
حرمة نساء المجاهدين على الآخرين
أبو غلام الله
وكما أنّ الله سبحانه وتعالى فضّل المجاهدين الذين نفروا إلى ساحات الوغى، وميادين القتال، وشرّفهم على القاعدين أجراً عظيماً، كما قال سبحانه وتعالى: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)، فكذلك عظّم حرمتهم ووقّرهم، بل وحرّم على القاعدين عن الجهاد أن يأتو نساء المجاهدين ويخونوهم فيهن، إذ حرمتهنّ كحرمة أمهات القاعدين، كما أوضح ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أحمد وأبو داود واللفظ لأحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فقيل له هذا قد خلفك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما ظنكم؟
وقوله في الحديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم). معناه كما قال النووي: هذا في شيئين؛ أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر مُحَرَّم وخلوة وحديث مُحَرَّم وغير ذلك. والثاني في بـِرِّهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يُتوصل بها إلى ريبة ونحوها. اهـ.
وقوله في الحديث: (فما ظنكم)؟ قال النووي: معناه ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام؟ أي لا يُبْقي منها شيئاً إن أمكنه. اهـ.
روى الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وابن عمر، وأبو نُعيم في الحلية من حديث جابر، والحاكم في المستدرك من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة – وقال صحيح الإسناد – وهذا لفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم.
ورحم الله العلامة المَقـَّري إذ يقول:
عِفـُّوا تعِفَّ نساؤكم في المحرم وتجـنـبـوا ما لا يـليـق بـمسلم
يا هاتـكاً حُرَمَ الرجال وتابـعـاً طرق المفاسد عشتَ غيرَ مكرم
من يَزْنِ في قوم بألـفي درهم في أهـله يُزنى بـربع الـدرهم
إن الـزنا دَيْـن فإن أقـرضـتـَه كان الوفا من أهل بـيـتـك فاعلم
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه فقيل له فقال: إني أرحمها قتل أخوها معي.
قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: قال الله تعالى : وكان أبوهما صالحاً. فأحسن إليهما الخضر لصلاح أبيهما، ولذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نصلّي عليك؟ فقال: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، فجعل الصلاة عليهم صلاةً عليه، لوصول برّها إليهم وإليه. ورأى صلى الله عليه وسلم نساءً وصبياناً مُقبلين من عرسٍ فقام مُمْثلاً وقال: (اللهم إنهم أحبّ الناس إليّ، اللهم إنهم أحبّ النّاس إليّ). يعني الأنصار.
إكرام المتعلقين بالإنسان إكرامٌ لذلك الإنسان، فإكرام نساء الصالحين إكرامٌ للصالحين.