
حرس ليلة في سبيل الله
بقلم: عبدالله
أرض الجهاد أرض مباركة طيبة مغتبطة، لِما أودع الله فيها من البركات والخيرات، ومنّ علی أهلها بالجزاء الحسن، والأجر الجزيل.
فالمجاهد أينما كان في أرض الجهاد، يؤجر بما لا يناله العابد الزاهد وإن صام وقام طوال عمره. وهذا والله شرفٌ عظيم لو فقهه المجاهد واغتنم الفرص وأبعد عن نفسه الكسل والخمول.
أخي المجاهد! لقد جرّبنا كثيراً مجالسة الإخوة والمزاح معهم، وكان يفوتنا الكثير من الخيرات والحسنات التي ربما لا نحس بقيمتها الثمینة وأجرها الكبير.
لا أنكر أن نمازح الإخوة ونداعبهم حتی نزيل عنهم التعب وإن فعلنا ذلك فنحن مأجورون إن شاء الله؛ لأن متاعب أرض الجهاد شاقة ومرهقة ومزعجة، قد ترهق الأعصاب والوجدان، لكن مقصدي أننا ربما لا نکترث بالحراسة کثيراً فيفوتنا أجر کبير لسنا في غنیً عنه.
أخي المجاهد! لا يزعجك المكوث في معسكرات الثغور والرباط، فأمر الأمير خير لك في دنياك وآخرتك. استمع إلی حديث مسلم: عن سلمان الفارسي، عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنه قال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جری عليه عمله الذي كان یعمله، وأجری عليه رزقه وأمن الفتان» [صحیح مسلم، إمارة حدیث ۱٦۳].
فاعرف قدرك ومنزلتلك عند الله سبحانه وتعالی، فهذه الفرص لا تمنح لكثير من بني جلدتك الذین تعرفهم، فهذا فضل من الله سبحانه وتعالی عليك.
والصحابة رضوان الله تعالی عليهم أجمعين أفضل قدوة لنا في هذا المضمار، انظروا إلی أمير المؤمنین عثمان بن عفان رضي الله عنه يخاف أن یروي ما سمع عن النبي صلی الله علیه وسلم؛ لأن الصحابة رضوان الله تعالی عليهم كانوا عاملين بما يسمعون، فالإمام أحمد رحمه الله يروي في المسند ويقول: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا کهمس، حدثنا مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، قال: قال عثمان رضي الله عنه وهو یخطب علی منبره: إني محدثکم حديثا سمعته من رسول الله صلی الله علیه وسلم لم یکن یمنعني أن أحدثكم به إلا الضِّن بكم، سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم يقول: «حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها» [مسند أحمد ۱/ ٦٤-٦٥].
وقد رواه ابن ماجة بسنده عن عبدالله بن الزبير، قال: خطب عثمان بن عفان الناس فقال: یا أيها الناس إني سمعت من رسول الله صلی الله علیه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثکم به إلا الضن بكم وبصحابتكم، فليختر مختار لنفسه أو ليدع، سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم يقول: «من رابط في سبیل الله کانت کألف ليلة صيامها وقيامها». [سنن ابن ماجه، جهاد باب ۷].
أخي المجاهد! كن حیثما کنت فأنت مأجور إن شاء الله ولكي أشفي غلتك، أروي لك حدیثاً آخر عن البخاري رحمه الله الذي رواه في صحیحه؛ عن أبي هریرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: « تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتکس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبی لعبد آخذ بعنان فرسه في سبیل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع». [صحیح البخاري: جهاد باب ۷٠ ورقاق باب ۱٠].
وروی الحافظ بن عساكر في ترجمة عبدالله بن المبارك من طریق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملی علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج، وأنشدها معي إلی الفضيل بن عیاض في سنة سبعین ومائة، وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة: [الكامل]
يا عابد الحرمین لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان یتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهْج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا
قولٌ صحیح صادق لايکذب
لایستوي وغبار خيل الله في
أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا کتاب الله ینطق بيننا
لیس الشهيد بميت لا یكذب
قال: فلقيت الفضيل بن عیاض بکتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟
قال: قلت: نعم، قال: فاکتب هذا الحدیث کراء حملك کتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملی علي الفضيل بن عیاض:
حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هریرة أن رجلاً قال: یا رسول الله، علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدین في سبیل الله، فقال «هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟» فقال: یا رسول الله، أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صلی الله علیه وسلم «فوالذي نفسي بيده لو طُوّقتَ ذلك ما بلغت المجاهدین في سبیل الله، أوما علمت أنّ الفرس المجاهد ليستن في طوله، فيكتب له بذلك الحسنات».
استنّ الفرس یعني: عدا شوطاً أو شوطين ولا راكب علیه. والطِّوَل: الحبل.
أخي المجاهد! بعد هذا کله، ألا ینبغي علينا أن نخر ساجدين لله نشكره علی فضله ومنّه علينا، ونستغل الفرص ونشمر عن ساعد الجدّ فنحرص على الحراسة أکثر من الآخرین ونتعب أنفسنا کي یعلو شأننا عند الله سبحانه وتعالی وننال ما أعده لعباده الصالحین.