد حركة جهادية لا تملك من وسائل الدفاع والمقاومة إلاّ دماءها، وأشلاؤها، وعظامها، التي تضحّي بها رخيصة في سبيل نصرة دين الله تعالى في ظروف ولىّ لها الموسرون من أمة الإسلام ظهورهم، وعجز المخلصون عن الوصول إلى نصرتها بسبب القيود والحدود.
وبما أن حركة طالبان ركزت جهودها علي الجانب العسكري، وصرفت إليه جميع إمكانياتها المالية، لأهمية هذا الجانب، فقد استغلت الجهات الغربية هذا الفراغ، وبدأت تعمل فيه بكل جدية وسرعة، ووظّفت لملأه الآلاف من الناس ليحاربوا الإسلام عن طريق العلم والثقافة.
ولكي نكون قد أبرأنا ذمتنا وأنذرنا المخلصين من أبناء أمتنا العزيزة، فإننا نهيب بالمسلمين المخلصين في كل العالم أن يقفوا إلى جانبنا بكل ما يستطيعون في دفع هذا الخطر الداهم، وأن يضعوا أيديهم في أيدينا، فإننا جميعا أعضاء جسد الأمة الواحد، جسد الأمة الجريح، فليكن وقوفكم الجاد إلى جانبنا بلسم جرحنا النازف، وبوقوفكم معنا سوف تنقذون جيل المستقبل من الوقوع في براثن التنصير، والعلمنة، والتغريب.
فإن مثل الشعب الأفغاني البعيد عن آثار حضارة الغرب الملحد اليوم مثل جزيرة في وسط بحر مائج تضربها موجاته من كل جانب، وهي تواجه الموجات العاتية بصخورها القوية العظيمة، وتحافظ على كيانها من الغرق.
إن المجاهدين اليوم عزموا على العمل الفكري إلى جانب العمل العسكري، فهم اليوم بحاجة إلى المدارس وطباعة الكتب للتوعية الدينية.
وهم بحاجة كذلك إلى العمل الإعلامي من خلال الإذاعات المحلية المنتقلة، والجرائد، والمجلات، وتربية الكوادر الإعلامية للمستقبل.
وهي مسؤولية مشتركة بين جميع المدافعين عن الإسلام وكرامة الأمة الإسلامية، وإذا لم ننتبه إلى هذا الجانب فإن الحرب التي تقودها الدول الصليبية بلا هوادة سوف تمّيع الشعب الأفغاني أيضاً، وسوف يفعل به ما فعل بالشعوب الإسلامية الأخرى وهنالك سنندم ولا ينفع هنالك الندم.