مقالات الأعداد السابقة

من ذكريات أمير المؤمنين رحمه الله

قصّ لي صديقي ذكريات أحد علماء مدينة هرات مع أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله، حيث قال: بعد فتح مدينة هرات بأيدي مجاهدي الإمارة الإسلامية، شاع في المدينة بأن أمير المؤمنين رحمه الله جاء إلى مدينة هرات، فقمت أنا مع جماعة من أساتذة المدرسة لزيارته وكان رحمه الله في “باغ إسلامي”، كان هناك ازدحامٌ شديدٌ، إلا أن معظمهم كانوا جنود الإمارة الإسلامية، فتقدمنا شيئاً فشيئاً، فقال أحد رفاقنا الذي كان قد زار المسؤولين ورجالات الإمارة: اصبروا ساعة حتى أنظر أين أجد أمير المؤمنين، ثم جاء بعد لحظة يسيرة وأرانا رجلاً جالساً على كرسي وهو متمعنٌ في فكرٍ عميقٍ ومن حوله بضع رجال مسلحين يجذبون معهم أطراف الحديث بصوت خفي.
فتقدمنا واقتربنا من أمير المؤمنين رحمه الله تعالى كي نصافحه، فلمّا علِم بمجيئنا أخذ يعانقنا ويصافحنا بكامل الاحترام والتبجيل، وسأل عن أحوالنا.
وعلى مقربة من أمير المؤمنين وجدنا علماء كباراً في السن، كلٌ يتكلم مع الآخر، فجلسنا في زاوية، ولا أذكر تماماً هل مضت ساعة أم لا حتى رأينا مجاهداً ينادي بأن الغداء جاهز، فاستعد الجميع للغداء، فكنتُ أرمق أمير المؤمنين وأراقبه ماذا سيفعل، هل سيجلس معنا أم سيذهب إلى مكان آخر، وهل له مكان مخصوص وطعام مخصوص، فرأيته قام من الكرسي وجاء إلينا، فغسل يديه وجلس معنا كمجاهد عادي وكأنه ليس زعيم البلاد، فقلت يا سلام! ما أروعه من رجل مثالي! وزعيم نبيل.
ثم قلت في نفسي لعل طعامه سيتميز عن طعامنا، وفي هذه الأثناء رأيت مجاهدين بأيديهما رداء وفيه الخبز، يوزعان الخبز علينا، وعندما وصلا إلى أمير المؤمنين رحمه الله تعالى تناول الخبز منهما، ثم أكل من الطعام الذي أكلنا منه، بحيث لم يكن يعرف الأمير من المأمور أصلاً.
وهكذا تخلدت ذكراه في مخيلتي، ولا أنسى تواضع أمير المؤمنين ونُبله، وزهده عن زخارف الدنيا. فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه.
كان أمير المؤمنين في حياته مثلاً حياً لكل ما يرجوه الشعب في قائده من أمانة واستقامة وحكمة ونزاهة وإخلاص وزهد، وكان مما أعانه على ذلك أمران: دين يحمله على أداء شعائره، ويُلجؤه عند الشدائد إلى ربّه وخالقه، وسمت عريق في النبل والسماحة ينزع به إلى أخلاق آبائه وأجداده، وما اجتمع هذان الأمران في زعيم إلا أكرماه باستقامة الطريق، ونقاوة الذمة، ويقظة الضمير، وترفّعا به عن الإسفاف إلى مراتع الأهواء والشهوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى