
حقاني بعد خمسين عاماً من الجهاد والنّضال يترجّل عن صهوة جهاده
أبو محمد البلوشي
إن عظمة الرجال وعبقريتهم وزعامتهم تُقاس بما يشغل وجدانهم وعقولهم من أفكار وأهداف يسعون من أجل إنجازها ويضحون من أجلها، وبقدرتهم على جمع الناس حول تلك الأهداف في عملية متناغمة ومنظمة نحو هدف واحد، وبإصرارهم على متابعة المسيرة. وهؤلاء القادة من شيمهم وصفاتهم أنهم لا يبالون بالمنايا والصعوبات ولا بالعويصات التي تعتريهم، إيمانًا منهم بأنّ كل شيء يسهل تجاوزه إذا امتلك المرء -أو الجماعة- الإرادة والصبر والقناعة. وهذه الصفات امتلكها القائد الشهيد خليل الرحمن حقاني ﵀، فكان في مصاف الرجال العظام.
حقاني مجاهدٌ ومناضلٌ صلبٌ لم يترك فرصة متاحة إلا وكان فيها شوكة في عيون الاحتلال السوفييتي، ثم فيما بعد الاحتلال الأمريكي، امتلك عزيمةً قويةً وإرادةً صلبةً لا تلين في كل الظروف والأحوال، فصمد طوال خمسين عامًا من عمره المبارك بصبر وثباتٍ لا مثيل له.
لم يهب الشهادة والمنيّة، بل طلبها في أتون المعارك وخضمّ المعمعات وأشرس الحروب، سخّر نفسه وطاقته وجهده وجهاده في سبيل قضيته، كان ذا موهبة خلاّقة ومبدعة، وكان شجاعًا من الطراز الرفيع، يشهد له تاريخه النضالي الميداني وسنوات جهاده الطويلة.
كان لا يهدأ له بال حتى ينجز ما يوكل إليه من مهامٍ وأعمال. كان مرفوع الرأس وشامخًا شموخ جبال الهندكوش والهملايا، حتى أصبح رمزًا للبطولة والفداء بين شعبه وشباب أمته.
نصف قرنٍ ليس بعمرٍ قصيرٍ أن تكون في الصف الجهادي وتعيش مع المجاهدين. خمسون عامًا تسطّر فيها أروع أمثال الشجاعة وصفحات البسالة والثبات، صفحات ستعلّم الأجيال القادمة الكثير من معاني البطولة والتضحية والفداء، وستُنبت وعيًا وإيمانًا في قلوب الشباب المقتفين آثاره وخطاه.
وبعد جهادٍ طويلٍ مضنٍ على مدار سنين الجهاد الأفغاني خلال الاحتلالين السوفييتي والأمريكي، وبعد أن عجزت يد الروس والأمريكان عن أن تصل إليه، وبعد رحلةٍ طويلةٍ من البذل والعطاء، يرحل الشيخ خليل الرحمن حقاني ﵀ في وزارته، متأثرًا بجراحه التي أصابته جراء عملية انتحارية غادرة جبانة، أقدم عليها انتحاريٌ من الغلاة البغاة؛ الذين نكّلوا بالأمّة، وضربوا بَرّها وفاجرها، فلم يتحاشوا مؤمنها، ولم يفوا لذي عهدها.
وخيرُ قتيل أهل الأرض حرٌّ وواتِرُهُ الخوارج والغُلاة
وما أجمل ما قال الشاعر الآخر:
بكتِ السّماءُ عليكَ حتى خِلتُها ثكلى تودّع زوجَها للحُورِ
بل حُقَّ أن يبكيكَ قاتلُك الذي أهداكَ ما ترجوهُ دارَ غفورِ
قتلوا عليًّا وابنَ عفانٍ بنا واستهدفوكَ بآثمٍ مأجورِ
ويلٌ لهم، دمُك المفدّى قبلةٌ للذاهبينَ إلى العُلى والنورِ
ويلٌ لهم، ماذا يقولوا إن أتوا دارَ الجزاءِ بوزرِك المَسطورِ؟!
فلا نامتْ أعين الجبناء، ولا نامتْ أعين القتلة المجرمين.
إنّ القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، أسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يكتب له أجر الشهادة في سبيله، وأن يجعل دمه لعنة على قاتليه، وشفيعًا له ولنا يوم القيامة.